وترصد صناعة الموت بإعادة تدوير واستخدام إطارات السيارات
أحمد عصام
كتب - أحمد عصام
هى سلسلة من الورش الصغيرة والمتوسطة التى تعمل تحت بير السلم لإنتاج إطارات الموت والتى تباع بنصف ثمنها مقارنة بالماركات الأخرى.
اقتحمت «روز اليوسف» أحد أكبر تلك الورش لتصنيع هذه الإطارات تحت سمع وبصر الحكومة.
وفى البداية تكشف حالة محمد، المتضررة من حادث سيارة بسبب انفجار إطار السيارة، لم تكن حالة فردية، ففى مصر 12 ألف مواطن يموتون بحوادث طرق سنوياً، وفقاً لتقرير صدر عام 2014 لبرنامج سلامة الطرق، فيما تقول منظمة الصحة العالمية إن مصر تخسر سنوياً ما بين 20 و 60 مليار جنيه نتيجة حوادث الطرق.
يكشف هذا التحقيق قيام أصحاب ورش ومحال بيع إطارات غير مرخصة، بإعادة نقش (حفر) الإطارات بعدما تنتهى صلاحيتها بتجاوز مسافة تتراوح بين 40 – 50 ألف كيلو متر حددتها الشركات العالمية للإطارت، بأدوات وطرق بدائية مخالفة للمواصفات القياسية لإعادة تجديد الإطارات، لبيعها من جديد فى السوق على أنها صالحة للاستخدام، فى غياب رقابة مباحث التموين التابعة لوزارتى الداخلية والصناعة والتجارة مما يتسبب فى زيادة حوادث الطرق ويعرض حياة المواطنين للوفاة أو الإصابة.
عند تتبع إطار سيارة محمد، والمكان الذى اشترى منه مالك السيارة هذا الإطار، توصلنا إلى قرية «ميت الحارون» التابعة لمدينة «زفتى» بمحافظة الغربية، والذى يطلق عليها إعلامياً مسمى «قرية الذهب الأسود» نظراً لأن أكثر من 80% من الأهالى والأسر يعملون فى تدوير إطارات السيارات، إذ يقومون بجمع الاطارات منتهية الصلاحية (غير الصالحة للاستعمال) ويقومون باعادة تدويرها وصناعة المقاطف «وعَاء صغير مصنوع من الجلد» ومن ثم بيعها، وأن شباب القرية بتلك الطريقة يحاربون البطالة المنتشرة فى البلاد، حيث يوجد 3.5 مليون عاطل عن العمل فى مصر من إجمالى قوة العمل فى الربع الثانى من 2015، أى بنسبة 12.7% من المصريين وفق بيانات الجهاز المركزى للاحصاء فى 2015.
عبد القادر الونش، 38 عاماً، سائق سيارة نقل ثقيل من محافظة الدقهلية ويحمل رخصة قيادة درجة أولى، قال: إن السيارة النقل التى يعمل عليها يكلف تغيير اطاراتها ١١٧ ألف جنيه (15.500 ألف دولار)، حيث تشمل السيارة من نوعية (3 إكس) على 28 إطاراً 16 منهما فى المقطورة و12 فى القاطرة الامامية، الزوج الجديد (الاثنين منهما) أسعارها لا تقل عن 9.700 ألف جنيه (990 دولار)، لذلك يقوم مالك السيارة بشراء إطارين جديدين فقط يتم تركيبهما فى المنطقة الأمامية التى تحمل مقدمة السيارة، فيما يذهب إلى قرية «ميت الحارون» حيث محلات الاطارات المستعملة ويقوم بشراء باقى الاطارات كلها المطلوبة (أى ما يقرب من 26 إطارًا) من المستعمل المعاد ترميمه الذى يبدو كأنه جديد بتكلفة تبلغ ربع المبلغ تقريباً 2000 جنيه (240 دولارًا) لتوفير الأموال.
الطريق لـ«ميت الحارون»
إطارات مهملة على جانبى الطريق، وعشش وأكواخ ممتلئة عن آخرها ببقايا الاطارات الممزقة، وسيارات تخرج وتدخل تمتلئ بالإطارات المقبلة أو الخارجة من تلك القرية التى تستهلك مدة الساعتين لتصل إليها من القاهرة.
فى القرية، طلبة تركوا مدارسهم للعمل فى ورش الاطارات والبيع، لمساندة عائلاتهم، بالرغم من أن القرية بها مدرسة ابتدائية – بحسب تأكيدات بعض الأهالى فى القرية الذى يبلغ تعداد سكانها5 آلاف نسمة وفقاً لإحصاء الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء.
