الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

رمضان فى عيون المبدعين 9

رمضان فى عيون المبدعين 9
رمضان فى عيون المبدعين 9




كتب - إسلام أنور

 

يتميز شهر رمضان بطقوسه الخاصة على المستوى الدينى والاجتماعى والثقافي، وفى ظل الحضور الكبير لمفهوم الطقوس فى المجتمع المصرى على مدار تاريخه منذ المصريين القدماء وحتى الآن، روزاليوسف تحاور طوال أيام شهر رمضان مجموعة من المبدعين والمبدعات المصريين والعرب حول طقوسهم فى رمضان وكيف ينعكس رمضان على إبداعهم.
 
فى البداية تقول الشاعرة لبنى عبد الله «الأمهات المبدعات يبدأن يومهن كأى أم مصرية بالواجبات الصباحية والحنين للراحة ربما لا يملكن أوقاتاً من البراح ليمارسن إبداعهن بشكل منتظم حتى يصلن بالصغار لمرحلة معينة.. وأنا لا أفرق عنهن كثيرا إلا أن الليل دائما به متسع يكفى لسرقة هنيهات أقرأ فيها أو أدون فيها ما يكتب فى رأسى طوال النهار».
وتضيف: «رمضان لا يفرق عن بقية الأيام سوى فى المقابلات و العزائم العائلية ومع الأصدقاء وهو أمر أحرص عليه لولعى بالصحبة الحلوة حول مائدة رمضان المميزة والمناقشات المستمرة حول الإبداع والوطن ولعب الصغار حولنا فى سيمفونية صاخبة تهدأ مع الوقت واقتراب السحور».
وتكمل: «أحاول أن أقرأ فى الأيام الهادئة الرمضانية بعد الإفطار بساعات و بدأت بالفعل فى (المراقبة و المعاقبة) لميشيل فوكو و لكن بالتأكيد سيأخذ الأمر وقتا بعد رمضان بمدة حتى انتهى. استمتع كذلك بمتابعة كتابات الأصدقاء باستمرار على الفيس بوك لأنه يعد حافزا للاستمرار فى الكتابة كما أتمتع أيضا بالكتابة لبعض الأصدقاء فى شكل مراسلات أدبية تمكننى من الاسترسال بأريحية و تفاعل متبادل يتجاوز فكرة تعليقات الفيس بوك بالمدح أو النقد».
وعن ذكرياتها مع رمضان تقول الشاعرة هدى عبدالقادر «لحقت فى صغرى فانوس رمضان (أبو شمعة) وأذكره جيدا، وصادف فى أول ما بدأت أعى معنى رمضان، أنى شاهدت فيلم إسماعيل ياسين والفانوس السحري، وعنها ومشهد إسماعيل ياسين يعطى فانوسه الجديد لطفل يبكى ويأخذ فانوس الطفل القديم الصدئ، ورائها لقطته وهو يحاول تنظيف فانوس الطفل فيخرج له الجنى (عفركوش) المحبوس من أيام سليمان عليه السلام! لقطة سحرية أصبحت مصدرا للتمنى والأحلام خصوصا أنها مرتبطة بفعل الخير ثم رمضان شخصيا، والذى كنت أشاهده حولى بما فيه من صلاة وعبادة ومحاولة للحفاظ على المحبة والهدوء والاحترام بين الناس طول الوقت»
وتضيف هدى: «رمضان وأنا فى هذه  المرحلة، كان هو الوقت اللذى أنتظر فيه (عفركوش) يخرج من فانوسى وأنا مختبئة فى بلكونة مظلمة وأنا أتأمل فى السماء الواسعة جدا وفى الشارع الهادئ جدا فى شبرا ومعلق فيه فانوس جيراننا ينير ويطفئ برتم معين وراءه صورة كبيرة للسيدة مريم مُكللة بالورود وبعض لمبات صغيرة جدا تنير وتطفئ لأنه كان يصادف وقت رمضان أعياد أو صيام الأقباط جيراننا، وطبعا كانت جارتنا «أم ألبير» تهدينا أحلى كيكة شوكلاتة ذقتها فى حياتى حتى الآن، رمضان كان فزورة نيلى وانبهارى بالخدع السينمائية وسؤال