السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بول شاوول: هاجموا «دفتر سيجارة» ولم يهاجموا التدخين نفسه




 
 
 
بادر بالحضور لمصر فور معرفته باتهام ديوانه «دفتر سيجارة» بالتحريض على التدخين، واتهام الهيئة العامة لقصور الثقافة بتبديد المال العام لنشرها هذا الكتاب، إنه الشاعر اللبنانى والناقد والمسرحى والمترجم المعروف بول شاوول، الذى أصر على توقيع كتابه بميدان التحرير، فى مقهى الفندق الذى ينزل به بقلب القاهرة قرب ميدان التحرير ونيل القاهرة، يجلس فى هدوء بسيجاره اللافت للانتباه..
 
حكى بول شاوول قصة سيجاره الذى يرتبط به ارتباطا خاصا قائلا: هو سيجار «أنتيجو توسكانو»، وهو نوع سيجار رخيص يشبه فى شكله السيجار المعروف، لكن بحجم صغير يقترب من حجم السيجارة العادية، ويحتاج مثل السيجار العادى لإشعال مستمر أثناء تدخينه، أفضّله لأن حمله بالشارع غير مستفز للناس، كما أنه قوى وهو النوع الذى أحبه.
 
عن علاقته بالسيجارة ورحلته مع هذا الديوان ... يحدثنا فى حواره معنا عبر السطور القادمة...
 
▪ كيف كان رد فعلك حينما علمت بمهاجمة «دفتر سيجارة» واتهامك بالتحريض على التدخين؟
 
أنا علمت عبر اتصالات تليفونية من الأصدقاء المصريين بما نشر بجريدة الإخوان «الحرية والعدالة»، وللوهلة الأولى قهقهت من الضحك، لأنه فى مصر التدخين غير ممنوع والإعلانات عن التدخين غير ممنوعة، فى بيروت منعوا التدخين بالمقاهى ولم يمنعوا الكتاب، هنا فى مصر منعوا الكتاب ولو يمنعوا التدخين.
 
لكن فى العمق خطورة الوضع ليست فى المقال، ولكن ما يحمله من دلالات، وهو ذهنية التحريم والمنع، فاليوم يمنعون الكتاب وغدا سيمنعون السينما والمسرح والمظاهرات...إلخ، فهذا هو الضوء الأخضر الأول، وكأنه بداية برنامج عمل،أى أننا نريد أن نسيطر على كل أجهزة الدولة الرقابة والإعلام والمعرفة، ونحن من نقرر ما ينشر وما يمنع، هذه هى الإشارات الكبيرة وليس منع «دفتر سيجارة».. وكأننى أنا من صدّر التبغ والتدخين للشعب المصرى، هذا نوع من الاحتكار للشعب المصرى هذا الشعب الذكى الذى أنتج الثورات وأنجب الفلاسفة والمفكرين والعلماء، وأظن أن هذا هو نمط الأحزاب الدينية الراهنة والأيديولوجية السابقة فى التعامل مع الشعوب وكأنها قطعان من البشر.
 
▪ ما رأيك فى رد فعل وزارة الثقافة تجاه ما حدث؟
 
حسب معلوماتى أنهم رفضوا ما حدث، كما أن المثقفين المصريين تضامنوا بشكل رائع ضد رفض الكتاب، إضافة للسخرية الشديدة على مواقع التواصل الاجتماعى التى أضحكتنى كثيرا، وهؤلاء هم بعض من صناع الثورة المصرية .. فلا يجب أن نعيد السيناريو الإيرانى بمصر.
 
 
▪ المشكلة أن التيارات الليبرالية لم تتوحد بعد ككتلة واحدة كما هو الحال مع التيارات الدينية؟
 
