الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

لن تضحك «زى الناس» فى رمضان.. على مسرح مركز الإبداع!

لن تضحك «زى الناس» فى رمضان.. على مسرح مركز الإبداع!
لن تضحك «زى الناس» فى رمضان.. على مسرح مركز الإبداع!




بعد توقفه أياما معدودات، مع حلول شهر رمضان يعود بدءا من يوم الأحد 7 رمضان الجاري، عرض «زى الناس» المأخوذ عن نص «القاعدة والاستثناء» لبرتولد بريخت، على خشبة مسرح مركز الإبداع الفنى ويستمر العرض 5 أيام متواصلة خلال الشهر الكريم، ثم يعود من جديد بعيد الفطر، استعدادا لمشاركته ضمن فعاليات المهرجان القومى للمسرح.
يتناول العرض قصة تاجر يذهب إلى الصحراء للبحث والتنقيب عن البترول، محاولا بذلك أن يسبق منافسيه فى الحصول عليه، وخلال رحلته يصاحبه دليل وأجير، ثم يتشاجر التاجر مع الدليل بسبب رقته فى معاملة الأجير، ويقرر الاستغناء عنه فى منتصف الطريق، وقبل أن يمضى الدليل، ويترك الرحلة، يمنح الأجير «زمزمية» مياه حتى تعينه على الطريق، ومن هنا تبدأ عقدة المسرحية، فأثناء الطريق وبسبب مبالغة التاجر فى المعاملة القاسية للأجير، حتى أنه يتسبب فى كسر ذراعه، يخشى التاجر طوال الرحلة من أن يحاول الأجير القصاص منه، فيحتاط له دائما إلى حد قتله فى النهاية، عندما حاول الأجير منحه شربة ماء ظن التاجر أنه يريد أن يضربه بحجر انتقاما منه، وحينما تنظر المحكمة القضية، تحكم للتاجر بالبراءة، لأنه كان فى حالة دفاع شرعى عن النفس، فهو كان يحتاط لنفسه من أى أذى، خاصة بعد اعترافه بأنه كان يسىء معاملة الأجير.
تحمل المسرحية رسالة مزدوجة ذات وجهين متناقضين، ففى الوقت الذى يدعو فيه المؤلف إلى مشروعية اساءة الظن، بالأعداء، لأنهم لن يكنوا لك سوى مشاعر انتقام، وغدر، وكراهية، وبالتالى عليك أن تحتاط وتباغتهم بالهجوم، قبل أن يتمكن أحدهم من إلحاق الأذى بك، بجانب هذه القاعدة الأساسية التى يعمل بها غالبا الجميع، أراد المؤلف أن يقول أيضا، لكن لكل قاعدة شواذ، واختتم العرض بجملة فى غاية العمق والرمزية، جاءت على لسان البطل الرواي.. «تبينوا الاستثناء الذى يستتر خلف القاعدة، وحيثما بدا لكم الداء فأوجدوا له الدواء»، فقد تتحول هذه الكراهية فى موقف إنساني، إلى مجرد حب لفعل الخير مثلما فعل الأجير، فبرغم سوء المعاملة التى لقيها على يد هذا التاجر، إلا أنه أراد أن يمنحه شربة ماء لإنقاذه من عطش وقيظ الصحراء، بينما لم يفطن التاجر إلى هذا، وجاء تصرفه «زى كل الناس»، احتاط للأمر فقتله قبل أن يفكر فى إيذائه، اعتبر بريخت فى مسرحيته أن القاعدة هى هذا التصرف الأحمق، وبالتالى أصبح توقع الرحمة والتسامح والمغفرة هو الاستثناء، والعرض دعوة لمراجعة ما آل إليه المجتمع من قيم انتقام وحقد وكراهية والعمل بمبدأ «الاحتياط واجب»، ورسالة لإعلاء قيم الاستثناء على القاعدة.
بدأت المسرحية بالحكى على لسان البطل التاجر هشام اسماعيل، ولم يكتف المخرج هانى عفيفى بالحكي، على لسان اسماعيل فى بداية العرض ونهايته، وفى مخاطبته للجمهور بأكثر من موضع أثناء الانتقال من مشهد إلى آخر، لكنه استخدم تكنيكا آخر فى فن الحكي، وهو الرسم على شاشة فى خلفية المسرح، والتى رسم عليها مواقع تنقل التاجر والأجير والدليل، بين الصحراء والفندق ثم المحكمة، وهكذا منح هذا التكنيك حالة من المتعة والحميمية، وكأن أحدا يروى العرض أثناء سير أحداثه بالرسم، مثل أسلوب الحكى المعتاد فى حواديت الأطفال.
