الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الحشد الشعبى.. مسمار دقته إيران فى أرض العراق

الحشد الشعبى.. مسمار دقته إيران فى أرض العراق
الحشد الشعبى.. مسمار دقته إيران فى أرض العراق




لعل معركة الفلوجة فى العراق ضد تنظيم داعش هى قمة جبل الجليد لمؤامرة تقسيم العراق على يد سلاح إيرانى يتمثل فى قوات الحشد الشعبى تحت مظلة ومباركة الحكومة العراقية وفى ظل صمت أمريكى. فما هو الحشد الشعبى؟ وكيف ظهر على الساحة السياسية بين الرافدين؟ وما هى مصادر تمويله ومن هم قادته؟ 
تعود القصة إلى الحرب العراقية الإيرانية فى ثمانينيات القرن العشرين وإلى عام 2003 حين تم تسريح الجيش العراقى عقب سقوط صدام حسين لتطفو على السطح كيانات مسلحة أبرزها قوات البشمركة الكردية وقوات شيعية وقوات العشائر.
وتأسس «الحشد الشعبي» بناءً على فتوى «الجهاد الكفائى» التى أطلقها  آية الله على السيستانى – أحد أبرز رجال الدين الشيعة العراقيين - عقب سيطرة تنظيم داعش على مدينة الموصل عام 2014، وامتداده بعد ذلك إلى محافظة الأنبار ومدينة تكريت، لمنع داعش من السيطرة على بغداد.
وبرز مصطلح الحشد الشعبى ليوحد الجماعات الشيعية المسلحة التى اضطلعت بمهمة قتال تنظيم داعش، ليصبح القوة الموازية للجيش العراقى إثر انهياره السريع أمام داعش.. وهنا نتذكر تصريح وزير الدفاع العراقى الحالى خالد العبيدى إن نحو ثلثى الجيش العراقى تخلى عن الخدمة لدى اجتياح تنظيم داعش شمال العراق عام 2014.
كانت بعض فصائل الحشد الشعبى موجودة قبل فتوى المرجع الدينى على السيستانى والآن يتجاوز عددها 40 فصيلًا، ويعزو الخبراء تعددها لاختلاف ولاءات عناصرها وقادتها فمنهم من يدين بالولاء كاملًا لإيران بينما يتبع بعضها التيار الصدرى أى شيعة العراق.
لا توجد أرقام موثوقة عن حجم قوات «الحشد الشعبي»، لكن يقدر البعض أنها تصل لـ 300 ألف عنصر تتمركز فى مناطق الفلوجة والرمادى وبيجى ومحافظة صلاح الدين. والبادى للعيان أنها مناطق ذات أغلبية سنية. فما حاجة الشيعة وإيران لوجود قوات الحشد الشعبى فى مناطق التهمتها الشيعة من خريطة العراق منذ الغزو الأمريكى؟!
وتتبع قوات الحشد لجنة سرية فى الحكومة العراقية يرأسها جمال جعفر محمد المعروف بلقب أبو مهدى المهندس، وهو قائد سابق لفيلق بدر الشيعى بالعراق وهو الذراع اليمنى لقاسم السليمانى قائد فيلق القدس التابع للحرس الثورى الإيرانى.
المخاوف من الحشد الشعبى لا تنبع من فراغ، فرغم تكرار النفى العراقى لتبعية الحشد لإيران وهويته الشيعية، إلا أنه على الجانب الآخر لا تدع إيران أو قادة الحشد مناسبة إلا ويبرهنون على تلك الحقيقة.. فى أواخر مايو الماضى، اعترف قائد فيلق القدس الإيرانى قاسم سليمانى بأن طهران هى مؤسسة «الحشد الشعبي» ليثبت بما لايدع مجالًا للشك ولاءه لطهران، الأخطر أن سليمانى اجتمع بميليشيات الحشد أثناء معركة الفلوجة وقام بالإشراف عليها فى أرض المعركة.
ورغم أن الحركة تتلقى رواتبها من وزارة الداخلية ببغداد إلا أن أوامرها تنطلق من طهران. ويرى المحللون أن إيران دشنت لعملية طويلة من ترسيخ نفوذها فى المنطقة عبر أول خطوة وهى إنشاء قوات الحشد الشعبى فى العراق وقوات الدفاع الوطنية فى سوريا. وهى مؤلفة أساسًا من متطوعين شيعة ومقاتلين من شيعة أفغانستان وباكستان.
وقدمت دراسة لمعهد الأمن العالمى نشرت فى نوفمبر 2015 قراءة تحليلية عن تحول الحشد الشعبى من ميليشيات إلى قوات دولة، مشيرة إلى دور رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى المحورى فى تحويل الحشد الشعبى من ميليشيات شيعية غير رسمية إلى امتداد رسمى أو رديف للجيش العراقى.
