السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
الأشقياء قادمون!
كتب

الأشقياء قادمون!




 


كرم جبر روزاليوسف الأسبوعية : 19 - 09 - 2009


إذا كانوا يعتدون على الشرطة ويقتلون الضباط، فماذا يفعلون بنا؟
الاجتراء على القانون صار مرضاً اجتماعياً مرعباً والجميع سوف يدفع الثمن
شتان بين إضعاف الدولة وبين الهجوم على الحكومة.. الدولة باقية والحكومات زائلة
هل ينبغى أن يدخل الخطر بيوتنا لنعرف أن المستهدف هو المواطنون؟!
أخذنا من الديمقراطية أسوأ ما فيها والشارع يحتاج إلى "تربيط"
زبيبة الصلاة أكبر من الزيتونة السوداء الكبيرة فى زمن التدين المظهرى
الخطاب الدينى لا يحض على مكارم الأخلاق ولا يحترم المجتمع وقوانينه
فى استطاعة أى موظف فاشل أن يصبح زعيماً إذا أطلق لحيته!
برامج "التوك شو" مثل مدرسة المشاغبين، والسينما قلبتها عشوائيات
الرصاص الذى قتل اللواء إبراهيم عبدالمعبود مدير مباحث السويس، وقبله حادث السيارة التى قام سائقها بدهس وكيل وزارة الإعلام مع سبق الإصرار والترصد، وعشرات الحوادث المشابهة، هى إنذار شديد اللهجة فحواه "الأشقياء قادمون".
إذا كانت لديهم الجرأة على قتل ضباط البوليس، فماذا يفعلون بنا، إذا قادنا حظنا العاثر إلى الاحتكاك بهم فى شارع أو أتوبيس أو إشارة مرور، أو إذا اقتحموا منازل الآمنين وسرقوها وقتلوا من فيها؟ أو إذا اختطفوا فتاة أمام الجميع وقاموا باغتصابها فى منطقة مهجورة؟
الاجتراء على القانون صار مرضاً اجتماعياً مرعباً، سواء فى الاعتداء على ضباط الشرطة أو القضاة، ولا ننسى أبدا المشهد المأساوى لأقارب عماد الجلدة وهم يرفعون الأحذية، ويقتحمون منصة القضاء المقدسة للاعتداء على القاضى الذى أصدر حكما بسجن الجلدة، ولم يعجبهم الحكم، ولكنهم أخذوا عقابهم الرادع.
الدولة ليست الحكومة
مسلسل الاجتراء بدأ منذ خمس سنوات، متزامنا مع الحراك السياسى الذى حدث 5002، وبدلا من أن نأخذ من الديمقراطية أحسن ما فيها، أخذنا منها أسوأ ما فيها، لم نأخذ منها احترام القانون الذى يصون حقوق جميع أفراد المجتمع، وأخذنا منها إسقاط هيبة القانون والاعتداء عليه.
العيب ليس عيب الدولة التى بادرت بالإصلاح السياسى، فقد كان ذلك ضروريا لاستيعاب المتغيرات السياسية الكبيرة التى تجتاح مصر والعالم، ولكنه عيب كثير من القوى والتيارات السياسية، وأيضا عيب الحكومة التى فرطت فى هيبة القانون وتراخت كثيرا.
لم يفرق المحتقنون بين الهجوم على الحكومة وبين إضعاف الدولة، وتصوروا أن الأمرين شىء واحد، مع أن الحكومة هى أداة الدولة فقط، ويمكن أن تجىء وتروح، أما الدولة فهى المظلة التى تضم الجميع تحت رايتها، وتوفر لهم الحماية القانونية والحقوق المتساوية، ولكن جرى خلط متعمد للأمور، وتصوير الدولة على أنها الحكومة والحكومة هى الدولة.
وصل الخلط ذروته فى الوقفة الثانية من التعديلات الدستورية التى أقرت حق المواطنة ومدنية الدولة والفصل بين الدين والسياسة، ورغم اعتراف الجميع بأهمية هذه التعديلات على أمن واستقرار الوطن، إلا أنها واجهت هجوما ضاريا، بهدف إضعاف الحكومة وتجريدها من أية إنجازات تضاف لرصيدها.
شهداء فى عامين فقط!
الملازم "محمد المتناوى" دفع حياته ثمنا لإنقاذ فتاة، فتاة تدعى "سمر" من أيدى المغتصبين، المقدم "محمد عاشور" سقط صريعا برصاصة فى الرأس أطلقها عليه أحد تجار المخدرات فى القناطر الخيرية.. الملازم أول "محمد القرش" استشهد على الحدود أثناء محاولته منع بعض الأشخاص من التسلل إلى إسرائيل.. الملازم أول "أحمد حسن نشأت" استشهد أثناء مطادرته لتشكيل عصابى يقوم بسرقة الكابلات التليفونية.
