الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
فرقعة الخروج إلي المعاش!
كتب

فرقعة الخروج إلي المعاش!




 


كرم جبر روزاليوسف اليومية : 22 - 09 - 2009


هذه هي الأسباب الحقيقية لاستقالة "الخضيري"


1


سواء كان رأيي خطأ يقبل الصواب أو صواباً يقبل الخطأ، فاستقالة المستشار محمود الخضيري من القضاء ليست بهدف الدفاع عن استقلال القضاء، ولا لأن وزارة العدل تهيمن علي القضاة.


ليس سبب استقالته أنه يريد أن يتخلص من القيود الوظيفية التي جلبت عليه اليأس والإحباط، أو لأنه قد ضاق بالضغوط التي يتعرض لها.
استقالة الخضيري -في رأيي- لأسباب شخصية وخاصة به تمامًا، ولا علاقة لها أبدًا بالتصريحات الكثيرة التي يدلي بها، ليضفي علي نفسه مسوح البطولة.
2
أولاً: هو يستقيل لأنه لم يتبق له علي المعاش سوي أشهر قليلة، وبدلاً من الخروج في صمت، فضل أن يكون ذلك بفرقعة صاخبة، يستفيد منها كثيرًا في المعاش.
ثانيا: لأنه - ككل قاضٍ يحال للمعاش - سوف يفتتح مكتباً للمحاماة، والاستقالة خير دعاية للمكتب الجديد، وبدلاً من أن تكون أتعاب القضية بالآلاف، ستصبح بالملايين.
ثالثًا: لأنه لن يصل إلي أي منصب قضائي كبير وتجمد وظيفيا، ولم يعد الزمن يسمح بأكثر من ذلك، وما عجز عن تحقيقه وظيفيا في القضاء، قد ينجح في تحقيقه إعلاميا بالاستقالة والمحاماة.
3
رابعًا: يعلم الخضيري أن الوقت ملائم جدًا لتفجير الاستقالة وإحداث فرقعة إعلامية، لأن الهدوء بدأ يعود للقضاء والقضاة بعد حقبة الوقفات الاحتجاجية، هو يريد استثمار الصمت.
خامسًا: شعورهم بالانكسار بعد الهزائم المتتالية التي لحقت بقضاة الفضائيات، سواء في نادي قضاة الإسكندرية الذي كان يترأسه أو في نادي القاهرة بعد رحيل المستشار زكريا عبدالعزيز، وغيرها من الانتكاسات.
سادسًا: انحسار تيار الاستقلال -كما يطلقون عليه - بين القضاة، بعد أن أدرك جموع القضاة أن هذا التيار ألحق بهم أضرارًا كبيرة، وأساء كثيرًا إلي هيبتهم.
4
سابعًا: الإحساس بالعزلة وسط زملائه القضاة، بعد أن اكتشفوا أن استقلال القضاة ليس مجرد شعارات يرفعها بعض القضاة لتحقيق أهداف شخصية تخدم مصالحهم.
ثامنًا: الاستفادة من الاستقالة سياسيا، بالانتشار الإعلامي المكثف، سواء بالظهور في الفضائيات أو كتابة المقالات وتدشين مرحلة جديدة في حياته الوظيفية الجديدة.
تاسعًا: تشجيع قضاة آخرين، خصوصًا الذين علي وشك الإحالة إلي المعاش علي الاستقالة، للإيحاء للقضاة وللرأي العام بأن هناك موجة استقالات جماعية، احتجاجًا علي أحوال السلطة القضائية.
5
الخضيري اختار الوقت المناسب بالنسبة له للإعلان عن تقديم استقالته، وهو توقيت محسوب بدقة، لأنه يعلم جيدًا أن الاستقالة تستغرق وقتًا طويلاً إلي أن تتم الموافقة عليها.
كان عليه أن يخرج في هدوء ودون فرقعة، احترامًا للمهنة المقدسة التي تبوأ منصباً فيها، وحتي لا يكون مثل الشخص الذي يرمي بيته بالطوب والحجارة بعد أن يرحل عنه.
هذه المهنة هي التي منحته الحصانة والمكانة، وجعلت له موقعًا مرموقًا، وبصفته قاضيا أدلي بآرائه المثيرة، ولو لم يكن ذلك لما استمع إليه أحد.
6
لا أصدق ما تنشره بعض الصحف الخاصة عن الاستقالات الجماعية القادمة، ولو حدث ذلك سيكون لحالات شبه فردية تمامًا بالخضيري ويريدون الاستفادة من فرقعة الخروج إلي المعاش.
الخضيري وتيار الاستقلال دخلوا شرنقة اليأس بعد انصراف جموع القضاة عنه، وبالتالي فقد حكم هذا التيار علي نفسه بالعزلة والانحسار والزوال.
استقلال القضاء يعني ابتعاده عن المسائل الحزبية والانفصال عن التيارات السياسية والدينية، وألا ينتمي القاضي لأي حزب أو جماعة.. أما تيار الاستقلال فيفعل العكس.
7
تيار الاستقلال هو الذي أضر بهيبة القضاء، ونزل بالقضاء من منصات العدالة إلي الشوارع والصحف والفضائيات، وكأنهم جماعة احتجاج، رغم أنهم الركن الأهم في سلطات الدولة.
مستشارو الفضائيات هم الذين فتحوا الأبواب علي مصاريعها للهجوم علي القضاة وانتقادهم، وجعلوهم في متناول وسائل الإعلام بصورة تضرب سلطة القضاء في مقتل.
استقالة الخضيري لا تنفع ولا يستفيد منها سوي الخضيري، أما إذا أراد أن يظهرها في ثوب انتفاضة، فسوف يحكم علي نفسه بمزيد من العُزلة والانسحاب.


E-Mail : [email protected]