الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«الليلة الكبيرة» ومقتنيات القومى للمسرح تخطف جمهور مسلسلات رمضان

«الليلة الكبيرة» ومقتنيات القومى للمسرح تخطف جمهور مسلسلات رمضان
«الليلة الكبيرة» ومقتنيات القومى للمسرح تخطف جمهور مسلسلات رمضان




فى يوم الأحد الماضى، والذى وافق السابع من شهر رمضان افتتح المخرج خالد جلال رئيس قطاع الإنتاج الثقافى بحضور وزير الثقافة حلمى النمنم فى ساحة مركز الهناجر للفنون بدار الأوبرا، عددًا لا حصر له من الفعاليات الفنية المتنوعة احتفالا بالشهر الكريم، والتى أطلق عليها خيمة «هل هلالك»، عندما تتجول بالمكان الذى بدا وكأنه ساحة كبيرة لمسرح الشارع، ستسيطر عليك حالة من المتعة والبهجة والإبهار، إلى جانب استننشاق رائحة رمضان، التى افتقدنها لسنوات طويلة بعروض المسرح، فبخلاف تقسيم الساحة إلى قاعتى مسرح وقاعة للورش، ضم المكان ألعابًا للسيرك القومى، بجانب رجل يقف بين المسرحين بعربة لبيع الفشار وغزل البنات للجمهور والأطفال، ولأول مرة تخرج من هذا المكان عبق رائحة الأيام الخوالى لشهر رمضان الكريم.
لكن لم يكتف القطاع بهذه الفعاليات الفنية، بل كان من أبرزها وأهمها متحف مقتنيات المركز القومى للمسرح برئاسة الدكتور مصطفى سليم، والذى أقيم بقاعة الفنان «آدم حنين» بمركز الهناجر، وما إن أخذتك قدميك للتجول داخله ستنسى نفسك ومسلسلات رمضان والاحتفالات الخارجية، كى تقف مبهورا ومستمتعا، بمتابعة وتأمل كل ما احتوى عليه هذا المتحف من مقتنيات مسرحية نادرة، وستحرص وبشدة على قراءة النبذة التاريخية التى وضعت على كل ركن بالمتحف، عن أصل وجود هذه المقتنيات، وتاريخ إنشائها.  كان من بينها مبنى دار الأوبرا القديم.. التى أنشأها اسماعيل باشا عام 1869 بمناسبة افتتاح قناة السويس، وقد بنيت فى زمن قصير لا يتجاوز الخمسة أشهر، تحت ملاحظة المهندس المعمارى أفوسكاتى، وافتتحت فى أول نوفمبر سنة 1869 بتقديم رواية «ريجوليتو»، وكان يبدأ بها موسم العمل فى أول نوفمبر وينتهى 30 إبريل من كل سنة، وكانت تنحصر أعمال الأوبرا فى التمثيل، قدمت خمسًا وسبعين رواية فرنسية وإيطالية، حسب شروط الاتفاق مع مستأجر الأوبرا، الروايات التى تمثل لمساعدة الفقراء، وغيرهم بناء على طلب الجمعيات الخيرية التى تعترف بها الحكومة، روايات عربية تمثل عادة عقب موسم التمثيل السنوى، تصرف الحكومة الأزياء والمناظر، وأثاث المسرح إلى المستأجر، من مخازن الأوبرا، يوجد ضمن بناء الأوبرا مكتبة موسيقية تحتوى على سبعمائة مجلد تقريبا من روايات موسيقية، وروايات تمثيلية موسيقية، ورقص تمثيلى، وأيضا مكتبة بها كتب خاصة بتاريخ فن التمثيل، يوجد بدفتر خانة بالأوبرا وغيرها صور مكاتبات كثيرة من إدارة الأوبرا فى عهد اسماعيل باشا ذات أهمية تاريخية عظيمة، احترقت الأوبرا فى 29 أكتوبر 1971.