المجند "محمد حسنين" أصيب برصاصة قاتلة فى الصدر خلال تبادل لإطلاق النار مع مهربين فى رفح.. الملازم أول "محمد الشماشرجى" لقى مصرعه بطلق نارى فى الصدر أثناء مطاردة عناصر خطرة بمنطقة الجعافرة بالقليوبية.. الرائد "أحمد عبداللطيف سليمان" استشهد خلال مشاركته فى إحدى الحملات ضد تجار المخدرات بالقليوبية.. ووقعت هذه الحوادث المؤسفة فى عامين فقط.
و.. إذا كان الأشقياء لايهابون الشرطة، ويطلقون الرصاص على ضباطها ويقومون بقتلهم بسهولة ودون خوف.. فماذا يفعلون مع المواطنين الآمنين العزل.. وهل ينبغى أن يدخل الخطر بيوتنا، ويقترب الرصاص من رءوسنا لنعرف أن الشرطة ليست هى المستهدفة.. ولكن المواطنين العاديين؟
كل رجال الشرطة الذين لقوا مصرعهم، كانوا يدافعون عن الناس وينفذون القانون.. ولم يكن واحد منهم يتشاجر لخصومة شخصية أو لأشياء خاصة.. ولم يكن الرصاص الغادر الذى أودى بحياتهم يستهدف ذواتهم، ولكنه يستهدف هيبة الدولة وسيادة القانون، وضرب الذراع الطويلة التى تحمى الأمن والاستقرار.
خط الدفاع الأول عن الأمن
نعم.. قد تكون هناك تجاوزات لبعض ضباط الشرطة، ولكن هل يكون التعامل معها بتشويه الشرطة والمساس بهيبتها، أم بالعمل على تطبيق القانون ومحاسبة المخطئ وإلحاق أشد العقاب به.. ثم ماذا بعد الهجوم على الشرطة وإضعافها، وإصابة رجالها بحالة من الإحباط؟ من الذى يملأ الفراغ ويحمى أمن المواطنين ويدافع عن ممتلكاتهم وأرواحهم؟
لقد لعبت بعض الفضائيات والصحف دورا كبيرا فى ضرب جهاز الأمن المصرى.. تارة بالترويج لكليبات التعذيب الكاذبة، وتارة باختلاق حكايات مبالغ فيها حول سوء المعاملة فى أقسام الشرطة.. وأشكال وألوان أخرى، حتى وصلنا فى النهاية إلى مشهد المجرمين الذين ينصبون كمينا لقتل اللواء مدير مباحث السويس وليس العكس.
الشرطة وحدها لن تستطيع ضبط الخارجين على القانون، لن تستطيع وحدها أن تحمى أمن الناس من الوحوش الآدمية، لن تستطيع أن تخصص جنديا لكل مواطن، لأن الأمن فى النهاية يتحقق بالردع والعمل على تأكيد هيبة القانون وسلطة الدولة، وأن المجرم سوف ينال عقابه ولن يفلت أبدا بجريمته.. فالدول تحكم بهيبتها وليس بعساكرها، والمواطن هو خط الدفاع الأول عن الأمن والاستقرار، وإذا أحس أن البلد بلده فلن يتكاسل أبدا فى الدفاع عنه، والتمسك بحقوقه وعدم التفريط فيها.
القضاء يسترد احترامه
الحمدلله أن دوامة الاحتقان والانفلات لم تغرق القضاء أكثر مما حدث فى السنوات الخمس الأخيرة.. وأن السلطة القضائية بما تمتلك من قوة ونظام استطاعت أن تحافظ على هيبتها وأن تتصدى لبعض القضاة الذين خرجوا من صفوفها إلى الفضائيات والشوارع، ضاربين بقدسية القضاء ونظامه المتوارث عرض الحائط وعاد القضاة ساعين إلى منصات المحاكم، يعملون بهدوء ووقار، ويقيمون العدل بين الناس.
كان من الممكن أن تصل الأمور إلى أسوأ مما وصلت إليه، إذا استمرت محاولات شق صف القضاة، وتصنيفهم إلى "أحرار وحكوميين".. والاستقواء بالخارج عن طريق بعض مراكز حقوق الإنسان التى يعمل بها خريجو كليات الحقوق الفاشلون، الذين أرادوا أن يدسوا أنفسهم فى شئون القضاء، بإعداد تقارير ودراسات حول استقلال القضاء فى مصر، رغم أن عمر القضاء المصرى أطول بكثير من الدول التى تمنحهم المعونات.
وكانت الخطوة الثانية المهمة هى إبعاد القضاة عن التورط فى صراعات الدوائر الانتخابية والاعتداء عليهم فى اللجان فى القرى والنجوع، وتكثيف الإشراف القضائى فى اللجان العامة والفرعية، بما يحقق رقابة تحفظ كرامة القضاة وتحميهم من كل صور الاعتداء والإهانة التى أسفرت عنها الانتخابات الماضية.
عودة "مدارس المشاغبين"!
