الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الاحتقان إلى زوال!
كتب

الاحتقان إلى زوال!




 


كرم جبر روزاليوسف الأسبوعية : 12 - 09 - 2009

 

- الإدارة الرئاسية للأزمات تتسم بالهدوء والخبرة وعدم الانفعال
- القرارات دائماً لصالح الجماهير وتجىء فى الوقت المناسب
- الناس يلجأون دائماً للرئيس، ولم يخذلهم مرة واحدة
- الحكومة تفعل مثل الجراح البريطانى الذى يصدم المريض بالحقيقة
- الحزب الوطنى ينجح فى تطوير أدائه وتجهيز قيادات الصف الثانى
- أمانة السياسات لعبت الدور الأساسى فى تشخيص المشاكل بجرأة
- النظام السياسى يستوعب التوحش الإعلامى فى هدوء وصبر
- الفضائيات هى المسئول الأول عن الاحتقان وتغذيته وإشعاله
مقارنة بثلاث سنوات سابقة، يمكن القول أن الاحتقان بدأ يهدأ، وأن الشارع لم يعد مشدود الأعصاب.. وتفسيرى لذلك أحد سببين، إما أن المحتقنين قد يئسوا من كثرة ضرب رءوسهم فى الحائط دون أن يستجيب لهم أحد، أو أنهم نضجوا بعد أن تأكدوا أن مطالبهم غير مطالب الناس، وأن أجندتهم مختلفة عن المشاكل الحقيقية للجماهير.
- أياً كان التفسير، فنحن أمام نتيجة مطمئنة، هى قدرة النظام السياسى على احتواء المشاكل والأزمات، وعدم تصعيدها فى اتجاه المواجهة، وتزايد الخبرة المكتسبة من مختلف التجارب.. ولنضرب مثلاً بما حدث فى أزمة خبراء وزارة العدل.
- حافظ الطرفان الخبراء والأمن على الانضواء تحت الشرعية والقانون، ولم يرتكب طرف أى عمل يمكن أن يسىء للطرف الآخر أو يستفزه، وشتان بين ذلك وبين المظاهرات السابقة التى كانت تحدث أمام نقابات المحامين والصحفيين وفى وسط البلد أمام أضرحة المساجد، خصوصاً السيدة زينب.
متى يتدخل الرئيس؟
الملاحظة الأولى فى هذا الشأن أن الرئيس يتدخل فى بعض القضايا والأزمات فى الوقت المناسب، فيفض الاشتباك، ويحوز تدخله قبول الرأى العام، لأنه فى النهاية لا ينحاز إلا للمصلحة العامة، ولا يستهدف إلا الجماهير.. وهو يفعل ذلك بحكم صلاحياته القانونية والدستورية، وتبعاً للمهام الكبيرة الملقاة على عاتقه.. علاوة على حس وطنى رفيع المستوى، يجعل الناس دائماً تلجأ إلى الرئيس عندما تضيق بها السبل.
الإدارة الرئاسية الحكيمة للأزمات كان لها الفضل الأول فى تهدئة حدة الاحتقان، وإرساء مجموعة من القواعد والمبادئ التى يتم الاحتكام إليها فى أزمات مشابهة، ولو عدنا للمواقف التى تدخل فيها الرئيس فى السنوات الأخيرة، وحجم الارتياح الذى تحقق، يمكن رصد المؤشرات التالية:
- أولاً: أن التدخل الرئاسى يتسم بالهدوء والخبرة وعدم الانفعال، وكلها ملكات تساعد صانع القرار على استيعاب الأزمات ونزع فتيلها، والتخفيف من حدتها.
- ثانياً: الدراسة العميقة والمتأنية، التى تضع فى اعتبارها كل الحقائق والمعلومات، ولا تغلب مصلحة طرف على حساب طرف.
- ثالثاً: الانحياز دائماً لمصالح الناس، وهى السمة التى ميزت الرئيس منذ بداية حكمه، فلم يتخذ قراراً فى حياته إلا لصالح الناس، فهم دائماً الهدف الثابت الذى يعمل من أجله.
رابعاً: السرعة والحسم وعدم البطء، فالرئيس لا يترك أزمة تتفاعل أو تمتد آثارها لبعيد، ويكون تدخله دائماً فى الوقت المناسب.
خامساً: إتاحة الفرصة لمختلف القيادات ليتعاملوا مع مختلف الأزمات، والاستفسار منهم عن حقيقة الموقف أولاً بأول والمتابعة لحظة بلحظة لأعمالهم وقراراتهم.
زيادة خبرة الوزراء والحكومة
عندما تولى الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء مهام منصبه منذ أكثر من ست سنوات، كان يعمل هو والوزراء بأسلوب الجراح البريطانى الذى لا يعرف المجاملة ولا الهزار ولا الاتكال على الله، ويستخدمون لغة حادة وأحياناً جارحة وصادمة، رغم أنها حقيقية وصادقة ولكن المصريين لم يتعودوا هذا الأسلوب، ولن يتعودوا عليه فى المستقبل القريب.