كما ساهم هذا التكنيك المصاحب للدراما، فى تغذية واتساع مساحة الخيال لدى المشاهد، بتخيل الأماكن التى يتردد عليها أبطال العمل، بجانب الديكور البسيط الذى صممته ورسمته سمية أبو العز، وهكذا جمعت المسرحية بين عنصرى الخيال والمشاهدة، فكأن الجمهور يشاهدها ويقرأها من الكتاب فى نفس التوقيت، وكذلك ساهمت الإضاءة فى خلق أجواء من الجمود والكآبة، على أحداث العرض خاصة فى المشاهد التى جمعت بين صراع التاجر والأجير، بالإضافة إلى ملابس مروة عودة، والتى أكدت عنها أنها تحمل فكرة مختلفة، مثل ملابس التاجر التى بالغت فى ترقيعها برغم ثرائها الشديد، لكن بما أن هذا الرجل يظهر دائما عكس باطنه، فكان أولى به هذا التشوش والعشوائية فى تصميم زيه الثرى، والذى يحتوى على رقع كبيرة، وكلما زاد حجم النفاق بالشخصية زاد الترقيع بثيابها.
أما ما كان ملفتا بهذا العرض، هو تناول المخرج هانى عفيفى المختلف للمسرحية، فبرغم من أن النص يحمل قدرا كبيرا من القتامة والفلسفة، إلا أنه استطاع تقديمه فى قالب كوميدى ساخر وممتع، مع حرصه الشديد على قتامته، وكآبته وحرصه الأكبر على إبراز فلسفة العرض ورسالته الأساسية، ويحسب له إحكام السيطرة الشديدة، على ثلاثة كوميديانات من العيار الثقيل، على رأسهم بطل العرض هشام اسماعيل، الذى تجرد من كونه كوميديانا، وفضل أن يقدم الشخصية كما هى بكآبتها وحمقها وجفائها، وأدى اسماعيل دوره بمهارة واحتراف كبير، ونسى مع هذه الشخصية حسه الكوميدى المعتاد، بل كان شديد الجدية والصرامة فى أدائه لها، وكذلك أحمد السلكاوى وكريم يحيى فالاثنين يتمتعان بحس كوميدى ساخر، وكلاهما له طريقه وأسلوبه المميز والخاص، ودائما ما يعتمد عليهما مخرجى العروض فى إضفاء حالة من الكوميديا الصارخة بأعمالهم، لكن هنا قدما كليهما نوع آخر من الكوميديا المحكومة، وذات الحبكة الدرامية الجيدة، والتى تم تضفيرها بعناية ودراسة، داخل هذا النص الملحمى الكئيب، ولم يخذل الاثنان عفيفى وظهرا بشكل لائق، خاصة كريم يحيى الذى لعب ثلاثة شخصيات رئيس قافلة، وشرطى وعامل فندق، وفى كل شخصية أظهر كريم موهبته ككوميديان متمكن وقدير، وكان له الفضل دائما فى كسر حاجز القتامة والكآبة، من العرض دون اسفاف أو ابتذال أو استظراف.
وكذلك كانت سارة هريدى التى لعبت شخصية زوجة الأجير، وسارة عادل، والتى صاحبت يحيى فى أدوار أجير، وشرطى، وصاحب الفندق، فلم يخرج أحدهم عن النص، ولم يقاتل أحد من أجل صنع إفيه لإضحاك الجمهور بالإكراه، بل تفوق الجميع فى مواقعهم المختلفة، والتزموا بتعليمات المخرج التى من الواضح أنها كانت شديدة الصرامة، وكأن عفيفى بخل عليهم بفتح مساحة أكبر للضحك، خشية أن يفلت زمام العرض من ممثليه، والذى اراد أن يحتفظ له بقداسة رسالته، فلم يسمح بالتجاوز شبرا واحدا، وأحسن استغلال الطاقات الكوميدية والتمثيلية بالعرض دون مبالغة أو تقصير، بجانب تميز هؤلاء، سعى المخرج فى هذا العرض، على إبراز موهبتى ماهر محمود فى دور الدليل، وشادى عبد السلام فى دور الأجير، فكلاهما معروفان بالوسط الفني، أنهما أصحاب أصوات متميزة، لكن فى «زى الناس»، كشف الاثنان عن موهبة تمثيلية كبيرة، فأجاد الاثنان فى دوريهما كإجادتهم للغناء تماما، خاصة شادى عبد السلام، الذى أدى دور الأجير المغلوب على أمره بتمكن وتلقائية شديدة، كما أضفى العزف الموسيقى الحى حالة من التشويق والمتعة، من خلال عازف التشيللو محمد صلاح وأوسكار نجدى على الدرامز «إيقاع»، خصوصا أثناء تداخل الموسيقى مع المشاهد الأكثر دراما، التى جمعت التاجر والأجير، فكانت الأدق تعبيرا فى وصف علاقتهما المضطربة.
قدم عفيفى نفس النص عام 2003، بعنوان «القاعدة والاستثناء»، لكن اليوم يقدمه برؤية مختلفة تماما بعد 13 عاما، ويؤكد أنه يقدم نفس النص لنفس الكاتب، لكنه ليس نفس العرض..ويقول «بعد سنوات من الخبرة والدراسة والعمل والمشاركة بورش متنوعة، اختلفت بالطبع رؤيتى وتناولى لنفس المسرحية»..!