نحو توظيف أمثل لأموال الزكاة والصدقات
محمد مختار جمعة
كتب: د. محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف
لاشك أن الزكاة والصدقات إذا وُظِّفت توظيفا صحيحا فى مصارفها الشرعية تسد ثغرة كبيرة فى احتياجات الفقراء والكادحين والمصالح العامة للوطن، وإذا سَخَت نفس الأغنياء والقادرين بالصدقات والقيام بواجبهم فى باب فروض الكفايات من إطعام الجائع، وكساء العارى، ومداواة المريض، وإعانة المحتاج، والإسهام الجاد فيما يحتاج إليه الوطن من إصلاح وسلاح وعتاد فإن وجه الحياة لأى وطن سيتغير، ولن يكون بين أبنائه محتاج ولا متسول، يقول الإمام على بن أبى طالب (رضى الله عنه) إن الله عز وجل قسم أقوات الفقراء فى أموال الأغنياء، فما جاع فقير إلا بشح غنى، فإن وجدت فقيرًا جائعا فاعلم أن هناك غنيا ظالما لم يُخرج حق الله فى ماله، ولم يف بواجبه تجاه مجتمعه.
الزكاة حق أصيل فى المال:
وأؤكد على حقائق أولها: أن الزكاة حق أصيل فى المال، وركن رئيسى من أركان الإسلام كالصلاة والصيام سواء بسواء، وقد قال سيدنا عبد الله بن عباس رضى الله عنهما: ثلاث فى القرآن الكريم نزلت مقرونة بثلاث لا تقبل واحدة منها دون الأخرى، وهى قوله تعالى: “وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ” إذ لا تقبل طاعة الله مع معصية رسوله (صلى الله عليه وسلم)، وقوله تعالى: “وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ” فمن ضيّع الزكاة مع وجوبها عليه لم تغن عنه صلاته من الله شيئا، وقوله تعالى: «أَنِ اشْكُرْ لِى وَلِوَالِدَيْكَ إِلَىّ الْمَصِيرُ» فمن لم يشكر لوالديه جميلهما وصنيعهما لم يشكر الله عز وجل، ويقول سبحانه فى شأن كانزى المال ومانعى الزكاة: «وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِى سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ».
الأمر الثاني: إن الإسلام قد دعا إلى الصدقة والإكثار منها يقول سبحانه: «مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِى سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِى كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ» ويقول (صلى الله عليه وسلم): «ما نقص مال من صدقة» ويقول (صلى الله عليه وسلم): «خير الصدقة أن تصدق وأنت صحيح شحيح ترجو الغنى وتخشى الفقر، ولا تُمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان وقد كان لفلان» ويقول (صلى الله عليه وسلم): “ما من يوم إلا وينادى ملكان يقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا” ويقول الحق سبحانه: “هَاأَنتُمْ هَؤُلاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ».
مكمن الخلل وإصلاحه:
لاشك أن الخلل لا يخرج عن أن يكون من جهة الدافع أو جهة متلقى الزكاة أو من الجهة الوسيطة سواء أكانت شخصا أم جمعية أم مؤسسة.
فالخلل الذى يأتى من جهة الدافع إما أن يكون بعدم الدفع أصلا، وإما بالتحايل عليه، وإما بدفعه دون تمحيص أو تدقيق فى أمر الجهة التى يدفع لها.
وهنا ينبغى أن يركز الخطاب الدينى على وجوب الزكاة وأهمية إخراجها والإثم الشديد المترتب على منع حق الله عز وجل فى المال مع التأكيد على أن الغنى لا تبرأ ذمته بمجرد إلقاء المال أى إلقاء وكيف تأتى له، فبعض الفقهاء على أن الغنى إذا دفع المال إلى من ظنه فقيرًا فبان خلافه لم تسقط عنه الزكاة، فعليه أن يتحرى فى المصارف الشرعية وفى أمانة ودقة وشرعية الجهة التى يدفع إليها زكاته حتى تبرأ ذمته أمام الله عز وجل، وتسهم زكاته فى الثمرة المرجوة التى شرعت من أجلها الزكاة.