يزعم فريد نقشة – وتلك هى شهرته – أحد نقاشى الإطارات فى «ميت الحارون» والذى يمتلك ورشته الخاصة داخل منزله، ويستخدم (كاوية صلب موصلة بالكهرباء) يتم تسخينها فى إعادة النقش – استطعنا تصوير عملية إعادة النقش كاملة – أن النقشة الذى يقوم به لها فائدة كبيرة جدا بالنسبة للسائقين، فإذا كان الإطار ممسوحاً وبلا نقش فى الجزء العلوى ومستخدمة فى سيارة نقل على سبيل المثال، إذا حاول السائق استخدام الفرامل يقوم الاطار بالانزلاق وتكون السيارة معرضة لأى حادث أو الاصطدام بالسيارة الموجودة أمامها، ولذلك يقوم بإعادة نقش الإطار من جديد من خلال تفريغ مسارات سطح الإطارات لتساعده عندما يستخدم الفرامل بالتشبث والتمسك فى الأرض.
نقشة يضيف، أنه عندما يكون الإطار (بلا نقش) ويتم عرضه فى محلات بيع الإطارات تجبر مالك المحل لبيعه بثمن بخس وأقل بكثير مما إذا كان منقوشاً، أما فى حال إعادة نقش الاطار يتم رفع سعر الإطار لأنها تجعل الزبون سعيدًا بمظهرها الخارجى، منوهاً بأنه يعمل منذ ٣٥ عاماً فى تلك المهنة (اعادة النقش)، وأن القرية بها ما يقرب من 4 نقاشين للاطارات ينتجون بشكل متوسط يومياً 40 إطاراً بمعدل 10 لكل نقاش يومياً.
نقشة يزعم، أن الإطار مسموح بنقشه لمرتين فقط وذلك لأن سمك المادة الكاوتش (اللحمية – بحسب تعبيره) يتم تآكلها بعد ذلك خلال عملية الحفر، منوهاً إلى أن بعض السائقين يلجأون لإعادة نقش إطاراتهم عندما يذهبون لتجديد رخص سياراتهم حيث تفحص السيارة والإطار شكليا من قبل شرطة المرور التابعة لوزارة الداخلية، فإذا كان مظهر الإطار غير منقوش لا يتم التجديد له.
بعد أكثر من شهر من البحث والتقصى تأكد «معد التحقيق» من أن معظم أصحاب محلات بيع الإطارات فى القرية يحتفظون بشكل سرى بماكينات نقاشة كهربية (فى حجم كف اليد وتشبه ماكينات الحلاقة الكهربية ولها مقدمة مدببة يتم غرسها فى كاوتش الإطار لإعادة حفره) حيث يستخدمونها بشكل خاص لإعادة حفر إطارات قبل عرضها للزبائن من السائقين – استطاع معد التحقيق تصوير ماكينات منها، إذ يبلغ سعرها حوالى 2000 جنيه (240 دولارًا) للماكينة الواحدة ويتم استيرادها من خارج مصر.
بالرغم من أن المشهد الواضح للعيان أن تلك الإطارات مخالفة للمواصفات القياسية المحلية والعالمية، إلا أن «معد التحقيق» قام بشراء إطارين من هذا النوع من الإطارات المُعاد نقشها، واختار إطارات خاصة بالنقل الثقيل لأنها الأخطر فى حوادث الطرق وتتسبب فى كوارث على الطرق، وذلك لاختبار صلاحيتهما ومدى مطابقتهما للمواصفات القياسية، حيث أكد لنا التاجر الذى ابتعناه منه أن الإطارين صالحان للاستخدام مشيراً إلى أن سعر الإطارين جديدين يبلغ حوالى ألفى جنيه، بينما على حالهما هكذا يكون سعرهما 400 جنيه فقط (48 دولارًا).
ذهب «معد التحقيق» بإطار منهم لـ«هيئة المواصفات والجودة» التابعة لوزارة الصناعة والتجارة لفحصه حيث إنها الجهة الحكومية المختصة بفحص واختبار الإطارات، وفى ذات الأثناء ذهب بالإطار الآخر لأحد التوكيلات العالمية للإطارات (توكيل دانلوب فى مصر) للكشف عن جودته ومدى صلاحيته وامكانية استخدامه من جديد على تلك الحالة التى اشتريناه بها.