والدتى رحمها الله على كل مرة تمشى فيها على حبل معلق فى السماء! أو تخرج (بنى آدمين) من (سبت) تحمله، أو حتى رسوم الكارتون اللى كانت تتجاوب معها وتكلمها وتضحك أمى علينا من (عبطى) أنا وإخوتى خصوصا أننا كنا متأكدين أن كل الأبطال ينامون فى التليفزيون من الخلف، وينتظرون أن يطلوا علينا كما ننتظرهم! أما الراديو فهذا موضوع آخر فى رمضان، كانت والدتى رحمها الله تستمع لتمثيلية أو اثنتين وتتابعهما أثناء الفطار أو بعده مباشرة، وظلت تلك عادتنا حتى وفاتها أو قبلها بقليل لأن الراديو كان قد فقد بريقه تماما».
وتكمل: «يبدو أنه ليس الراديو فقط هو من ضاع بريقه، حاجات كتير لم تعد تلمع، إحنا اللى بنكبر والا الحاجات دى هى اللى بقت عبيطة مش عارفة، بس الأكيد إن مهما فات الوقت هفضل كل رمضان ابتسم بخجل من انتظارى (عفركوش)، ومن لهفتى القديمة على حل فزورة نيللى وطبعاً على الحنين للنزول وشراء الكنافة أو القطايف واحتياجاتها من سودانى - مع أكل حبة منهم ما يخسرش!- الحمد لله أنى لحقت أعيش رمضان أيام ما كان كده وإنى كان عندى أحلام معتمدة على صديق جنى زى عفركوش ينفذهالى حتى لو ما جاش المهم إنى فضلت أحلم».
ومن جانبه يقول الكاتب طه سويدى «لشهر رمضان حضوره الخاص بشعائره الدينية، وأجوائه العائلية، وبالتأكيد يتطلب هذا الحضور الخاص تغييراً فى عادات وممارسات اليوم العادية ومنها الكتابة. بحكم عملى كطبيب مقيم بوزارة الصحة فعادةً أصنف أيام الأسبوع لأيام أداوم بها فى المستشفى وفيها أعتبر نفسى محظوظا لو أفتككت بعضاً من دقائق أكتب فيها صفحة أو اثنين كتمرين كتابى، وأيام أخرى خارج المستشفى تأخذ فيها القراءة مساحة جيدة، وأتابع فيها أيضا العمل فى النصوص التى أطورها حالياً، ويقترن كل ما أقوم به من قراءة وكتابة بالكافيين، ولذلك فإن كل ما سبق من تفاصيل يخضع لتعديلات فى شهر رمضان المعظم».
ويضيف: «أثناء فترة ما قبل الإفطار عادةً ما أدون بعض الأفكار، أو الخطط ، وقليلا ما أقرأ بعض صفحات، أخصص هذه الفترة فى أغلب الأحوال لقراءة بعضاًّ من القرآن، أو الراحة، وبالطبع قد يتغيّر كل ذلك فى أيام الدوام على حسب ضغط العمل الذى قد يستمر لما بعد الإفطار.  بعد الإفطار أباشر العمل سواء بإكمال واجبات الدوام، أو قراءة كتب متعلقة بالطب، أو إكمال إحدى الروايات، وكذلك مباشرة الكتابة إما فى مشروع حالى أو لتطوير فكرة أو للتدريب. ودائما ما تُقام فى رمضان  فاعليات ثقافية وتراثية أحرص على حضورها  من أجل أستزيد من التراث والأفكار. يمنحك رمضان كذلك فرصاً للتصالح مع الآخرين، أو الذات من خلال أجواء تجمعات الإفطار سواء عائلية كانت أو مع الأصدقاء أو زملاء العمل وهى بالتأكيد فرص مهمة لتصفية الذهن والمشاعر».