بمرور الوقت واكتساب الخبرة، أصبحت قدرة الوزراء على حل المشاكل أكبر وأعمق، والمثل هو الدكتور على مصيلحى وزير التضامن الاجتماعى، الذى كان يخلق أزمة كلما أدلى بتصريح، رغم اجتهاده وتفانيه فى العمل، ولكنه الآن صار خبيراً ومحنكاً ولا يتكلم عمال على بطال.. ومثله وزراء كثيرون، لكنه كان المثال الصارخ.
الدكتور نظيف نفسه كان ماشى زى القطر فى مشروعات التنمية، دون أن يخفف حدة احتكاك العجلات بتشحيم اسمه العدالة الاجتماعية والانحياز إلى الفقراء ومحدودى الدخل والذهاب إليهم فى أماكنهم والسعى إلى حل مشاكلهم.
لكن يُشهد لهذه الحكومة أن طريقة الجراح البريطانى رغم غلظتها فى كثير من الأحيان، آتت ثمارها، وتعاملت مع المشاكل من جذورها، وليس بالمهدئات والمسكنات، وكانت الثمرة الحقيقية عندما حدثت الأزمة الاقتصادية العالمية، وتمر الآن مرور الكرام دون أن يشعر بها أحد.
الحزب الوطنى المفترى عليه
مهما تعرض الحزب الوطنى لهجوم وانتقادات، يكفيه أنه استطاع أن يطور أداءه وأسلوبه فى العمل، وأن يقف على أرضية صلبة، وأن يتحول فى السنوات الأخيرة إلى كيان مؤسسى ضخم فيه طوابير وصفوف من القيادات والكوادر القادرة على العمل والحركة فى مختلف المواقع.
أمانة السياسات لعبت دوراً مهماً ومؤثراً فى تحديث الحزب، واعتماد أساليب علمية فى بحث مشاكل الجماهير، بدلاً من الارتجالية والعشوائية والخطب الرنانة والشعبية الزائفة.. وخططت الأمانة لكل مشاكل مصر بطريقة تشخيصية رائعة، حددت الأسباب، وقدمت المقترحات والحلول.
يكفى أمانة السياسات أنها أزاحت الستار عن مشكلة مزمنة فى جذور المجتمع المصرى منذ عشرات السنين اسمها الفقر، وكانت كل الأنظمة والحكومات السابقة تتحايل عليها بالتزييف والتزوير، ولم يكن لدى أى مسئول الجرأة أن يعترف أن مصر فيها فقر أو فقراء، ولكن أمانة السياسات شخصت المشكلة بطريقة وبأسلوب علمى جرىء، ووضعت الحلول والخطط للتخلص منها، وإزالة تراكماتها الطويلة.
زيارات أمين السياسات جمال مبارك للقرى الأكثر فقراً وضعت هموم الناس ومشاكلهم فى بؤرة الاهتمام الحزبى والرسمى، ولم تعد هناك أماكن منسية أو مشاكل مختبئة تتحايل عليها الحكومات بالعبارات المنمقة والخطط التى لا ترى النور.
أجندة الإعلام غير أجندة الناس
ليس فى مقدرة أى دولة فى الشرق أو الغرب أن تتحمل الهجوم الإعلامى المتوحش الذى اقتحم الحياة فى مصر منذ عام 5002، إلا مصر التى تعاملت مع ذلك بصبر وهدوء، حتى أخذت الأوضاع فى الاستقرار تدريجياً.. إلا من بعض الفضائيات التى تفتعل أحداثاً، أو تنفخ فى الرماد لتشعل ناراً من جديد.
فرض الإعلام على الرأى العام أجندته الخاصة حتى لو لم تكن تتعلق بمشاكل الناس، مثلاً عندما أثيرت قضية خصخصة بنك القاهرة، وحاولت الفضائيات أن تجعلها قضية رأى عام، قام أحد المراكز العلمية الكبيرة بعمل استطلاع حول القضية لدى 0053 عينة من مختلف المواطنين، اتضح أن 59٪ منهم لا يعرفون المشكلة، والنسبة الباقية لا تمثل أدنى اهتمام لهم.
كثير من القضايا يتم تضخيمها، جرياً وراء التحريض والإثارة وجذب المشاهدين، ولكن مع كثرة الفضائيات وصراعها اليومى الذى يشبه صراع الديوك، بدأت قطاعات كبيرة من الناس تمل هذا المشهد اليومى المتكرر، ويسألون: طب وبعدين؟!
الفضائيات كانت المسئول الأول عن صناعة الاحتقان وتغذيته وإشعاله كلما هدأ، ولكن كثرة الصراخ والضجيج أصابت الناس بحالة من الملل، فأصبح مثل أفلام العنف التى يملها المشاهد بعد أن يراها مرتين أو ثلاثاً.
الهدوء وضبط النفس
