الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فقط يتكلمون!

فقط يتكلمون!
فقط يتكلمون!




وليد طوغان  يكتب:

السنة فى اللغة هى «عادات الأولين». وفى الاصطلاح هى «صحيح المنقول عن النبى (صلى الله عليه وسلم) تبيانا لمقصود الشارع». ممكن تقول إن السنة هى اعتماد ما شهر عن النبى (صلى الله عليه وسلم) قولا أو فعلا فى أمور الدين بعد التيقن من صحته، لكن بشرط عدم مخالفة الثابت عنه (صلى الله عليه وسلم) للنص الأصلى أو العقل والمنطق.
السنة وفق هذا التصور، ليست «صحيح البخاري»، ولا كتاب مسلم.. ولا هى مسند ابن حنبل، أو موطئ الإمام مالك، السنة هى ما قاله النبى (صلى الله عليه وسلم) اجتهادا فى عصر الإسلام الأول، بينما الموجود فى كتب الحديث مجرد محاولات بشر، لنقل ما قيل إن النبى (صلى الله عليه وسلم) قاله قبل إخراج هذه الكتب بنحو 170 عاما.
كتب السنة اجتهادات لجمع ما قاله (صلى الله عليه وسلم)، والقداسة لا تنسحب على الاجتهاد مهما كان رجاله.. ومهما كان الاجتهاد.
ثم إن السنة فى النهاية، ليست إلا محاولة نبوية لبيان مقاصد الله فى كتاب الله. ممكن نعتبرها ايضا أول محاولة بشرية لتبيان مقصود الله فى شرعه، ثم تيسير طرق تطبيقه لو عم المقصود منه على المسلمين فى عصور الرسالة الأولى.
فى تأويل النص، انه تعامل معه وفق ثقافة عصره، أملا فى بيان مقصود آيات الله فى كتابه الكريم. لذلك لن يكون خروجا عن الدين، لو اعتبرنا سنته (صلى الله عليه وسلم) البيان الأول لمقاصد القرآن الكريم، لكنها ليست «البيان الوحيد».
السنة النبوية بهذا المعنى «تراث»، لكن آيات الله فى القرآن الكريم ليست كذلك.
 التراث هو كلام الأولين، واجتهاداتهم وطرق تعاملهم مع «النص الثابت» الذى هو كتاب الله. كتاب الله نفسه أصل ثابت، لا يجوز اعتباره تراثا، لأن التراث من صنع بشر، لكن القرآن من عند الله.
لو كانت اجتهادات الرسول (صلى الله عليه وسلم) لها ما للأصل من كمال، لوازت حجيتها حجية الأصل، وهى النتيجة التى لا يرضاها أحد من المسلمين، لأن كتاب الله هو الوحيد الذى له من الكمال ما ليس لغيره.
ثم إن النبى (صلى الله عليه وسلم) لم يكن قد بين كل شيء خلال حياته. فبعد وفاته (صلى الله عليه وسلم)؛ جاءت جدة إلى أبى بكر (رض) تطلب ميراثا من حفيدها الذى مات ابنها قبله؛ فلم يعرف الخليفة ماذا يفعل، فلا وجد فى ما قاله النبى شيئاً، ولا وجد فى كتاب الله نصاً بتوريث الجدة.
فى تعاملهم مع أصول الدين، أرسى الصحابة قواعد «الاجتهاد» التى يجوز للمسلمين التعامل على أساسها وفقا للظروف، ومقتضيات المصلحة، ووفقا للعصر والزمان.
فهم الصحابة هذا.. ونفذوه، فأوقف عمر بن الخطاب مثلا حد السرقة فى المجاعة، رغم أن النص القرآنى واضح فى قطع يد السارق. وأوقف ايضا سهم «المؤلفة قلوبهم» رغم صريح الآية القرآنية بذلك. يعنى كان له القدرة من فهم الدين، على تعطيل حكم قرآنى واضح نافذ.
كان لدى المسلمين الأوائل مرونة فى التعامل حتى مع النص القرآنى، وروح الآيات الكريمة، والعمل بما تريده علل الآيات واسبابه، لا مع ظاهر الآيات وحرفية معانيها.
ما فعله النبي، وطبقه الصحابة كانت اجتهادات.. أو أحكاما مستحدثة قياسا على الأصل، والمستحدث كما يجب التيقن من وروده أولا قبل التعامل معه؛ فإنه يجوز العدول عنه.. لو اقتضت الضرورة.. وتغير الزمان.
لكن الذى حدث، على مر التاريخ الاسلامى كان عكس ذلك.. اذ مال البعض إلى الإسراف فى التحريم بلا سبب، بينما فضل آخرون الانحياز إلى الحلال دون مقتضى. المشايخ كلهم اوقفوا الدين على السنة، وانهوا الاحكام عند زمن الصحابة، ثم يتحدثون عن التجديد.
لو اراد مشايخ المسلمين تجديدا، لفكروا بطريقة مختلفة، ونظروا للنص ايضا بطريقة مختلفة.. لكن هم لا ينظرون، ولا يحزنون.. هم فقط يتكلمون.