والخلل الذى يأتى من جهة الآخذ إنما يأتى من ضعف الوازع الدينى لدى بعض من تسول لهم أنفسهم الحصول على المال من أى طريق حتى لو كان فيه إراقة ماء وجوههم، وهؤلاء علينا أن نذكرهم بمنهج الإسلام وبالحس الإنسانى السليم الذى ينأى بالقادر عن العمل على التسول أو دناءة النفس، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «إن المسألة لا تحل إلا لذى فقر مدقع، أو ذى غرم مفظع، أو دم موجع»، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه فمن شاء أبقى على وجهه ومن شاء ترك» ويقول الإمام على (رضى الله عنه):
لحمـــل الصخر من قمم الجبـــال
أحـــب إلى من منـــــن الرجــــــال
يقول الناس لى فى الكسب عيب
قلــت العيب فــــى ذل الســــــؤال
ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحى فاصنع ما شئت».
فينبغى التأكيد على نهى الإسلام عن المساءلة دون حاجة حقيقية، وعن ذل السؤال، وأن الأبى الكريم لا يمكن أن يعرض نفسه لما لا يليق بالعفيف الكريم، وأن اليد العليا المتصدقة خير وأكرم من اليد السفلى الآخذة، مع التأكيد على أهمية العمل وقيمته وحث الإسلام عليه، وبيان أن الساعى على الأرملة والمسكين كالمجاهد فى سبيل الله، وأن خير الناس من يأكل من عمل يده، ولا يكون عالة على الآخرين وقد قال الشاعر الجاهلى الشنفرى الأزدي:
وأستف ترب الأرض كى لا يرى له
علـــــيّ من الطول امرؤ متطــــــول
ويقول البارودي:
خلقـت عيوفاً لا أرى لابن حــرة
على يداً أغضى لها حين يغضب
أما جهة الخلل الثالثة: فهى آلية الجمع والتوزيع فمع إيماننا بدور بعض مؤسسات المجتمع المدنى فى التخفيف من معاناة الفقراء والكادحين سواء من خلال نفقات أم من خلال مشروعات خدمية، وبخاصة الطبية منها، فإننى أرى أن هذه الجهات تحتاج إلى الآتي:
أ- أن تكون تحت مراقبة دقيقة لأجهزة الدولة وأن تقوم هذه الأجهزة بالمتابعة والمراقبة على الوجه الأكمل، وأن تكون هناك شفافية واضحة فى إعلان الميزانيات، والنفقات والمكافآت مع ترشيد الإنفاق الإدارى إلى أقصى درجة ممكنة.
ب - أن تكون هناك خارطة واضحة لوجود هذه الجمعيات، ونطاقها الجغرافى، وأنشطتها، بحيث لا تصب كلها فى مجال واحد أو مجالات محدودة، مع إهمال مجالات ربما تكون أكثر أهمية وحيوية للمجتمع.
ج- أن تتولى جهة ما، ولتكن وزارة التضامن الاجتماعى شبكة ربط وتنسيق إلكترونية تربط من خلالها المستفيدين بالمنفقين، وبمؤسسات المجتمع المدنى فى نطاقها الجغرافى أو الخدمى، بحيث تنتفى ظاهرة المقيدين أو المستفيدين بحرفية تسوليّة ممن يترددون على جهات أو جمعيات متعددة فى حين لا تصل الزكاة والصدقات إلى مستحقيها الحقيقيين.
د- أن تحدد أهداف وأغراض واضحة قد يتظافر فيها الجميع، أو تخصص كل جهة أو جمعية لغرض منها، كإطعام الجائعين وعلاج المرضى، وسداد ديون الغارمين، وهى مناط الحملة التى بدأت بها وتبنتها وزارة الأوقاف المصرية.