رغم الهجوم الضارى الذى تعرضت له الشرطة المصرية والذى استهدف بالدرجة الأولى ضرب الروح المعنوية للضباط والجنود، وإصابتهم باليأس والإحباط، إلا أن جهاز الأمن استطاع أن يستوعب فترات الاحتقان، وأن يتعامل معها بأقصى درجات المسئولية وضبط النفس، وتحمل رجال الشرطة كثيراً من الإساءات والسخافات، ولكن ذلك لم ينل أبداً من عزيمتهم.
اتخذت الحرب ضد الشرطة أشكالاً عديدة، مثل الاستفزازات الكثيرة أثناء المظاهرات والاعتصامات فى الشوارع وأمام النقابات خصوصاً نقابة الصحفيين، وكذلك حرب الفيديو واللقطات المصورة حول وقائع تعذيب، بعضها صحيح وبعضها كاذب، بجانب الحكايات الكثيرة عن انتهاكات حقوق الإنسان فى أقسام الشرطة وغيرها.. وكانت حرباً شرسة وعنيفة ضد الشرطة استطاعت أن تتعامل معها بثقة وهدوء حتى مرت الأزمات بسلام.
الدرس المستفاد من ذلك هو ضرورة استثمار الهدنة الحالية - قبل موسم الانتخابات القادم - لتأكيد الثقة فى جهاز الشرطة وتمكينه من أداء مهامه الكبيرة، وأن تكف وسائل الإعلام عن إثارة الاتهامات والهجوم الذى ليس له سند ولا دليل.. وتقع على عاتق جهاز الشرطة مهام ثقيلة وصعبة فى العامين القادمين، مهام تحتاج أقصى درجات الهدوء وضبط النفس والصبر وعدم الانفعال.
التوريث.. أسخف القضايا
بعض الصحف الخاصة والحزبية والفضائيات تتصور أنها ستصبح أكثر انتشاراً وتوزيعاً، إذا شغلت الناس بقضية التوريث، وتختلق قصصاً وحكايات لا أساس لها فى الواقع، رغم أن الانتخابات الرئاسية باق عليها أكثر من عامين، وتمضى الحكومة فى تنفيذ البرنامج الرئاسى فى ثلثه الأخير.
أيهما يحقق مصلحة الناس.. محاسبة الحكومة على ما أنجزته فى البرنامج الرئاسى؟.. أم إثارة الجدل حول قضية التوريث؟ واختلاق شائعات وحكايات، أصابت الناس فى كثير من الأحوال بالضيق والملل من كثرة العكعكة واللكلكة فيها، على حد تعبير أمين عام الحزب الوطنى صفوت الشريف.
الدستور المصرى يحدد آلية انتقال السلطة بطريقة سلمية ومأمونة، والرئيس يعمل ليلاً ونهاراً لتنفيذ برنامجه وأكد أكثر من مرة أن هذا هو شغله الشاغل، وأنه سيظل يعمل طالما قلبه ينبض بالحياة.. والناس بدأوا يدركون ذلك وينفضون من حول اللاعبين بقضية التوريث.. كلام ليس فيه جديد، والذى يرددونه اليوم، هو نفسه غداً وبعد غد، لحن سخيف يعزفون عليه أكثر من نغمة.
هل يعود الاحتقان من جديد؟
سؤال صعب خصوصاً فى موسم قادم يشهد انتخابات ماراثونية برلمانية ورئاسية، وهناك من يتربص بها ويعقد العزم على استثمارها لمصالحه الخاصة والزعم بتزوير الانتخابات مهما كانت نزيهة، واستخدام ذلك فى تشويه صورة مصر فى الخارج.. وكل من لن يحالفه الحظ فى الانتخابات، سواء من الحزب الوطنى أو المعارضة لن يجد أمامه سوى شماعة التزوير.
الانتخابات هى موسم ازدهار الاحتقان، وسوف تجد الفضائيات والصحف ضالتها الكبرى فى موسم ساخن ويمتد لمدة عشرين شهراً، يمارس فيه الجميع عمليات فرش متاع بأن يخرجوا كل ما لديهم وينشروه فى الشمس وعلى الرصيف، وستكون الفرجة فى أعلى مواسمها.
يمكن أن يعود الاحتقان أشد وأعنف مثل المريض الذى ينتكس مرة ثانية، ولكن استمرار الأداء الجماعى الجيد للدولة، ومواجهة المشاكل والأزمات أولاً بأول، وفتح النوافذ والأبواب واستخدام سلاح الشفافية والمواجهة وإظهار الحقائق، كلها أشياء ضرورية تقضى على الاحتقان والمحتقنين أولاً بأول.
أتمنى ألا يكون الاحتقان مثل فيروس أنفلونزا الخنازير الذى يضعف ويختفى فى الصيف، ثم يعود شرساً فى الخريف وأشد شراسة فى الشتاء.. فهل ترسم الحكومة خطة لمكافحة الاحتقان مثلما تفعل مع أنفلونزا الخنازير


E-Mail : [email protected]