من قال إن التيارات الإسلامية موحدة؟، فالسلطة تفرق والمعارضة توحد، فأبوالفتوح انشق عن الإخوان المسلمين من أجل الصراع على السلطة، وهذا ما سيحدث، حتى السلفيون اليوم معهم لكنه اتحاد هش سينتهى بسرعة من أجل الصراع على السلطة، فليس هناك إسلام سياسى موحد ولا ليبراليون موحدون، فنحن الآن نحكم على سنة واحدة فقط من الثورة، والثورة لا تصنع فى عام، الفاشية تصنع نفسها فى ليلة انقلاب واحدة، لأنه ليس لديها برنامج عمل سوى السلطة، والإخوان ليس لديهم سوى السلطة المطلقة، وأظن أن الليبراليين والقوى المدنية واعية لذلك رغم عدم توحدها، لذا عليها أن تتوحد وتذهب للشعب وتعيد بناء الأحزاب، فالأحزاب فى مصر -والعالم العربى عموما- ضعيفة جدا، فلابد من إعادة النظر فى التكوينات الحزبية لليسار واليمين والليبرالية أصحاب الذهنيات القديمة ليتعاملوا مع الواقع الجديد.
 
▪ ما دور المثقف العربى الآن؟
 
أولا: الثورات العربية لم تظهر من الكتب ولا من عقول المثقفين ولا من كتب الشعر ولا من المسرح.
 
▪ رغم أن الشعار كان بيت شعر الشابى «إذا الشعب يوما أراد الحياة     فلابد أن يستجيب القدر»؟
 
نعم لكن هذا البيت منذ عشرينيات القرن الماضي، إنما الثورات العربية ظهرت من الأطراف من بائع الخضار البوعزيزى بسيدى بوزيد التونسية، وخالد سعيد من الإسكندرية، والأطفال أبناء العشر سنوات الذين عذبتهم السلطة السورية بدرعا، كذلك انطلاق الثورة من ريف ليبيا وبعد 6 أشهر وصلت لطرابلس العاصمة، كلهم ليسوا بمثقفين أو نخبة بل هم الشعب، الفقراء والمنبوذين أبناء الأطراف، لكن هناك من المثقفين من شارك بالثورات واستلحقها، فلأول مرة الثورات العربية لم تصنعها النخب سواء العسكرية أو الاقتصادية أو الثقافية، بل الجماهير ثم انضمت إليها النخب ليظهر مايسمى الكتلة التاريخية لتتوحد على إسقاط النظام المتسلط، لكن هناك بعض المثقفين الذين ساندوا الأنظمة المستبدة وهو خطأ كبير جدا يوازى خطأ عدم توحد الآخرين حول مرشح رئاسى واحد.
 
▪ ماذا كانت مرجعيتك أو استنادك فى كتابة ديوان «دفتر سيجارة» خاصة وأن التراث العربى يخلو من الحديث عن السيجارة!؟
 
«دفتر سيجارة» كان مغامرة شعرية صعبة جدا، فالشاعر إذا أراد الكتابة عن الحب لديه 4000 سنة عن الحب، يأخذ منها 60 أو70% ويضف إليها الباقى، لكن على مستوى السيجارة فليس هناك مرجع شعرى واحد عنها، لهذا فكل النصوص هى نتاج عن تجربتى الشخصية كاملة وهنا الخطورة، فهل هذه القصيدة التى بلا مرجعية هل سأستطيع أن أكتبها بشكل مقبول أم لا؟، ولماذا أصررت على الكتابة؟ ولماذا أعجب الناس بهذا الكتاب؟ لأنه يمس يومياتهم بشأن هذه السيجارة الهشة التى ندعسها بالمنفضة أو نبصقها بالشارع، كانت جزءًا من الحياة، فلقد رافقتنى السيجارة منذ كنت ابن الأربعة عشر عاما أى منذ 50 عاما.
 
على أن أحتفل باليوبيل الذهبى ... فالسيجارة لم تفارقنى أبدا إلا أثناء النوم وأحيانا ما كنت أنام والسيجارة فى فمى وكدت أحترق، رافقتنى فى كل مراحل حياتى فى مراهقتي، وفى النجاح، وفى الفشل، وفى الحب، وفى الفشل بالحب، وعند خطفى بالحرب، فى كل تفاصيل حياتى وكأنها شاهدة فلا أحد يعرفنى مثل السيجارة ولا أعرف أحدا مثل السيجارة.
 
