الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

شبهة حمل الأمانة بالإجبار لا بالاختيار

شبهة حمل الأمانة بالإجبار لا بالاختيار
شبهة حمل الأمانة بالإجبار لا بالاختيار




فى كل يوم نعرض لإحدى الشبهات الواردة ونرد عليه، وشبهة اليوم تتعلق بأن حمل الإنسان لأمانة الدعوة والتكليف لم تكن اختيارًا، ويستدل الطاعنون بأن الله تعالى يقول فى كتابه العزيز: «إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً، فهذا يدل أن التخيير فقط كان لآدم عليه السلام، وليس لكل البشر  ويأتى الرد على تلك الشبهة بالقول إن الله سبحانه هو الرب الخالق المتصرف، فله الحق فى أن يتصرف فى خلقه كيف يشاء، قال تعالى: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23}، وقال أيضًا: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ {الرعد:41}.
قال ابن كثير فى تفسيره: وَقَوْلُهُ: لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ ـ أَيْ: هُوَ الْحَاكِمُ الَّذِى لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَلَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ أَحَدٌ لِعَظَمَتِهِ، وَجَلَالِهِ، وَكِبْرِيَائِهِ، وعلمه، وحكمته، وعدله، ولطفه: وَهُمْ يُسْئَلُونَ ـ أَيْ: وَهُوَ سَائِلٌ خَلْقَهُ عَمَّا يَعْمَلُونَ، كَقَوْلِهِ: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ {الْحِجْرِ: 92ـ 93}، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ. اهـ.
هذا أولًا، فعلى العبد أن يرضى له، ويسلم بقدره، ويقبل على الالتزام بشرعه ليحصل سعادة الدارين.
ثانيًا: أن آية الأمانة فى خواتيم سورة الأحزاب بينت أن هذه الأمانة قد عرضها الله على الإنسان، وارتضى حملها، نعم ذهب كثير من المفسرين إلى أن المراد بالإنسان آدم ـ عليه السلام ـ ولكنهم لا يعنون أن هذا العهد لم يؤخذ على ذريته أيضًا، فقد دلت آية الميثاق فى سورة الأعراف على أن الله تعالى قد أخذ العهد على بنى آدم وهم فى ظهور آبائهم، نعنى قول الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِى آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ {الأعراف:172}.
قال ابن كثير فى تفسير هذه الآية: يخبر تعالى أنه استخرج ذرية بنى آدم من أصلابهم، شاهدين على أنفسهم أن اللّه ربهم ومليكهم، وأنه لا إله إلا هو، كما أنه تعالى فطرهم على ذلك، وجبلهم عليه، قال تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ {الروم:30} وفى الصحيحين عن أبى هريرة ـ رضى اللّه عنه ـ قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ـ وفى رواية: على هذه الملة ـ وفى صحيح مسلم عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله: إنى خلقت عبادى حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم..
ونقل ابن كثير أيضًا عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ موقوفًا قال: إن الله مسح صلب آدم فاستخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة، فأخذ منهم الميثاق أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وتكفل لهم بالأرزاق، ثم أعادهم فى صلبه، فلن تقوم الساعة حتى يولد من أعطى الميثاق يومئذ، فمن أدرك منهم الميثاق الآخر فوفى به نفعه الميثاق الأول، ومن أدرك الميثاق الآخر فلم يقر به لم ينفعه الميثاق الأول، ومن مات صغيرا قبل أن يدرك الميثاق الآخر مات على الميثاق الأول على الفطرة.