السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أثار زوبعة فى تسعينيات القرن الماضى بكتاباته فى الفكر الإسلامى والدينى

أثار زوبعة فى تسعينيات القرن الماضى بكتاباته فى الفكر الإسلامى والدينى
أثار زوبعة فى تسعينيات القرن الماضى بكتاباته فى الفكر الإسلامى والدينى




إعداد - رانيا هلال


كلما مرت علينا ذكرى وفاة المفكر الدكتور نصر حامد أبو زيد (10 يوليو 1943 - 5 يوليو 2010) تعود إلى الأذهان قصة تكفيره التى اهتزت لها المشاهد الثقافية فى الوطن العربى واليوم يعاود تاريخ وفاته مداعبة ذكرياتنا حول وقائع حياته غير العادية وأبوزيد مولود فى قحافة، وهى إحدى قرى طنطا فى العاشر من تموز (يوليو) 1943، وأنهى دراسته فى قسم اللاسلكى عام 1960، وعمل بضعة سنوات حتى استطاع أن يوفر لنفسه فرصة الدراسة الجامعية.
وحصل على الليسانس من قسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب جامعة القاهرة 1972 بتقدير ممتاز، ثم ماجستير فى الدراسات الإسلامية عام 1976 بتقدير ممتاز، كما حصل على دكتوراه فى الدراسات الإسلامية كذلك عام 1979 من الكلية ذاتها.
وأثار أبوزيد زوبعة فى تسعينيات القرن الماضى بكتاباته فى الفكر الإسلامى والدينى ومعارضته سلطة النص المطلقة، أدت إلى صدور قرار من محكمة الأحوال الشخصية بتطليقه من زوجته الدكتورة ابتهال يونس، أستاذة الأدب الفرنسى فى جامعة القاهرة، بعد أن اعتبر مرتدا عن الإسلام، فاضطر للجوء معها إلى هولندا إثر هذا الحكم.
وأصدر أبوزيد العديد من الكتب من أهمها «الاتجاه العقلى فى التفسير دراسة فى قضية المجاز فى القرآن عند المعتزلة» و«فلسفة التأويل دراسة فى تأويل القرآن عند محيى الدين بن عربي» و«أنظمة العلامات فى اللغة والأدب والثقافة مدخل إلى السميو طيقا» و«مفهوم النص دراسة فى علوم القرآن».
وعندما قدم أبو زيد أبحاثه بعنوان «نقد الخطاب الديني» للحصول على درجة الأستاذية تكونت لجنة من أساتذة جامعة القاهرة أبرزهم رئيسها د. عبدالصبور شاهين، الذى اتهم فى تقريره أبوزيد بالكفر، وحدثت القضية المعروفة التى انتهت بمغادرته مصر إلى المنفى، منذ 1995 بعد حصوله على درجة أستاذ بأسابيع.
وانشغلت الأوساط العلمية والفكرية فى مصر والعالم العربى بالقضية، خصوصا أن د. عبدالصبور شاهين أرفق اتهامه بالردة لأبى زيد تقريرا تضمن «العداوة الشديدة لنصوص القرآن والسنة والدعوة لرفضهما. والهجوم على الصحابة، وإنكار المصدر الإلهى للقرآن الكريم، والدفاع عن الماركسية والعلمانية وعن سلمان رشدى وروايته (آيات شيطانية)».
وعلى إثر هذا التقرير نشأت معركة فكرية واسعة بين أنصار أبوزيد وبين المؤيدين لتقرير شاهين، وطالبته لجنة مكونة من 20 عالما من الأزهر بإعلان التوبة عن بعض الأفكار التى وردت فى كتابه «مفهوم النص» ورأوا أنها مخالفة لأحكام الدين الإسلامي.
إلا أن الدكتور عبدالصبور شاهين نفى نفيا قاطعا فى عام 2010 فى حوار أجرته معه جريدة «الدستور» المصرية أن يكون قد كفر أبوزيد وقال: «لا يمكن أن أورط نفسى فى هذا الاتهام البشع، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما)، وكلنا سنحاسب بين يدى الله تبارك وتعالى، وما كتبته فى التقرير الذى أقرته اللجنة العلمية وأقره مجلس الجامعة كان تقييما علميا موضوعيا لأعمال الباحث، فنحن نفحص بحثا لا باحثا، ولم أتعرض فى تقريرى لعقيدة الباحث أو دينه، فهذا أمره إلى الله سبحانه وتعالى ولا شأن لى به».