من ضمن المقتنيات أيضا طراز منصة «مسرح الارتجال» الذى يرجع إنشائه إلى أوائل عصر النهضة، ثم «قهوة المسرح الشعبى» والتى وضح أن كان لها تاريخ فنى طويل، ففى فجر المسرح المصرى كانت المقاهى مسرحا لأنشطة فنية متعددة امتدادا لدور المقهى فى الترفيه عن زبائنه، وكانت المقاهى فى مختلف البلاد العربية هى مقر إنشاء الراوى للسير والقصص، وحسب شهادة الرحالة الأوربيين فى القرن 18، كان الراوى يقوم بحركات تمثيلية أثناء انشاده مستخدما الربابة فى تصوير الطعن بالسيوف ومستعينا بالإشارات والحركات فى كثير من المواضع، وتخصصت المقاهى فى الأزبكية وحى بولاق فى تقديم الفصول المضحكة المرتجلة والأراجوز وخيال الظل، وكان الفنانون الشعبيون يؤدون المواويل والملاحم العربية عزفا على الربابة، والآلات الشعبية، وحتى بعد تشييد دور العرض المسرحى لم يكن يسمح للفرق التمثيلية الصغيرة أو للاعبى الأراجوز وغيرها من العروض الشعبية بالتمثيل بالمسارح المخصصة للفرق الكبرى التى توالى ظهورها منذ أواخر القرن الـ19، بل كانت تمارس نشاطها بالمقاهى والشوادر والساحات الشعبية والموالد وكانت الفرص المتاحة للفرق الهزلية الارتجالية لتقديم فنونها بالمسارح، هو تقديم فصولها المضحكة فى نهاية حفلات الفرق الكبرى، شهدت المقاهى عروضا مسرحية بقاعاتها أمام الزبائن، وسجل تاريخ المسرح أن الشيخ أحمد أبو خليل القبانى عندما وفد من سوريا إلى الإسكندرية على رأس فرقته فى يونيو 1884، استأجر قهوة «الدانوب» لتقديم عروض الفرقة فى مستهل موسمه الأول بالديار المصرية من المسرحيات «أنس الجليس»، «نكران الجميل»، «نفح الربى»، «عفة المحبين أو ولادة»، «الأمير محمود»، «الشيخ وضاح»، «زهر الرياض»، وفى الإسكندرية كذلك ذاع صيت قهوة «براديزو» فى أواخر القرن 19 وتوافدت عليها فرق محلية وأجنبية منها فرقة سليمان القرداحى، جمعية نزهة النفوس، جوق البراديزو المسرحى الغنائى، جوق مسيو سكوبناميليو، وفى عشرينيات القرن العشرين كانت فرقة فوزى فوزى الجزايرلى تحيى مواسمها أحيانا بقهوة سيبان بالإسكندرية، وفى القاهرة حيث ازدهرت تمثيليات الفرق الارتجالية الهزلية فى أواخر القرن 19، وأوائل القرن الـ20 كانت الفصول المضحكة تمثل بمقاهى أحباء الأزبكية، والحسين والسيدة زينب ونذكر منها قهوة كامل حيث كانت تمثل فرقة فنان الإرتجال جورج دخول، وفى حى الحسين بالقاهرة اشتهر مقهى دار السلام الذى تحول إلى مسرح متواضع حيث كانت تمثل فرقة فوزى الجزايرلى، وفرقة الشيخ أحمد الشامى أثناء الحرب العالمية الأولى وكان لمسرح دار السلام نصيب وفير من عروض الفرق الارتجالية منها فرقة عبد الحميد عزمي، وسلامة القط، ومحمد ناجى وغيرها من الفرق التى تعاقبت على المسرح على فترات متقطعة حتى ستينات القرن ال 20، اندثرت مسارح القهوة عقب الحرب العالمية الأولى بزوال أغلب الفرق الإرتجالية وإنشاء المسارح بشارع عماد الدين الذى صار مركز الحركة المسرحية بين الحربيين»
ماكيت المسرح القومى قبل التجديد.. «تأسست الفرقة القومية للتمثيل عام 1935 تحت إشراف وزارة المعارف للإنفاذ، من أثر الأزمة المالية العالمية التى تسببت فى إغلاق بعض المسارح وكان عرض «أهل الكهف»، أول أعمال الفرقة من تأليف توفيق الحكيم وإخراج زكى طليمات،  وفى أغسطس عام 1942 حلت الفرقة القومية وأعيد تشكيلها تحت اسم الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى، فى سبتمبر 1950 تكونت فرقة مسرحية جديدة هى فرقة المسرح المصرى الحديث من خريجى المعهد العالى لفن التمثيل وظلت الفرقتان تعملان جنبا إلى جنب حتى اندمجتا عام 1952، وفى 1958 اكتسبت الفرقة اسم المسرح القومي، وتوالى على إدراة المسرح فنانون كبار مثل جورج أبيض، يوسف وهبي، زكى طليمات، أمينة رزق، حسين رياض، فؤاد شفيق، عبد الرحيم الزرقانى، وغيرهم من الجيل الأول من المسرحيين، قدم المسرح القومى أعمال كبار الكتاب مثل توفيق الحكيم، أحمد شوقي، عزيز أباظة، نعمان عاشور، عبدالرحمن الشرقاوى، يوسف إدريس، سعد الدين وهبة، محمود دياب، عام 1990 انشئت قاعة تجريبية حملت اسم الفنان الراحل عبد الرحيم الزرقانى وكان أول أعمالها مسرحية «ثمن الغربة» إخراج زوسر مرزوق».
