أخبار الحمقي والمغفلين
عبد الله كمال
أعيتني السبل للوصول إلي كتب مشروع (القراءة للجميع).. فهي تنفد بمجرد أن تصدر.. ويقبل الناس عليها بنهم لرخص سعرها.. وهذا تعبير عن منطق المشروع أي (الإتاحة) للجميع.. ومن ثم استعنت بأكثر من صديق.. فوصلتني مجموعتان من إصدارات العام الحالي.. المجموعة الشخصية لأستاذنا الدكتور فوزي فهمي.. ومجموعة أرسلها الدكتور وحيد عبدالمجيد نائب رئيس هيئة الكتاب.
فلما وصلتني وزعتها علي الزملاء المختصين في الجريدة والمجلة لكي ننشر منها وعنها.. وجلست إلي بعضها.. فوجدت كتاب (الأصول الخمسة) للقاضي عبدالجبار يحتاج وقتا طويلاً وتركيزاً عظيما.. لكني انبسطت جداً بكتاب لطيف نشر في إطار سلسلة التراث في المشروع.. اسمه (أخبار الحمقي والمغفلين) لأبي الفرج بن الجوزي.. وفيه يروي ويرصد صفات هذا النوع من البشر الذي يمكن أن تصادفه في أي مجال وأي عصر.
هذا كتاب مسلٍ أرشحه لك لكي تقرأه في صيام رمضان.. فإن فعلت وجدت نفسك تضحك كلما تجسدت أمامك النماذج التي يتحدث عنها.. أنت تقابل هذه النوعيات كل يوم.. ولم أكن قد قرأت من قبل ما نسبه الكتاب للتوراة.. إذ تقول: (من صنع معروفا إلي أحمق فهو خطيئة مكتوبة عليه).. وينقل أيضا عن الحسن أنه قال: هجران الأحمق قربة (أي تقرباً) إلي الله عز وجل.
ومن الفصول المسلية ما كتبه ابن الجوزي، وهو عالم كبير، عن مواصفات الأحمق الجسمية.. يقول في ذلك: (من كانت بنيته غير متناسبة كان رديئا حتي في همته وعقله ـ فإذا كانت العين ذاهبة في طول البدن فصاحبها مكار لص ـ وإذا كان الجفن منكسراً أو متلوناً من غير علة فصاحبها كذاب مكار أحمق ـ ومن طالت عنقه ورقت فهو صياح أحمق جبان ـ ومن عظمت أذنه فهو جاهل طويل العمر).. وتذكرنا هذه الأوصاف بنظرية (لامبروزو) التي تربط بين مواصفات الجسم وطبيعة الأخلاق والميل للإجرام.
والباب الرابع عنوانه في ذكر أسماء الأحمق.. ومنها: (الرقيع.. أي الذي يحتاج إلي أن يرقع من حمقه.. والرقاعة هي الحماقة وضعف العقل.. ومن غرائب اللغة العربية أن الكلمات التي تطلق علي الأحمق تبدو غريبة وطريفة.. فهو: (المائق ـ الأعفك ـ الهبنقع ـ الخطل).. هكذا مما قال الكتاب.
ومن الطريف جداً مما قرأته في قصص الحمقي عند ابن الجوزي أنه روي حكاية أحمق كان يعلق في عنقه عقداً من الودع وقطع العظام.. فلما أخذه أخوه منه وعلقه في عنقه.. قال الأحمق: يا أخي أنا أنت فمن أنا؟!
وقال شاعر من بني أسد اسمه الكميت بن زيد: (إنما الأحمق مثل الرمل الهائر كلما قومت منه ناحية انهالت عليك الأخري.. فمداواته بلاء والصبر عليه داء).. والشطر الأخير من العبارة له دلالة.
وفي أحد فصول الكتاب بعنوان (أخلاق الأحمق عند الحكماء) ما يلي: (من أخلاق الحمق: العجلة والغرور والفجور والسفه والجهل والضياع والتفريط والغفلة والخيلاء والفخر والمكر.. إن قال فحش، وإن قال لم يحسن، وإن قيل له لم يفقه، وإن ضحك نهق).
والكتاب عامر بالحكايات التي تبدو نكاتا.. ومنها ما نردده حتي اليوم.. وقد سأل أحمق فقيها: أتجوز صلاة إذا أخرج الرجل ريحا خلالها. فرد عليه: لا تجوز.. وعلق الأحمق: أنا فعلت وجازت!! وتقول حكاية أخري إن أحمق قد دخل علي بيته فوجد امرأته مع رجل.. فقال لهما: ماذا يحدث لو كان رآكما غيري.. أليس ذلك فضيحة؟! وتقول ثالثة: سأل أحدهم أحمق: الشهر فيه كم يوما.. فقال: والله لست من هذا البلد!!
وقد تسألني ولماذا اخترت هذا الكتاب دون غيره.. ففي إصدارات مكتبة الأسرة والقراءة للجميع عديد غيرها.. فأرد عليك بأن تلك ليست سوي تسالي صيام.. فالسياسة تعاني من خمول الشهر الكريم.. والأحداث باهتة.. والاشتباكات خافتة.. أو تافهة.. والصيف لم يزل يلقي بظلاله علي الحياة العامة.. حتي إن كانت هناك استثناءات فهي تؤكد القاعدة.. والأهم أننا بالفعل نصادف هذا النوع من البشر الأحمق من حين لآخر.
وأختتم فأقول: إذا عضك كلب لا تعض الكلب.. فتكون كمثل هؤلاء الحمقي الذين كتب عنهم ابن الجوزي.. ولكن عليك أن تسائل صاحب الكلب وتلاحقه.. وهو في اللغة (كلاب).
الموقع الإليكتروني: www.abkamal.net
البريد الإليكتروني: [email protected]