وأضاف «الموضوع ببساطة أن نصر أبوزيد تقدم آنذاك بإنتاجه العلمى للترقية إلى درجة أستاذ، والطبيعى أن يقوم أعضاء اللجنة العلمية بفحص إنتاج الباحث وتقييمه، ويقرأ الأساتذة الفاحصون الإنتاج ثم يحكمون عليه كما يحكم القضاة بكل نزاهة وضمير القاضي، دون اعتبار لأى شيء إلا تحقيق العدالة وأن يصل الحق إلى مستحقيه، وقد قدمت تقريرى عندما اجتمعت اللجنة، ثم أرسل هذا التقرير إلى الكلية ثم إلى مجلس الجامعة الذى اعتمد التقرير الجماعي، وكان ملخص التقرير أن الأعمال التى تقدم بها الدكتور نصر حامد أبوزيد تحتاج إلى إعادة نظر، والإنتاج المقدم لا يرقى إلى درجة أستاذ بقسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة القاهرة، إلى هنا والمسألة فى غاية البساطة.. فسقوط طالب ترقية شيء طبيعى يحدث فى كل زمان ومكان، وإذا جانبه التوفيق فى جولة فقد يحالفه فى جولة أخرى حين يجتهد ويتلافى أخطاءه التى أخطأها فى المرة الأولى».
واستطرد «إلى هنا انتهى دورى ودور اللجنة العلمية ودور الجامعة، والتقط طرف الخيط رحمة الله عليه المستشار صميدة عبدالصمد، وقرأ أبحاث أبوزيد واقتنع بأخطائه التى سجلها التقرير العلمي، وتوجه إلى القضاء ورفع دعوى حسبة، طالبا إدانته بتهمة الردة، فصدر حكم المحكمة باعتباره مرتدا وأن عليه أن يطلق امرأته، وكان الهدف الأساسى من وراء التقدم بدعوى الحسبة تلك إبعاد أبوزيد عن الجامعة ومنعه من التدريس فيها، وأيدت محكمتا الاستئناف والنقض الحكم نفسه على أبوزيد بتطليق زوجته منه على اعتبار أنه مرتد، ولم يكن لى أى دخل فى رفع دعوى الحسبة ولم أحضر أيا من جلساتها ولم أعلم بقرار المحكمة الأول إلا بعد صدوره».
لكن نصر أبوزيد عاد مجددا إلى الأضواء فى مصر وبصورة علنية من خلال إلقائه أربع محاضرات فى مكتبة الإسكندرية ديسمبر 2008 إحداها عن التأويل اللاهوتى للقرآن الكريم كما قدمه المعتزلة، وفيها قال «أريد أن أتوجه بالشكر إلى مكتبة الإسكندرية هذا لقاء مرتقب من ناحيتى ومن جهتي، أن أتحدث بالعربية مرة أخرى بعد أن طال بى الحديث باللغة الإنجليزية فى بلاد الغرب، فكلما دُعيت إلى أى بلد عربى أرحب بالدعوة وألبى الدعوة وأغير كثيرا من برامجي، وأعتذر عن كثير من ارتباطاتى السابقة لكى ألبى الدعوة. فما بالكم إن كانت الدعوة من مصر، فهنا تأتى جهيزة فتُسقط كل خطيب إذا دعت مصر».
وقال الأديب يوسف القعيد إن الفكر العربى والإسلامى، فقد واحدا من أهم أصحاب الأسئلة الكبرى والاسئلة الشائكة فى القضايا الإسلامية». وأشار إلى أن «الدكتور أبوزيد تعرض لأزمة ومحنة صعبة لا مبرر لها على الإطلاق حيث أدت إلى غربته وانتقاله من منفاه داخل بلده إلى منفاه خارجها ليعيش بعيدا عن وطنه وأهله وناسه».
وتابع «كنت أتمنى أن يعود إلى مصر ويستقر فيها وأن يرفع من فوق رقبته سيف حكم تفريقه عن زوجته الذى كان يمثل ضغطا رهيبا جدا عليه، قائلا: «كنت أتمنى أن يحتكم الجميع إلى العقل الرشيد ولكن للأسف هذا لم يحدث».