يقول اللواء عادل ترك رئيس هيئة الطرق والكبارى التابعة لوزارة النقل، إن الهيئة لديها حصر وتصنيف لحوادث السيارات، ووفقاً للإحصاء الأخير فى 2014، فإن نصيب السيارات الملاكى أو الصغيرة من حوادث الطرق يبلغ 45% من إجمالى الحوادث، فيما كان نصيب السيارات النقل من الحوادث النقل 25%، مشيراً إلى أن هذه النسبة الخاصة بالسيارات النقل «مهولة» خاصة أن حوادثها يكون فيها حجم كبير جدا من القتلى والجرحى لما تسببه من حوادث أخرى لاحقة بالحادث الأساسى.
محسن، يقول إن لعملية إعادة الحفر (النقش) على الإطار شروط حاسمة، لابد من توافرها وهى أن يقوم بهذه العملية مهندس أو فنى تقنى متخصص فى هذا المجال وبأدوات وماكينات حديثة حتى يكون متيقظًا وواعيًا لمكونات الإطار جيداً وكذلك عالماً بالحد المسموح له بالحفر، كما أنه لابد من وضع كلمة regroving (مُعاد نشقه) بشكل بارز على جانبى الإطار، لا سيما وأن الـ traide (الجزء العلوى للإطار) يتم تركيبه على (أحزمة سلكية) موجودة قبلها وتكون سمكها حوالى 3 ملم، وذلك يكون خلال الاطارات العادية غير المسموح بإعادة نقشها من الأساس، أما فى الاطارت المسموح لها بإعادة النقش (الحفر) فقد جعلت الشركات العالمية الجزء العلوى من الإطار سمكه 6 ملم بدلاً من 3 ملم، ليكون مسموحاً للحفر فى الـ 3 ملم، وذلك ليتبقى 3ملم آخرين، يكون بإمكانهم تحمل الأثقال والأوزان الخاصة بالسيارات النقل.
ونوه محسن، إلى أن هناك ثمة اختلافات بين الإطارت الجديدة والمعاد تجديدها، فالإطارات الجديدة تحتوى فى الجزء العلوى على «خطوط طولية» يتم الاستفادة بها خلال تركيبها فى السيارات النقل والأتوبيسات التى تسير فى الطرق الوعرة لأنها تساعد على المرونة خلال الملفات والدوران، وهذه الخطوط غير موجودة فى الإطارات المجددة أو المعاد نقشها، كما أن هناك بروزًا واضحة فى الجزء العلوى للإطار الجديد موجودة فى عمق النقش بالإطارات الجديدة ومسماها العلمى «traide wear indactor» وهى البروز التى تكون على ارتفاع 1.6 ملم من عمق النقش الحقيقى تقريباً، وعندما يتآكل الإطار أو المادة الكاوتشية حتى يتم الوصول لتلك النقطة، علينا تغيير الإطار بآخر جديد فوراً، لأنه فى حال تخطى تلك العلامة ستكون بمثابة من يسير على إطار أملس لن يعطيك قابلية للتحرك والوقوف بأريحية وربما لن تسطييع التحكم فى السيارة، هذا بجانب أن الإطار لن يتحمل الضغط والوزن الثقيل ويكون هذا الإطار مُعرضًا للانفجار فى أى وقت.
مشيراً إلى أن التعليمات تكون على جانبى الإطار ويجب الانتباه لهم قبل السير، مشدداً بأن هناك بالإطارت الجديدة ندبات على سطح الإطار الخارجى بجوار النقشات الأساسية تكون وظيفتها خروج المياه والهواء، وفى حال تآكلها على الأسفلت بسبب الاحتكاك والسير فيصبح هناك خطورة لعدم وجود أى شىء يساعد على التفاعل مع المياه والهواء خلال عملية الاحتكاك مع الأسفلت، ناصحاً من يشترى تلك الإطارات المعاد نقشها بألا يقوم بتوفير أمواله على حساب حياته وأمانته الشخصية وكذلك الآخرين، وأن الأمر يستحق التمعن والتدقيق والمراجعة – بحسب قوله.
أما عن الأمر الأخطر، وفق نبيل، هو أن إطارات النقل أحياناً يكون مسموحا لعمل إعادة حفر لها لكن فى حدود وشروط إلا أن هناك تجارًا فى ورش بير السلم يقومون بإعادة حفر ونقش لإطارات السيارات الملاكى رغم خطورته الشديدة.
وبالرغم من أن عقوبة الغش والتدليس وفقاً للمادة الثانية من القانون رقم 281 لسنة 1994 لا تقل عن عام حبس، وغرامة لا تتجاوز 20 ألف جنيه، إلا أنها غير رادعة على الإطلاق بل ووفقاً لقانونين فإنها تشجع على الغش لأنها عقوبات هزيلة وتشكل خطرا كبيرا على حياة المواطنين.