فى السبعينيات كانت هناك مسرحية واحدة اسمها "مدرسة المشاغبين" أفسدت علاقة الاحترام بين التلميذ والمدرس، وجعلت التلاميذ يتحولون إلى مشاغبين حقيقيين يهدرون كرامة المدرسين ويتعاملون معهم بعدم احترام.. والملاحظ أنه فى الألفية الثانية ظهرت عشرات من المسلسلات والأفلام والبرامج التى حولت مصر كلها إلى مدرسة كبيرة للمشاغبين.
برامج "التوك شو" حولت الناس إلى مشاغبين بدلا من أن يكونوا أصحاب حقوق، والأفلام السينمائية اتجهت إلى العشوائيات، وكأن مصر كلها حى عشوائى، والمسلسلات التليفزيونية والبرامج وغيرها، كلها تحولت لتقليد مدرسة المشاغبين التى أفسدت التعليم وأهدرت القيم والمبادئ.
السخرية لم تعد مقصورة على المدرسين، وامتدت لتشمل الضباط والقضاة والمحامين والصحفيين ورجال الأعمال والآباء والأمهات.. وكلها برامج تحض على الرذيلة وتسخر من القيم وتشجع على الانحطاط والتدهور السلوكى والأخلاقى.. ولا أريد أن أضرب أمثلة أو أستعرض أشياء بعينها، لأن ذلك يحتاج عشرات الموضوعات وليس موضوعا واحدا.
وكما تلقى تلاميذ المدارس الرسالة المنحطة فى مسرحية مدرسة المشاغبين، تتلقى فئات المجتمع الرسائل الإعلامية المتردية، التى تؤدى فى النهاية إلى تأليب الناس على بعضهم، وضرب الروح المصرية الأصيلة التى تتسم بالشهامة والمروءة.. ولكن الخطورة الكبيرة لهذه البرامج أنها تتسلل إلى الناس مثل خيوط العنكبوت، وتسرقهم بنعومة، وتمتص البقية الباقية من القيم والأخلاق.
كارثة اسمها التدين المظهرى
الإسلام بتعاليمه السمحة والنبيلة ليس اللحية والجلباب والشكليات التى يمكن أن تفسد أى أمة، الناس يذهبون إلى المساجد ليل نهار وفى وجوههم "زبيبة" الصلاة فى حجم الزيتونة السوداء الكبيرة، رغم أنهم يأكلون أموال اليتيم ويسرقون ويستبيحون الحرام ويظلمون بعضهم بعضا.. ومن هذه الثغرة ينفذ الذين يتحايلون على القانون.
الشكل غلب الجوهر، ودخل المجتمع فى حالة نفاق ومزايدة ظاهرها التدين وباطنها اللا تدين.. وأصيب الخطاب الدينى بنفس الأمراض، وأصبح جزءا من التدين الشكلى، الذى يشجع فى الناس أسوأ ما فيهم، ويحضهم على الكذب والخداع، وارتكاب المعاصى والذنوب، لأن الأمر لا يستلزم سوى ركعتين تمحوان السيئات جميعا!
تأملوا الخطاب الدينى الذى يبثه الدعاة الجدد للمرأة - على سبيل المثال - لايرى فى المرأة إلا غريزتها وأنوثتها وحيضها وطهارتها، ولا يهتم أبدا بعقلها وفكرها ودورها فى بناء المجتمع.. وكانت النتيجة أن تحولت معظم النساء إلى مستودع للأفكار المتخلفة والمظاهر الشكلية.
الخطاب الدينى لايعلم الناس مكارم الأخلاق ولا احترام المجتمع بقيمه وقوانينه، ولكنه يحض على الغيبيات والتواكل والتكاسل، وفى استطاعة أى موظف فاشل أن يتحول إلى زعيم فى عمله أو مصلحته الحكومية إذا أطلق لحيته ونصب نفسه إماما على الناس بغير إرادتهم واختيارهم.
نظرية الأوانى المستطرقة
المجتمع مثل مجموعة الأنابيب المفتوحة على بعضها فى نظرية "الأوانى المستطرقة" الشهيرة. وإذا شبهنا مؤسساته وهيئاته بتلك الأنابيب، فما يُسكب هنا يظهر أثره هناك.. الكل يتفاعل مع بعضه ليعطى النتيجة النهائية.
النتيجة هى أن المجتمع أصبح فى حالة عدم انضباط وسيولة ولخبطة، ويحتاج إعادة تنظيم و"تربيط".. والشارع يحتاج من يضبطه ليعود كما كان وتهب عليه رياح التنظيم واحترام القانون.
إذا لم يخف الناس من القانون فلن يحترموه وسيلجأون إلى ألف وسيلة ووسيلة لاختراقه وانتهاك قواعده.
اللعبة تبدأ أولا بالأشرار، ثم تمتد إلى فئات أخرى كثيرة، وتتسع رويدا رويدا، دائرة الانتهاك المجتمعى للقانون.
هذا الانتهاك هو الذى جرأ "تاجر مخدرات" على "لواء شرطة".. فنصب التاجر الكمين للضابط، وانقلبت الآية.. الشرطة سوف تضبط القاتل، ولكن من الذى يستطيع أن يضبط المجتمع ويضيق الخناق على الأشرار؟
E-Mail : [email protected]