الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

احترام الموت




لا أعتقد أن أحدًا يمكنه أن يكتب عن الكاتب الراحل الكبير محمود عوض بقدري‮.. ‬ولا أظن أن تلميذًا يمكنه أن يدعي تواصلاً‮ ‬معه كما يجوز لي‮ ‬ذلك‮.. ‬وأوقن إني سمعت منه طيلة سنوات ممتدة الكثير من القصص والحكايات والوقائع التي لم يعرفها الكثيرون‮.. ‬ولكن احترام الموت‮.. ‬ورحيل الراوي يوجب علينا أن نلتزم الصمت‮.. ‬فلو كان يريد أن يقول شيئًا لكتبه أو قاله وهو علي قيد الحياة‮.. ‬وكان قلمه قادرًا ولا يدانيه أحد في الحكاية‮.‬

‮ ‬أكتب هذا مطالبًا الزملاء الأعزاء الذين يتطوعون الآن،‮ ‬بفعل حزنهم عليه،‮ ‬برواية أمور وقصص،‮ ‬لم يعد أصحابها بيننا،‮ ‬بما فيهم محمود عوض نفسه،‮ ‬إذ ليس علينا ونحن نذكر الأستاذ الراحل بالخير أن نؤذي أساتذة أفاضل أعطاهم الله الصحة أو أساتذة آخرين رحلوا‮ .. ‬يرحمهم الله‮.‬

‮ ‬لقد تناقشت معه مليا في مسألة خلافه العميق مع الأستاذ موسي صبري‮.. ‬ولم أكن أعرف الأستاذ موسي‮.. ‬ولكني أقدر مسيرته وتاريخه ومكانته‮.. ‬ومن ثم اكتفيت في نعيي للأستاذ محمود بأن أشير إلي أنه كان بينهما خلاف ولم أشر إلي مضمونه‮.. ‬فصاحبا التاريخ ماتا‮.. ‬ولو أراد محمود عوض لكان قد كتبه أو صرح به‮.. ‬وقد أتيحت له مئات الفرص طيلة عمره حتي بعد أن مات موسي صبري‮.. ‬ولكنه لم يفعل‮.. ‬ولعلم من يكتبون فقد تناقشت معه كثيرًا في هذا خصوصًا حين أعد موسي صبري مسلسلاً‮ ‬إذاعيا شهيرًا‮.. ‬كنت أتضرر يوميا وأنا أسمعه وأعبر عن ذلك لمحمود عوض‮.. ‬فيضحك‮.. ‬ويعود إلي ما يشغله‮.‬

‮ ‬إن مشكلتنا كصحفيين هي أننا نظن أننا ملاّك الحقيقة‮.. ‬ولا أحد ينازعنا ذلك‮.. ‬حتي فيما يخص زملاءنا‮.. ‬وعلي سبيل المثال فإن زميلاً‮ ‬قد اتصل بي يوم الأحد الماضي متضررًا‮.. ‬ويقول‮: ‬إن علينا أن ننتبه إلي أوراق محمود عوض ووثائقه‮.. ‬فقد لا يعرف قيمتها أهله‮.. ‬وقلت له‮: ‬ما لنا نحن بذلك‮.. ‬إن له ورثة‮.. ‬وهم أحرار يفعلون بما ترك ما يريدون‮.. ‬لسنا أوصياء عليهم‮.. ‬ولو كان يريد أمرًا معينًا لكان قد قاله قبل أن يموت‮. ‬فهدأ الزميل‮.. ‬وفيما بعد علمت أن الأستاذ النقيب مكرم محمد أحمد قد اقترح علي الأسرة أن يشكل لهم لجنة تساعدهم في الأمر‮.. ‬وهذا عمليا سلوك‮ ‬غير وصي وله إيجابياته ويحترم كينونة الناس وحزنهم ويقدر عقلهم‮.‬ ‮ ‬
وقد كان يمكنني أن أروي قصصًا كثيرة سمعتها من محمود عوض بخصوص ما تعرض له من بعض الزملاء الشباب‮.. ‬أبناء جيلي للأسف‮.. ‬بينهم بعض من زواره المستمرين في بيته‮.. ‬حين دبروا ما أدي إلي إبعاده عن رئاسة تحرير جريدة خاصة قبل ما يزيد علي ثلاثة أعوام‮.. ‬ولكني لم أفعل‮.. ‬حتي وأنا أراهم يتصدرون عزاءه يوم الثلاثاء‮.. ‬ويكتبون عنه القصائد‮.. ‬ويقولون بالطبع الكثير مما لم يفعلوا فيه‮.. ‬رحم الله الحي والميت‮.‬

كما أن قصته مع‮ ‬أخبار اليوم‮.. ‬ورئيس مجلس إدارتها الراحل موسي صبري‮.. ‬ورئيس تحريرها السابق الكاتب الكبير إبراهيم سعدة‮ (‬وكان أيضًا رئيسًا لمجلس  الإدارة‮) ‬لها جوانب كثيرة جدًا‮.. ‬وفي علاقات الصحف مع أبنائها‮.. ‬خصوصًا المؤسسات الكبيرة‮.. ‬الكثير من التعقيدات‮ ‬غير المرئية‮.. ‬ولكن ليس من حق أحد أن يرويها من جانب واحد‮.. ‬خاصة إذا كان صاحب هذا الجانب قد مات توًا‮.. ‬وحتي لا ندفع البعض لأن يمضي في رواية تفاصيل أخري من جانبه قد تخالف ما ينسب إلي الراحل العزيز‮.. ‬فلنحترم موته‮.. ‬ولنحترم رغباته المسجلة في حياته‮.. ‬ومن النبل أن نقدر إنه لم يفعل وهو يعيش‮.. ‬وإنه لم يعط أيا منا الحق في أن يتحدث باسمه‮.‬

‮ ‬وإذا كان فيما تلي رحيل هذا الكاتب الكبير وقائع تزيد ألمنا برحيله،‮ ‬وتجعله مضاعفًا،‮ ‬فإني أسعد جدًا بما قاله السيد وزير الخارجية أحمد أبوالغيط وهو يشاطرني أحزاني في الأستاذ الراحل‮.. ‬إذ قال‮: ‬كان كاتبًا نادرًا‮.. ‬يذكر الوقائع بدقة قبل أن يدلف إلي تحليله‮.. ‬ولا يمكن أن تجد فيما يكتب واقعة‮ ‬غير صحيحة‮.. ‬وأهم ما فيه إنه كان زاهدًا لا يريد شيئا‮.. ‬مترفعًا‮.. ‬لديه عزة نفس متجلية لا تراها لدي كثيرين‮.‬

رحم الله محمود عوض‮.. ‬وإذا أردنا أن يستجيب الله لدعائنا له بالرحمة‮.. ‬فلترحموا ذكراه أنتم أولا ولتحترموا موته‮.‬
الموقع الإليكتروني‮: tne.lamakba.www
‬ البريد الإليكتروني:  [email protected]