أبراج الغضب!
روزاليوسف اليومية
مضت ثماني سنوات منذ وقعت أحداث 11 سبتمبر.. التدمير الذي أحدثته في برجي مركز التجارة العالمي لم تزل آثاره باقية رغم تنظيف موقع الجريمة الإرهابية الأكبر في تاريخ العالم.. والحروب التي نتجت عنها وفجرتها لم تزل مشتعلة في العراق وأفغانستان وما حولهما.. أمس الأول سقط القتلي من الجنود الأمريكيين في البلدين.. كما لو أن الوقائع تذكرنا بالكارثة وتوابعها.
إنها الذكري الأولي التي تصل بدون أن يكون الرئيس بوش في موقعه.. الأولي بعد أن ألقي الرئيس أوباما خطابه الهادف إلي مد الجسور المنهارة مع العرب والمسلمين.. لكنني لا أعتقد أن الوضع قد تغير كثيرًا.. علي الرغم من كثرة الإفطارات التي اقيمت في رمضان الحالي كنوع من (هدهدة) مشاعر المسلمين في كل من أوروبا والولايات المتحدة.. إفطارات علي طريقة نعرفها جميعًا.. ترفع فيها أكواب قمر الدين.. وتنتهي بينما النفوس معبأة بما فيها رغم ابتسامات التصوير.
أخطأ فريق منا.. أخطأ بعض أبنائنا.. ارتكبوا جرمًا ليس علينا أن نغفره.. وليس علينا أن نعتذر عنه.. نحن ندينه ونرفضه.. ولكن رد الفعل كان أحمق ومؤذيا وضد منطق الإنسانية في التعايش.. إن كثيرًا من الحروب رغم أنها ظالمة كان يمكن أن تسبب قدرًا من التواصل الحضاري.. لكن الحروب التي اشعلت بلاد المسلمين بعد 11سبتمبر كانت تتميز بغباء سوف يبقيها ويبقي آثارها سنوات إضافية.
لا التحقيقات فيما جري في 11 سبتمبر وصلت إلي الحقيقة.. ولا الرواية الكاملة للأحداث أظهرت ما جري.. ولا استوعب الغرب الملابسات التي أدت بذلك الفريق من المسلمين أن يرتكب تلك الفعلة الدنيئة.. ولا فهم أن أقصر الطرق لمكافحة الإرهاب هي القضاء علي الظلم.. فهو يمارسه كل يوم.. ويعطي الفرصة في كل ساعة لميلاد مائة مؤيد لأسامة بن لادن واتباعه. إن الفلسطينيين كما هم.. محاصرون.. مشردون.. مشتتون.. ليس هذا فقط ولم يعودوا وحدهم.. بل أضيف إليهم الأفغان والعراقيون والصوماليون وكثير من السودانيين وغيرهم في بقاع الأرض المسلمة.. وهذه مأساة يسأل عنها الغرب قبل غيره.. وتسأل عنها الولايات المتحدة قبل الجميع.. فمن يقود النظام الدولي يتحمل المسئولية قبل غيره.. هو الفاعل وفي يده القرار.. ولم يتخذه بعد.. قرار رفع الظلم.
وإذا كان الغرب لم يستوعب الدرس المؤلم بعد.. فإننا بدورنا لم نستوعب نفس الدرس.. لم نخلص أنفسنا من تخلف فريق منا.. ولم نقض علي الظروف التي تجعل البعض يرانا رجعيين.. الأمة الإسلامية لم تقدم إلي الحضارة ما يجعلها قادرة علي أن تقول ـ فقط تقول ـ إننا براء من الإرهاب.. إذ لم يزل بعض منا يؤيده بسذاجة علنية.. ويفرط في تبريره.. حتي وإن كان لم تواته أي فكرة لأن يري بندقية في حياته وليس أن يحملها.
سوء الفهم التاريخي قائم.. والفجوة بين الحضارات لم تزل مستمرة.. وكل أساليب التواصل قشرية.. وكل طرق التفاهم بلا قيمة أو تأثير.. هم متوجسون ونحن متوترون.. هم مرتابون ونحن مستريبون.. هم ظالمون ونحن نظلم أنفسنا كذلك.. هم سينتظروننا ونحن ننتظرهم.. لا أحد تقدم حقًا خطوة نحو الآخر.. ومن ثم فإن ما صنعه أسامة بن لادن قبل ثماني سنوات لم يزل قيد الحياة ولن يزول أثره في القريب العاجل أو حتي المتوسط.
تم تدمير علامات الحضارة في مركز التجارة العالمي بالإرهاب الغبي .. ومنذ بدأ التدمير لم يقم بناء.. بنيت في موقعها أبراج الغضب.. وبنيت في الصدور أبراج الانتقام والتباعد.. وشيدت فيما بين الأمم حوائط فاصلة من الكراهية.. وجدران عازلة من الخوف المتبادل.. ولن يستقيم للبشرية مسار إلا إذا قضينا سويا ولأهداف إنسانية ومن أجل كل الناس علي كل تلك العلامات التي بنيناها بعد 11 سبتمبر.
الموقع الإليكتروني: www.abkamal.net
البريد الإليكتروني: [email protected]