النيل المسقوف
عبد الله كمال
ليس كل ما يمكن أن يصلك من الحكومة يسعدك.. ولكن ملفًا جاءني من وزارة النقل تسبب في شعوري بالانبساط.. والمبرر بسيط.. وهو أنني كنت احزن جدًا حين اقارن حالة الطرق بين مصر وغيرها.. وتكون نتيجة المقارنة مخجلة.. وقالت خلاصة البيانات في الملف إن الواقع يتغير.
ليست المقارنة مع الخارج هي وحدها التي كانت تسبب تلك الحالة.. وإنما التعامل اليومي مع الطرق.. خصوصًا بين القري.. وحتي بين المراكز..طبعا ستقول وزارة النقل إن الطرق بين القري ليست مسئوليتها.. وإنما مسئولية المحافظات.. ولكن إذا كان يمكن التجاوز المؤقت عن هذه الاختصاصات المتقاطعة.. فإن حالة الطرق التي تقع في مسئولية الوزارة كانت أيضًا في حاجة إلي تعديلات جوهرية.. هي بالفعل تحدث الآن.
الوزير محمد لطفي منصور رجل هادئ.. ودمث.. وتفاعله قليل مع الإعلام.. والحق يقال إن الكثيرين لم يكونوا يتوقعون له أن يحقق نجاحًا ملموسًا في ضوء التناقض بين مواصفاته العملية كرجل عاش وخبر الحياة في القطاع الخاص وبين واقع البيروقراطية الحكومية.. فضلاً عن أنه بدأ حياته الحكومية بصدمة كبيرة من خلال حادث العبارة.. لكن التغيير في قطاع قد حدث.. ويعود الفضل إلي جهده.. وتلك مسألة يجب أن نذكرها.
البيانات التي أمامي مدعومة بالصور.. تثلج الصدر.. ليس فقط لأنها تقول إن استثمارات الطرق في الموازنة العامة ارتفعت من 251 مليون جنيه في عام 2002-2003 إلي 3500 مليون جنيه في الموازنة الحالية.. ولكن وهذا هو الأهم.. هو أن الخطط تمضي قدماً في مناطق خارج محيط المركز وما يتصل به.. أي في مناطق عديدة بالصعيد ووجه بحري.. قد لا يمر بها المسئولون ولا يتعامل معها المرفهون الذاهبون إلي مارينا.. ويجب لفت أنظارهم.
27 طريقاً انتهت عملية ازدواجها في الفترة من 2006 إلي 2009.. وأهمية ذلك هي أن الأرقام تعني أن الوزارة نفذت 77٪ من البرنامج الانتخابي للرئيس في هذا البند.. طريق القاهرة ـ أسيوط.. وطريق بني سويف ـ العياط وطريق قنا ـ قفط ـ الاقصر (إنشاء).. وطريق أسوان ـ برانيس بالعرض بين أسوان والبحر الأحمر.. ووصلة الغنايم ـ أسيوط وهي مطلب شعبي قديم.. والطريق الدائري حول الفيوم.. وازدواج طريق رأس غارب ـ الغردقة.. وعشرات غيرها من الأمثلة.
ما استوقفني عمليا هو عدد الكباري المنشأة أو التي يتم إنشاؤها علي النيل.. العدد يتزايد.. ويقرب المسافات.. ويجعل البعيد في مرمي البصر واقعًا وليس حلمًا.. ومن المدهش أنه قد تم إنشاء 7 كباري علي النهر العظيم خلال الربع قرن الماضي.. وتجري الآن عمليات إنشاء 12 كوبري جديداً.. تنتهي 2012.. وكل هذا يحسب للعصر الحالي.. الذي لم يسبقه أحد إليه.. حتي أن النيل يكاد أن يكون مسقوفًا!!
كوبري في الواسطي.. وفي ملوي.. وفي بني مزار.. وفي طما.. وجرجا.. وكلابشة.. وأبو تيج.. بخلاف كوبري في فوه.. ودهشور..وطلخا.. وكفر داوود.. وهي لمن لا يعرف في المنوفية.. وكل هذا يصب في مصلحة التيسير علي الناس.. وتحريك الاقتصاد.. وتوفير فرص عمل.. وتنشيط المقاولات.. وتنمية الاستثمارات.. وتقوية البنية التحتية.. يعني خير لكل القطاعات.
ولكن البيانات التي جاءتني لم تذكر شيئًا عن الصيانة.. وهي أم مشاكل الطرق في مصر.. أعرف بالطبع أن ذلك البند يقع في قلب اهتمام وزارة النقل برؤيته الجديدة.. ولكن كون أن المعلومات لم تقل هذا.. فإن ذلك يثير مخاوف كبيرة أن تكون أولوية ذلك تراجعت.. لأن الطرق في مصر تبدأ عظيمة وتنهار أحوالها خلال أشهر لأسباب كثيرة أهمها عدم وجود صيانة جيدة.
التحية واجبة لوزارة النقل وللوزير محمد لطفي منصور.. هذا وزير يعمل وإن كان هادئًا مقارنة بغيره.
الموقع الإليكتروني: www.abkamal.net
البريد الإليكتروني: [email protected]