BBC .. التي كانت!
عبد الله كمال
كانت الخدمة العربية لهيئة الإذاعة البريطانية عنوانًا للنزاهة والمصداقية.. وانعكاسًا لقيم الخدمة الدولية والإنجليزية المعروفة بموضوعيتها واستقلالها.. ولو كان استقلالاً في أغلب الأوقات باستثناء توقيتات بعينها تقوم فيها الهيئة بالتخديم علي الأجندة البريطانية بطريقة غير مباشرة.
أقول (كانت)، لأن الخدمة العربية، إذاعة وتليفزيوناً، صارت، عن حق وبدون أدني مبالغة، تخالف أبسط قواعد المهنة.. وتتجاوز الحد الأدني من المعايير.. وأصبحت منبرًا للأيديولوجية والتوجهات السياسية.. ولم يعد بإمكانها أن تدعي الاستقلال والحياد.. كما لم يعد باستطاعة أي متابع أن يستغني بها عن متابعات أخري.. لأنها بالفعل تقود إلي وجه من وجوه الحقيقة.. وليس كلها.
في الآونة الأخيرة، ربما في حدود عام أو عامين، كنت أحاول أن أمنع نفسي عن كتابة هذا التعليق، وأقول إنه يمكن أن تكون هناك حالة طارئة، أو مرحلة إدارية يمكن تجاوزها بحيث تعود الهيئة إلي موضوعيتها المعروفة.. ولكن تغطيات الخدمة العربية خصوصًا عن مصر لم يعد من الممكن إدراجها تحت بند الحياد أو الدقة.. وهناك قدر هائل من (اللخبطة) المزعجة.
إن لي عددًا كبيرًا من الأصدقاء في الـ(بي بي سي).. وقد تحدثت معهم في هذا أكثر من مرة.. بمن فيهم الصديق العزيز الدكتور حسام السكري.. وهو زميل سابق رسم الكاريكاتير لبعض الوقت في روزاليوسف.. بخلاف مسيرته المتنوعة في الصحافة المصرية.. قبل أن ينتقل إلي بريطانيا ويتدرج إعلاميًا إلي أن أصبح مسئولاً عن الخدمة العربية بكل روافدها في الإذاعة والتليفزيون والإنترنت.. كما أعتقد أن بعضا من المسئولين في جهات مصرية قد تناقشوا مع مسئولين في الـ(بي بي سي).. بسبب توجهات الخدمة.. وعدم اكتمالها وحيادها المنقوص وتربصها المتعمد.
أي قصة إخبارية عن مصر تبدأ من اللحظة الأولي بلغة معادية للدولة المصرية، وأي تقرير إخباري لابد أن يتضمن لهجة انتقادية حادة، وأي تعليق لابد أن يغفل ـ تعمدًا أو تسرعًا ـ حقائق كثيرة.. وربما يعود هذا إلي أن الخدمة التليفزيونية أرادت أن تنافس قناة الجزيرة.. وانعكس هذا علي الخدمة الإذاعية.. ولكن كيف يمكن لهيئة الإذاعة البريطانية أن تورط نفسها في سياق أن تصبح كالجزيرة.. فلا هي أصبحت قطرية ولا هي أصبحت بريطانية.
رويت قبل أيام واقعة غريبة.. عن معد تقرير إخباري قال لي وأنا في واشنطن إن هناك خبرًا عن إلغاء اجتماع كان مقررًا عقده بين عدد من أقباط المهجر والرئيس مبارك.. وأنه يطلب مني أن أعلق عليه.. فقلت له هذا الخبر غير صحيح.. لا يوجد لقاء من هذا النوع أصلاً.. فقال لي نحن نذيع الخبر وأنت تنفيه!!.. وأدهشتني هذه الطريقة الغريبة في إذاعة الأخبار غير المدققة.. فالاجتماع كان مع عدد من المصريين ـ وليس الأقباط وحدهم ـ البارزين في واشنطن.. وانعقد ولم يلغ.. وكان الزميل يريدني ستارًا لتغطية خطيئة مهنية!
وفي نفس الأسبوع، وقبله، كان أن طلب مني معد أخبار آخر أن أكون ضيفًا علي التليفزيون لأعلق علي زيارة الرئيس مبارك لواشنطن.. فسألت.. ومن علي الجانب الآخر.. فقال إنه (فلان الفلاني) المعارض المصري.. فقلت له: وما هي علاقة الزيارة بتعدد وجهات النظر بين تيارات السياسة المصرية.. موضوع الزيارة إقليمي.. أفهم أن يكون الضيف المقابل من الولايات المتحدة.. أو حتي من إسرائيل.. ولكن ما هي أهمية أن يكون هناك متناقضان من مصر حول زيارة رئاسية للولايات المتحدة.
قس علي هذا أمورًا كثيرة.. تغطية الخدمة العربية مثلاً لموضوعات الإخوان.. ولقضية خلية حزب الله في مصر.. التي تصر الهيئة حتي الآن علي أن تردد مقولات بخصوص صفقات سياسية حولها في الكواليس.. وغير هذا مما يمكن رصده والتوقف عنده.
نريد أن تعود الـ (بي بي سي ) التي كانت.. باستقلالها وحيادها وموضوعيتها ومهنيتها.. باستماعها إلي كل الآراء.. بعدم الارتكان إلي مواقف مسـبقة.. بعدم الجري وراء (مشطشطات) الإثارة والتسخين.. فلا هي ـ كما هو مفترض ـ تتبع دولة لها أجندة خفية.. بل يعتقد أنها هيئة مستقلة.. ولا هي تحتاج إلي الإعلانات التجارية.. إلا إذا كانت قد جدت أمور سرية لم نعرف بها بعد.. وإن كانت مظاهرها تتجسد أمامنا الآن ومنذ فترة.
الموقع الإليكتروني : www.abkamal.net
البريد الإليكتروني : [email protected]