ويكمل «أتفاءل كثيرًا بالكتابة فى رمضان، لأن معظم قصص مجموعتى القصصية «اختيارات» كتبت فى رمضان الماضى، وأٌنجزت مسوداتها الكاملة فى الشهر الفضيل كذلك، قد يبدو من الصعب للبعض متابعة الكتابة فى رمضان، ولكنى بشكل شخصى أخالفهم الرأى، حيث إن أجواء رمضان الخاصة تضفى نوعا من تنظيم فترات وسير أحداث  اليوم، وهو ما يُحفز الكتابة والإنتاج بشكل عام..ويشير الكاتب محمد بطيخ إلى أنه عندما نتكلم عن رمضان فنحن نتكلم عن «طقس»؛ طقس له ظروف أنثروبولوجية وتاريخ عميق فى الأمم السابقة وفى أمتنا التليدة. ماذا يمثل لنا هذا الطقس الآن؟ أو ماذا يمثل لى أنا الآن؟ الألم بكل تأكيد. أو المزيد من الألم. الصداع، المزيد من الصداع أيضًا، الجوع، العطش، الخمول، الخمول من حولى والخمول بداخلى.
ويضيف: «ومسألة الألم والأدب مسألة جدلية جدًا، وبوتقة متقدة جدًا، وأنا مريض، ومرضى مشتد فى رمضان. ولذا، أعطانى رمضان الفرصة بأن أبكى كثيرًا. بكيت أمس فى شارع الجمهورية، بسوهاج، وهى بلد مخرجة لأكبر عدد من مبدعى مصر لأن الجميع يذوق فيها الألم منذ الصباح. اكتشفت شيئًا من الأشياء القليلة التى يُمكن أن يُعجب بها الشخص عن ذاته، أن صوتى فى البكاء جميلًا، بل جميلًا جدًا. كنت فى الشارع ووقعت من شدة البكاء، على الرغم أن وزنى يفوق التسعين، وطولى يناطح الـ 180 سنتيمترًا. لكنى وقعت أمس من شدة البكاء، أو من حلاوته، وتضاعفت حلاوته بسبب علوّه. كان صوتى محلقًا من بيت الرحمة إلى بيت المحافظ وحده فى سماء السحور. حاول شخص واحد (واحد فقط يا بلدى الكريمة) أن يساعدنى بأى شكل، شكرته وأكملت طريقى إلى بنك الإسكندرية أبكى بعلوّ وجمال صوت وقوة، وأدرأ وجهى كى لا يتدخل أحدهم فيما لن يفهمه حتى لو تكلمت. لذا، فأقول أن رمضان مناسبٌ جدًا للألم، وبالتالى مناسبٌ لتقمص الشخصية المعذّبة فى الأرض».
ويكمل: «وقد قررت ألا أكون سعيدًا إلا عندما أكوّن المليون الأولى. بصراحة لم أقرر ذلك، بل تقرر ذلك عليّ. يعنى لو كان عندك أى مرض عقلى رمضان سيزيد منه، وهذا مؤشر إيجابى للإبداع؛ النقص الحاد فى السكريات والخمول الصعب من الداخل وفى المحيط يلعبان دورًا تدميريًا لهرمونات المخ. (ذلك الصندوق العجيب المتسخ المخوزق فى الرأس). ولو كانت لديك أزمة فى العمل، ستتعمق، سيكون عملك أقل من 20% فى الأيام الأخرى. وكل تلك العوامل تأتى فى صالح الكتابة، وفى صالح الأدب، ومنذ أن أصبت بالمرض وأنا لا أقرأ إلا أنا. دوستويفسكى يكتب عنى أقرأه، لا يكتب إذًا فلا. كاتب عربى يكتب عنى اقرأ له، لا يكتب فمع السلامة. وبالتالي، عندما أقرأنى تنفتح شهيتى نحو كتابتى. أن أكتب هو أن أشكو. ولأنى قد أحرقت كل أصدقائى وهجرت كل جمهورى منذ أربع سنين لألخصهم فى شخص واحد، أعبده، ولأن هذا الشخص قد بدأ فى التألم بسببي، اشتريت مسدسًا تركيًا أنيقًا، مع أنى لا أحب القوقاز فى المطلق، وبدأت أبحث عمّن أحكى له بدون أن أشعر بأنى مريض على سرير فى بيت فقير جدًا، وهزيل جدًا، لم أجد، الكتابة لم تتذمر منى فى رمضان (مع أنها قد تذمرت قبله)، ولكنها صادقة. إن كتبت حرفًا عني، كان حرفًا كامل العمق... ولذا، فقد قررت أن أصادق الكتابة عنى فى رمضان، ثم تطور الأمر وعرضت قصة «مقتل عاطل» لصديق؛ فزع منها. أدركت أن الكتابة كانت صديقًا صادقًا بالفعل، ولم يملّ بعد.إضافة: رمضان أقنعنى أيضًا، ألا أنتظر أن تسأم منى الكتابة. شكرًا رمضان».