وأضفى العبادى شرعية على ميليشيات الحشد خلال خطابه أمام فى الأمم المتحدة سبتمبر 2015، حينما أعلن أن قوات الحركة هى جزء من الدولة الرسمية. ومع ذلك، لا يخفى على أى مراقب أن ظاهرة الحشد الشعبى تتجاوز مقدرات سلطة رجال الدولة بالعراق بمن فيهم حيدر العبادى ذاته، فالحشد الشعبى لا يخضع للمساءلة المباشرة من قبل العبادى وعلى الأرض اتهمت ميليشيات الحشد بارتكاب جرائم بحق المدنيين السنة فى الرمادى والفلوجة. 
وأوضحت الدراسة أن الحشد بات يمتلك اجنحة سياسية تبسط نفوذها فى مفاصل الدولة ومؤسساتها. بل أن كثيرًا من المسئولين العراقيين الشيعة يلعبون دورًا هامًا فى ترسيخ الحشد فى أركان الدولة العراقية.
وأعلنها صراحة همام حمودى النائب الأول لرئيس مجلس النواب العراقى - وهو عضو فى المجلس الأعلى الإسلامى بالعراق الذى أنشأه عمار الحكيم -  بقوله فى حفل تخريج دفعة من مقاتلى الحشد «اهتمامنا الرئيسى فى البرلمان، فى الحكومة، وفى جميع الأماكن، أن يتم تدريب الحشد الشعبى وتسليحه ودفع رواتبهم».
وتعرض العبادى لانتقادات شديدة عندما جمع مليار دولار من ميزانية الدولة العراقية لتمويل الحشد الشعبى، كما ألقى مهمة تدريب مقاتلى الحشد على المؤسسات الأمنية فى العراق.
وفى حادثة تثير علامات الاستفهام تم تسريب رسالة عبر البريد الإلكترونى من قائد الحشد أبو مهدى المهندس إلى حيدر العبادى ينتقد فيها تأخير رواتب عناصر الحشد ونقص الأموال اللازمة للأسلحة والتدريب.
مصير سنة العراق ومخاوف التهام إيران للكعكة العراقية
ورغم الصورة الوردية المزعومة لدور الحشد كمنقذ للعراق من داعش خاصة أنه شارك فى نحو 70 % من العمليات العسكرية  منذ سيطرة داعش على مناطق بالعراق، إلا أن تقريرًا لمنظمة «هيومان رايتس ووتش» شهر يناير الماضى ألقى الضوء على ممارسات بعض عناصر «الحشد الشعبي» فى مناطق السنة، ترقى لمستوى جرائم الحرب.
وتوالت الأخبار عن جرائم طائفية ذات دوافع انتقامية فى المعارك التى شارك فيها الحشد فى الرمادى وتكريت والموصل وأخيرًا الفلوجة تمثلت فى مهاجمة منازل السنة ونهب ممتلكاتهم. كما اتهمت الميلشيات الشيعية، مثل فيلق بدر وعصائب أهل الحق بإحراق مساجد السنة وتهجيرهم وشن حملة إعدامات بحقهم.
ويشكو كثير من العرب السنة فى العراق من الدوافع الطائفية للحشد، ففى معركة الرمادى أوائل العام الجارى هتفت عناصر من فرقة عباس بشعارات شيعية مثل «لبيك ياحسين» مما استدعى المخاوف الطائفية لدى السنة، ويعتبرون الحشد نواة لاحتلال إيران للعراق.  
ودعا عدد من شيوخ عشائر الأنبار الحكومة العراقية لسحب جميع فصائل الحشد الشعبى من أراضى المحافظة واستبدالها بالوحدات العسكرية النظامية والحشد العشائرى بسبب تواصل مسلسل الانتهاكات بحق المدنيين الفارين من المدينة.
ووصف ثائر البياتى رئيس مجلس العشائر العربية ما يحصل فى محافظات الأنبار، وصلاح الدين، وديالى، ومحيط بغداد بالانتهاكات ممنهجة ضد أبناء العشائر العربية، مشيرا إلى أن أعدادا كبيرة تقدر بالآلاف تعرضوا إلى اضطهاد وقتل وتشريد على أيدى ميليشيات الحشد الشعبي.
ويحذر رئيس مجلس حكماء الأنبار، الشيخ رعد السليمان بعد انتهاء عمليات الفلوجة من تدمير ما تبقى من البنى التحتية  ومنازل المدنيين فى المدينة من قبل الحشد الشعبى بحجة وجود متفجرات.
وليظل السؤال: هل يحقق العبادى المعادلة المستحيلة للدولة الحقيقية وهى إدماج ميليشيا الحشد فى أجهزة الأمن العراقية الرسمية؟ وما مصير سنة العراق وما دور العرب والعالم فى حمايتهم؟