الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

أبراج الغضب!




  مضت ثماني سنوات منذ وقعت أحداث‮ ‬11‮ ‬سبتمبر‮.. ‬التدمير الذي أحدثته في برجي مركز التجارة العالمي لم تزل آثاره باقية رغم تنظيف موقع الجريمة الإرهابية الأكبر في تاريخ العالم‮.. ‬والحروب التي نتجت عنها وفجرتها لم تزل مشتعلة في العراق وأفغانستان وما حولهما‮.. ‬أمس الأول سقط القتلي من الجنود الأمريكيين في البلدين‮.. ‬كما لو أن الوقائع تذكرنا بالكارثة وتوابعها‮.‬

إنها الذكري الأولي التي تصل بدون أن يكون الرئيس بوش في موقعه‮.. ‬الأولي بعد أن ألقي الرئيس أوباما خطابه الهادف إلي مد الجسور المنهارة مع العرب والمسلمين‮.. ‬لكنني لا أعتقد أن الوضع قد تغير كثيرًا‮.. ‬علي الرغم من كثرة الإفطارات التي اقيمت في رمضان الحالي كنوع من‮ (‬هدهدة‮) ‬مشاعر المسلمين في كل من أوروبا والولايات المتحدة‮.. ‬إفطارات علي طريقة نعرفها جميعًا‮.. ‬ترفع فيها أكواب قمر الدين‮.. ‬وتنتهي بينما النفوس معبأة بما فيها رغم ابتسامات التصوير‮.‬

أخطأ فريق منا‮.. ‬أخطأ بعض أبنائنا‮.. ‬ارتكبوا جرمًا ليس علينا أن نغفره‮.. ‬وليس علينا أن نعتذر عنه‮.. ‬نحن ندينه ونرفضه‮.. ‬ولكن رد الفعل كان أحمق ومؤذيا وضد منطق الإنسانية في التعايش‮.. ‬إن كثيرًا من الحروب رغم أنها ظالمة كان يمكن أن تسبب قدرًا من التواصل الحضاري‮.. ‬لكن الحروب التي اشعلت بلاد المسلمين بعد‮ ‬11سبتمبر كانت تتميز بغباء سوف يبقيها ويبقي آثارها سنوات إضافية‮.‬

لا التحقيقات فيما جري في‮ ‬11‮ ‬سبتمبر وصلت إلي الحقيقة‮.. ‬ولا الرواية الكاملة للأحداث أظهرت ما جري‮.. ‬ولا استوعب الغرب الملابسات التي أدت بذلك الفريق من المسلمين أن يرتكب تلك الفعلة الدنيئة‮.. ‬ولا فهم أن أقصر الطرق لمكافحة الإرهاب هي القضاء علي الظلم‮.. ‬فهو يمارسه كل يوم‮.. ‬ويعطي الفرصة في كل ساعة لميلاد مائة مؤيد لأسامة بن لادن واتباعه‮.‬ ‮ ‬إن الفلسطينيين كما هم‮.. ‬محاصرون‮.. ‬مشردون‮.. ‬مشتتون‮.. ‬ليس هذا فقط‮ ‬ولم يعودوا وحدهم‮.. ‬بل أضيف إليهم الأفغان والعراقيون والصوماليون وكثير من السودانيين وغيرهم في بقاع الأرض المسلمة‮.. ‬وهذه مأساة‮ ‬يسأل عنها الغرب قبل‮ ‬غيره‮.. ‬وتسأل عنها الولايات المتحدة قبل الجميع‮.. ‬فمن يقود النظام الدولي يتحمل المسئولية قبل‮ ‬غيره‮.. ‬هو الفاعل وفي يده القرار‮.. ‬ولم يتخذه بعد‮.. ‬قرار رفع الظلم‮.‬

وإذا كان الغرب لم يستوعب الدرس المؤلم بعد‮.. ‬فإننا بدورنا لم نستوعب نفس الدرس‮.. ‬لم نخلص أنفسنا من تخلف فريق منا‮.. ‬ولم نقض علي الظروف التي تجعل البعض يرانا رجعيين‮.. ‬الأمة الإسلامية لم تقدم إلي الحضارة ما يجعلها قادرة علي أن تقول ـ فقط تقول ـ إننا براء من الإرهاب‮.. ‬إذ لم يزل بعض منا يؤيده بسذاجة علنية‮.. ‬ويفرط في تبريره‮.. ‬حتي وإن كان لم تواته أي فكرة لأن يري بندقية في حياته وليس أن يحملها‮.‬

سوء الفهم التاريخي قائم‮.. ‬والفجوة بين الحضارات لم تزل مستمرة‮.. ‬وكل أساليب التواصل قشرية‮.. ‬وكل طرق التفاهم بلا قيمة أو تأثير‮.. ‬هم متوجسون ونحن متوترون‮.. ‬هم مرتابون ونحن مستريبون‮.. ‬هم ظالمون ونحن نظلم أنفسنا كذلك‮.. ‬هم سينتظروننا ونحن ننتظرهم‮.. ‬لا أحد تقدم حقًا خطوة نحو الآخر‮.. ‬ومن ثم فإن ما صنعه أسامة بن لادن قبل ثماني سنوات لم يزل قيد الحياة ولن يزول أثره في القريب العاجل أو حتي المتوسط‮.‬

تم تدمير علامات الحضارة في مركز التجارة العالمي بالإرهاب الغبي‮ .. ‬ومنذ بدأ التدمير لم يقم بناء‮.. ‬بنيت في موقعها أبراج الغضب‮.. ‬وبنيت في الصدور أبراج الانتقام والتباعد‮.. ‬وشيدت فيما بين الأمم حوائط فاصلة من الكراهية‮.. ‬وجدران عازلة من الخوف المتبادل‮.. ‬ولن يستقيم للبشرية مسار إلا إذا قضينا سويا ولأهداف إنسانية ومن أجل كل الناس علي كل تلك العلامات التي بنيناها بعد‮ ‬11‮ ‬سبتمبر‮.‬
الموقع الإليكتروني‮:‬ www.abkamal.net
البريد الإليكتروني‮:‬ [email protected]