▪ إذن فديوانك «دفتر سيجارة» هو سيرتك الذاتية؟
 
نعم ليس سيرة عن السيجارة بل هو يحكى عن الحروب وعن المجتمع، فالمقاهى تشبه جالسيها فرائحة مقهى المثقفين هى رائحة «الجولوار» والتى تشبه لون كراسيها، والدتى توفيت بسبب السيجارة، كذلك أبي، وأختاى الاثنتان، وأخي، وكثير من أصدقائى أيضا ماتوا بسبب السيجارة، وعندما كنت أمشى فى جنازاتهم أو أتلقى التعازى فيهم كانت السيجارة فى فمي، فكل شىء له ثمن..كل متعة لها ثمن وكل علاقة لها ثمن، فالأكل له ثمن والكحول والزواج والعزوبية والكتابة واللاكتابة وكل شىء... لاشىء مجانى ..أليس صحيحا؟
 
▪ الناقدة عبلة الروينى رأت أنك قد استعنت بتقنية «السينوغرافيا» فى ديوانك وأنك جربت فى الكتابة فالقصيدة لا تبدأ ولا تنتهى ... ما تعليقك؟
 
عبلة ناقدة كبيرة وصديقة كبيرة وقالت إن «دفتر سيجارة» هو مسرح وليس شعرا، عن نفسى حين انتهيت منه وأرسلته لدار النشر لم اكتب سوى اسمى واسم الكتاب دون تصنيف، لكن الناشر هو من اعتبره شعرا!...وهذه عادتى دوما، لأننى أحب أن أترك التصنيف للقارئ فأنا شاعر فوق التصنيفات، لأننى متجاوز لمفهوم الشعر القديم، لأن مفهومى للشعر شامل ومفتوح فالنص عندى مفتوح، لذا فالبعض رأى «دفتر سيجارة» مشروع رواية وهناك من وجده قصصاً قصيرة وهناك من وجده مسرحا، فالقراءة نسبية، وأنا لم أقصد الشعر أثناء الكتابة بل كنت أكتب نصا، فاليوم كتابة الشعر فى العالم قد اخترعت مستويات ومناطق مختلفة تماما أتاحت للشعر الدخول للعديد من القوالب الأخرى وامتزج بها، فأنا مع ما قالته الصديقة الكبيرة عبلة عن «دفتر سيجارة».
 
▪ لماذا قررت نشر ثلاثة كتب أخرى فى نفس التوقيت مع «دفتر سيجارة» وهى «بلا أثر يذكر» و«حجرة مليئة بالصمت» و«حديقة المنفى العالمي»؟
 
وكذلك قصيدة طويلة عن أطفال غزة وزعت مجانا.. كان لدى تحد، قلت إننى أريد أن أكتب أربعة نصوص دفعة واحدة ومختلفة تماما فى الأساليب والتقنيات والموضوعات، لكنهم «خلّفوا واحد كمان وأصبحوا خمسة!»، فكلهم كانوا مشاريع مؤجلة بداخلى، وأردت أن أجرب كتابتهم ربما يكون أحدهم فاشلا وأرميه لا أعرف، فكل منهم يحتاج لمخزون خاص به من المسرح والشعر وكل شىء.
 
▪ أى من هذه الكتب ظلم الآخرين؟
 
«دفتر سيجارة» ظلمهم جميعا رغم أن «بلا أثر يذكر» أكثر عمقا وشمولية وأفضلهم فلقد جددت بالبنية والإيقاع والحركة، لكن «دفتر سيجارة» أكثر شعبية منهم جميعا، أيضا سبق لى ونشرت خمسة كتب معا من ضمنها كان «كشهر طويل من العشق» الذى سرق الأضواء منهم جميعا.
 
▪ ألم تخش أن يشكل توقيع «دفتر سيجارة» وعقد ثلاث ندوات له بمصر خطرا عليك؟
 
هذه أول مرة فى حياتى أقيم حفل توقيع لأى من كتبي، فلست مؤمنا بذلك، لكن ما أفعله الآن له غرض سياسى، وهو ما أعلنته بإحدى القنوات اللبنانية، بأننى ذاهب إلى القاهرة لأوقع كتابى قرب ميدان التحرير، سألوني: ألا تخف من الإخوان المسلمين؟ كان ردى أننى عشت أربعين عاما من الحروب وكل طغاة العالم مروا من لبنان ولم أخف منهم، فتوقيع كتابى بمصر له معنى مختلف.