مسرح سيد درويش بالإسكندرية.. «شيده عام 1921 رجل الأعمال اللبنانى جورجى قرداحى فى مكان قريب من موقع مسرح زيزينا بطريق الحرية بالإسكندرية، استأجر قرداحى الأرض المجاورة من الثرى اليونانى مونفراتو، وأقام عليها عمارة ضخمة تطل الآن على طريق الحرية، قبيل إنشاء المسرح أوفد قرداحى مسيو بارك مهندس الإنشاءات ببنك الرهونات إلى باريس لإحضار تصميمات المسرح المزمع إنشاؤه، وقد روعى فى وضعها أن يكون التصميم الداخلى للمسرح مشابه لأوبرا باريس وأن تتسع المنصة لتقديم عروض الأوبرا الضخمة وأسند لشركة رولان الفرنسية للمقاولات مهمة تشييد البناء وقام المهندس شامبيون بتنفيذ ديكورات المسرح، وجهزت الصالة بأساس فخم، ثم افتتح المسرح الذى أطلق عليه مسرح وسينما محمد على فى 29 إبريل 1922، وظل نشاطه يعتمد أساسا على تقديم أفلام سينمائية تتخللها عروض لفرق المسرح والأوبرا الأجنبية والفرق المصرية، وقد طلبت أسرة قرداحى، من بلدية الإسكندرية 1925 اعتبار مسرح وسينما محمد على مسرحا رسميا لمدينة الإسكندرية عام 1927، وعرض بالمسرح فيلم «ليلى»، أول فيلم عربى ناطق، ثم استولت وزراة الثقافة والإرشاد عليه فى 1964، وخصصه لتقديم العروض المسرحية والموسيقية دون السينمائية وأطلق عليه منذ ذلك التاريخ اسم الموسيقار السكندرى سيد درويش، ومن الفرق الأجنبية التى مثلت بالمسرح، فرقة الأوبرا الإيطالية، وعلى رأسها الموسيقار ماسكانى 1925، مادلين سوريا 1927، البولشوي، فرقة الموسيقى والغناء الزنجية، الكوميدى فرانسز، فرقة عرائس الصين وفرق الباليه فرقة الباليه الدرامى اليونانية ليينجراد، لوجرينيه دى تولوز المسرحية 1971، أرمنيا للفنون الشعبية 1970، أوبرا برلين 1972، فرقة فيلكس بلاسكا 1972، معهد جوته صوفيانا المجرية للفنون الشعبية، ومن الفرق المصرية، فرقة المسرح الكوميدى المسرح الحديث، فرقة المسرح القومى السكندرى التى اتخذت مسرح سيد دوريش مقرا لها منذ إنشائها 1968، وهناك مثلت «المرجيحة»، «حكايات شركان فى بيت زارا»، «أوبريت شهرزاد»، «الحارس الخصوصي»، «الدنيا رواية هزلية»، «فرقة عرائس شكوكو»، فرقة تحية كاريوكا، فرقة ثلاثى أضواء المسرح ابن البلد محمد رضا، فرقة السيد بدير وأمين الهنيدى، الكوميدى شو».
