الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

غسيل أموال × رجل أعمال

غسيل أموال × رجل أعمال
غسيل أموال × رجل أعمال




محمد عبد الشافى  يكتب:

استكمالا لحكاية غسيل الأموال، نقول بأن مصر تحولت إلى مرتع لغسيل الأموال فبعيدا عن أعين البنك المركزى واستغلالا لرغبة آلاف المصريين لتحويل أموالهم خارج البنوك المصرية يوجد نشاط خفى غير قانونى لعصابات غسيل الأموال المصرية والأجنبية التى تغسل أموالها عبر قيامها بتبادل الأموال مع مصريين يرغبون فى إخراجها من مصر، وكذلك عرب يدخلون ملايين الجنيهات المشبوهة ثم يقومون بغسلها عن طريق شراء عقارات ثم بيعها مرة أخرى.
أدت الأوضاع السياسية التى أعقبت ثورة 25 يناير إلى رغبة مئات من رجال الأعمال وكوادر الحزب الوطنى من الصف الثانى لإخراج أموالهم من مصر والهرب برفقة أسرهم اعتراضا على الوضع القائم ولكن تلك الرغبات اصطدمت بالإجراءات الصادمة التى فرضها البنك المركزى فيما يتعلق بسحب الأموال من العملات الأجنبية والقيام بتحويلات بنكية إلى الخارج ووفقا لتلك الإجراءات فإن الحد الأقصى للسحب يبلغ 10000 دولار يوميا للأفراد، أما الشركات فيسمح لها بسحب 50000 دولار مع السماح بسحب المدخرات بالجنيه المصرى فى عملية مصرفية واحدة فلجأ عدد من رجال الأعمال لإخراج أموالهم من أرصدتهم بالبنوك وتحويلها إلى أرصدة شركاتهم حتى يحق لهم سحب 50000 دولار يوميا بطريقة قانونية ومن ثم إخراجها بطرق غير قانونية عبر الوسطاء وهو الأمر الذى فتح الباب لتهريب الأموال المصرية عبر التحويلات الخارجية، إلاّ أن البنك المركزى أوجب على المحول توفير مستندات جمركية تجعل التلاعب من خلال الشركات عسيرا، ومنها ما يسمى نموذج «4» الذى يثبت وصول البضاعة للجمارك المصرية إلا أن الشركات عملت على تهريب الأموال عبر تزوير مستندات البضائع غير الموجودة بالأساس.
تنوعت طرق غسيل الأموال فى مصر.. أولها تلك العملية المعقدة عبر مسئول كبير فى بنك استثمارى مصرى رفض تسهيل دخول 50 مليون دولار للسوق المصرية عبر وسطاء ثم إخراجها إلى بنك فى دولة أوروبية مقابل عمولة 500 ألف دولار، كما أن تلك العصابات تقوم بتبديل الأموال المهربة من مصر بالأموال المراد غسلها داخل مصر عبر وسطاء بحيث تتجنب إدخال أموالها إلى مصر بطريقة رسمية خشية عدم قدرتها على إخراجها مرة ثانية ويكون الحل فى تسلم الأموال التى يرغب المصريون فى تهريبها وتسليمهم تلك الأموال بالخارج وتصطاد تلك العصابات زبائنها من المترددين الدائمين على البنوك ومكاتب الصرافة أو عبر وسطاء حيث يجرى استدراجهم للاتفاق على عملية التبديل التى تتم عبر أصحاب مكاتب صرافة كبار وبعمولات تتراوح ما بين 3٪ و5٪ من إجمالى المبالغ المحولة.
ثانيها.. هناك جنسيات عربية خاصة من السوريين والليبيين قاموا بشراء عقارات فى أماكن مميزة بالقاهرة ثم تبيعها فى وقت قصير وبأسعار أقل تشترط تسديد ثمنها عبر البنوك حتى تكتسب الشرعية ثم تقوم بتحويلها للخارج، أما ثالثها فتقوم بها محلات الصرافة الكبيرة التى تتسلم الأموال المطلوب إخراجها من مصر وتسلمها إلى عملائها بالخارج بالعملات التى يرغبون فيها مقابل عمولة 15٪ من قيمة المبالغ المحولة وهى تعمل بالتوازى مع شركات السفر التى توفر تأشيرات للراحلين عن مصر.
طرق معروفة ورصدها صعب.. أخطر طرق غسيل الأموال على الإطلاق هو اختلاق عمليات حسابية تجارية وهمية كأن يختلق رجل أعمال نشاطا تجاريا وهميا ويقوم بكتابة فواتير عن أنشطة غير موجودة لتقوم البنوك بعمل تحويلات عن دفع تلك الفواتير لمستحقيها ولا يمكن التأكد من صحتها، وهنا لا ننسى الدور الخطير لرجال الأعمال الكبار، حيث يقوم رجل الأعمال بإدخال تلك الأموال فى حسابه ثم يخرجها مرة ثانية بعد خصم عمولته ولا يمكن للبنوك مراجعته لأن حسابه بالبنك يكون بملايين الجنيهات.
تؤكد الدراسات المالية والباحثون فى قضية غسيل الأموال بأنه من الطرق الحديثة فى تفعيل تلك الجريمة هى أن يقوم أصحاب تلك الأموال القذرة المحرمة والتى حصلوا عليها من تجارة محرمة وغير مشروعة كالمخدرات مثلا، يقومون بالاتفاق مع أحد الأشخاص الذى يتمتع بمقومات إدارية واستثمارية فائقة ثم يعطونه تلك الأموال ويجعلون منه رجل أعمال يقوم هو بدوره باستثمار تلك الأموال القذرة من خلال تأسيس شركات ومشروعات ضخمة تعمل فى مجال معين وتستوعب عمالة كبيرة وتجنى أرباحا ضخمة، ثم تزداد تلك الاستثمارات لتصل إلى إمبراطوريات اقتصادية وسرعان ما تتحول إلى بعبع سياسى يخيف الدولة وهذا ما نراه الآن فى رجل أعمال ليس له أى تاريخ مادى فلم يرث عن أبيه وليس ابن باشا ولكنه ظهر بين ليلة وضحاها ليمتلك تلك الامبراطورية من المشاريع والقنوات الفضائية والصحف.
مما لا شك فيه بأن جريمة غسيل الأموال تؤدى إلى نزيف الاقتصاد الوطنى والدخل القومى المصرى لصالح اقتصاديات أجنبية وتزيد السيولة المحلية بشكل لا يتناسب مع زيادة الإنتاج والتهرب من سداد الضرائب المباشرة ومن ثم معاناة الدولة من نقص الإيرادات وشراء ذمم المسئولين مما يؤدى إلى ضعف كيان الدولة وتدهور قيمة العملة الوطنية وارتفاع معدل التضخم وانخفاض معدل الإدخار نظرا لشيوع الرشاوى والتهرب الضريبى وفساد الأجهزة الإدارية وتشويه المنافسة وإفساد مناخ الاستثمار.
وفقا لإحصائيات صندوق النقد الدولى فإن حجم تجارة غسيل الأموال 950 مليار دولار، حجم الدخل المتحقق من تجارة المخدرات فى العالم 688 مليار دولار و150 مليار دولار من هذه العمليات تحدث فى أمريكا و5 مليارات فى بريطانيا و33 مليار فى بقية دول أوروبا و500 مليار فى بقية دول العالم.
جريمة غسل الأموال والشريعة الإسلامية.. غسل المال الحرام لا يتفق مع أحكام الشرع الإسلامى ذلك لأن الإسلام يحرّم كل كسب بطريق محرم والأموال التى تخضع لعمليات غسيل هى أموال محرمة لأنها تنشأ عن تجارة محرمة وحكم هذه الأموال بعد غسلها كحكمها قبل غسيلها فيجب ردها إلى أصحابها أو إلى ورثتهم ولو بطريق غير مباشر وفى حالة صعوبة الوصول إلى أصحابها يتم التصدق بها عنهم.