كان من محتويات المتحف الهامة أيضا بعض الملابس القديمة، من أعمال الراحل يوسف وهبى منها ملابس مسرحية «راسبوتين» بطولة أمينة رزق واقتباس وإخراج  يوسف وهبى وعرضت أول نوفمبر 1924، «كرسى الاعتراف» «الكاردينال» بطولة يوسف وهبى تأليف لويس باركر، ترجمة محمد أسعد لطفى إخراج عزيز عيد 1926، «سفير جهنم» تأليف يوسف وهبى وإخراجه عام 1942 لفرقة رمسيس، «البخيل» تأليف موليير بطولة يوسف وهبى وإخراجه عام 1931، إلى جانب ركن آخر احتوى على المتعلقات الشخصية للراحل زكى طليمات نظارته وبطاقته وبعض الدفاتر الخاصة به، وقسيمة زواج الفنان سيد درويش وطربوشه وعوده الخاص، وركن آخر لنماذج من عرائس الليلة الكبيرة للفنان ناجى شاكر.
أقيمت هذه الفعاليات بالتعاون مع البيوت الفنية التابعة لقطاع الإنتاج الثقافى مثل البيت الفنى للمسرح، والفنون الشعبية، والمركز القومى للسينما والمركز القومى للمسرح، حيث تم تقسيم الساحة إلى ثلاثة مسارح مختلفة مسرح عرائس وتعرض عليه «الليلة الكبيرة» يوميا والتى اجتذبت أكبر عدد من جماهير الكبار والأطفال بالإضافة إلى فقرات فنية للسيرك القومى، وقاعة لورشة «ريبكيا» للأطفال تحت إشراف الفنانة التشكيلية سها كحيل والتى قالت عنها: أعتقد أنها تجربة مفيدة للغاية لأن الأطفال اندمجوا بالورشة وأحبوها كثيرا لأنهم يتعلمون كيفية إعادة تدوير المخلفات، بمعنى أن أى علبة كرتون أو أى شىء قد يرون أنه عديم القيمة يتعلمون كيفية استغلاله والإستفادة به، ففى الأيام الأولى تعلموا صناعة فانوس رمضان، وتعلموا الرسم على السنفرة، وقص ولزق، ويوم العاشر من رمضان قاموا فى هذا الاحتفال، بتلوين طائرات خشبية وتجاوزنا السن بالورشة فلم تقتصر على الأطفال فقط، بل حرص بعض الكبار على المشاركة بأيديهم وكان على رأسهم الفنان ماهر سليم الذى شاركنا فى صنع وتلوين «الكتاكيت».
فى الوقت نفسه تقدم يوميا على المسرح المجاور للورشة عروض لفرقة رضا والقومية والآلات الشعبية، والتى تقام عروضهم بالتوازى على مدار أيام الأسبوع، بجانب عروض المسرح على خشبة الهناجر، والذى عرضت عليه مسرحية «شى كايرو» للمخرجة مروة رضوان، وبطولة سارة سلام ومحمد حسن رمضان وألحان المهدى، ومتحف للفنون الخزف، وبالتالى ازدحم المكان بالجمهور وتوزعت الجماهير على هذه الفعاليات المختلفة كل حسب اهتمامه.
تعتبر هذه هى المرة الأولى التى تزدحم فيها منطقة مركز الهناجر بكل ما تحتويه من أماكن سواء قاعات المسرح أو السينما أو الساحة أو المتحف، وتم استغلال كل شبر بالمكان لوضع فعالية فنية بداخله، ومن المقرر أن يعاد أكثر من عرض مسرحى على مدار شهر رمضان، منها عروض «رجالة وستات» إخراج إسلام إمام لمدة ثلاثة أيام متوالية بدء من غدا السبت، ثم يليه «قضية ظل الحمار» إخراج محمد جبر، وأخيرا «الخلطة السحرية للسعادة» إخراج شادى الدالى والذى يستمر حتى عيد الفطر المبارك.