الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

ملابس مسرطنة تباع على الأرصفة والرقابة فى خبر كان

ملابس مسرطنة تباع على الأرصفة والرقابة فى خبر كان
ملابس مسرطنة تباع على الأرصفة والرقابة فى خبر كان




تحقيق - سمر حسن

هل انتابك ذلك الشعور من قبل بعد ارتداء ثوبك الجديد؟ الحكة.. التورم.. عدم القدرة على التنفس.. الطفح الجلدى.. وربما الجرب.. ملابس بألوان زاهية وأسعار منخفضة، بينما تكلفة ملمسها لجسدك باهظة الثمن، ملابس مجهولة المصدر مستوردة مع أمراض جلدية وطفيلية خطيرة فضلا عن ما تسببه من حالات حساسية للقصبات الهوائية.. مصنعة تحت بير السلم، أو مهربة، تلك هى الملابس التى تملأ الأسواق الشعبية بأسعار زهيدة.


فى حلقة جديدة من حلقات مسلسل الإهمال وانعدام دور الرقابة على الأسواق تجد ملابس رديئة الشكل والملبس مجهولة المصدر «مكومة» على الرصيف فوق بعضها البعض يأتى لشرائها الفقراء، ومحدودو الدخل .. ولا تنفع التحذيرات الصحية كثيراً فى كبح انتشار أسواق الملابس المستعملة مع الارتفاع الجنونى فى الأسعار المصاحب لكل موسم «شتوى/صيفى - دراسة/عيد» جديد، حيث تصل حجم تجارة الملابس المستعملة فى مصر إلى ٢٠ مليار جنيه سنويًا، فيما تحتل البضائع المهربة والرديئة من أوروبا نسبة تصل إلى 60% من حجم السوق المصرية وفقاً لبعض الإحصائيات.
تدنى المستوى المعيشى لقطاع عريض من المواطنين وراء التجارة التى ازدهرت فى أعقاب الانفتاح الاقتصادى فى السبعينيات من القرن الماضى، وتجد هذه الملابس تباع «على عينك ياتاجر» دون أن تتحرك الأجهزة الرقابية، ونجد فيها السرطان يغازل محدودى الدخل، فلم يترك بابا إلا ودخل منه إليهم بداية من الطعام والشراب، وحتى الملابس، «روزاليوسف» قامت بجولة داخل الأسواق لرصد مدى خطورة هذه الملابس ذات الشكل والخامة الرديئة، والرائحة الكريهة.
وداخل الأسواق تجد الباعة يفترشون أرصفة الأسواق الشعبية، والملابس عبارة عن «أكوام» لكل «كومة» سعر موحد، وشوارعها مزدحمة جدا، ومكتظة بالزبائن، وعندما تقترب من تلك الملابس ستلاحظ أنها مستعملة، وكلما كانت بالية انخفض ثمنها، والجيد منها تأخذها بعض المحلات الكبرى بهدف خداع الزبائن وبيعها على أنها «ماركات»، ولكن سرعان ما ستتعرف عليها من رائحتها الكريهة.. الباعة لا يرون أى مشكلة فى عملهم بل هو عمل وطنى لتقليل نسبة البطالة، وتشجيع المشروعات الصغيرة، وتخفيف الأعباء عن كاهل المواطن البسيط.
فى البداية واجهنا مشكلة فى الحديث مع الباعة، فبضائعهم إما مجهولة المصدر، أو مهربة من الخارج وبذلك فهى لم تخضع ﻷى تفتيش رقابي، ويخشون التحدث، أو التصوير خوفا من هجوم قوات الأمن عليهم، بل وصل الأمر للاعتداء اللفظى علينا، مما اضطرنا لترك المكان فى أكثر من منطقة والذهاب لأخرى بحجة أننا زبائن ونريد معرفة الأسعار ونوعية الصناعة.
تحدثنا مع السيد أبو شهد - أحد الباعة فى منطقة حدائق المعادى - يفترش الأرض، أمامه 5 أكوام من الملابس البالية، وعندما سألناه عن الأسعار أوضح لنا أنها بداية من 20 جنيها، وحتى 90 جنيها، فقمنا بلمس الهدوم لاختيار الخامة الأفضل، فوجدناها رديئة جدا، فأكد أنها كلها ماركات، ومستوردة بالكامل ولكنها تباع فى هذا المكان وبهذه الأسعار لأنها لا تدفع ضرائب، ولأنها جاءت مهربة من بورسعيد من الجمارك.
«يعنى الغلبان يمشى عريان؟» هذا ما بدأ به حديثه مصطفى زينهم ردا على سؤالنا عن سبب انخفاض الأسعار هكذا فى هذه الأسواق، موضحا أن بضاعته كلها صناعة مصرية بخامات جيدة ولكن لا تستطيع هذه المصانع لصق أو طباعة اسمها على الملابس خوفا من أجهزة حماية المستهلك، وأنهم يعملون ليل نهار لسد حاجة زبائن الأسواق الشعبية، وحتى يشعروا أنهم كالأغنياء، وأشار إلى أنه فى حالة القضاء على تلك الأسواق لن يستطيع أكثر من نصف الشعب ارتداء ملابس جديدة.
وأوضح دسوقى السيد - بائع - أن الملابس التى تباع على الأرصفة هى نفسها التى تباع فى كبرى المحلات، وواصل: أن الملابس تأتى مستوردة فى كونتنرات كبرى ويتم تقسيمها على مجموعات، وكل مجموعة تقوم بتقسيمها على أفرادها بالتساوي، ولكن الفرق أن المحلات الكبرى لها طريقتها فى تسوية الضرائب ولديها رأس مال من الأساس لاستئجار أو شراء محال فى أماكن راقية، وفى النهاية كل منطقة ولها زبائنها ولها ربحها الخاص بها، ولكن الفرق هنا أن نشعر بمعاناة الفقراء ولا نغالى عليهم الأسعار.  
أما الزبائن فيأتون للشراء من تلك المناطق نظرا لانخفاض سعرها الذى يتناسب مع رواتبهم المتدنية، مؤكدين أن الله خير حافظ لهم من أى أمراض .. وقالت أمال عوض - 41عامًا ربة منزل - نأتى لشراء الملابس كل موسم من منطقة حدائق المعادي، فكل شىء متوفر بها ولا أحتاج لأى شيء آخر من خارجها، واستطردت الأسعار هنا فى متناول يدى، وأستطيع شراء ملابس أولادى بسعر معقول بعيدا عن الأماكن «الهاى» ذات الأسعار الفلكية.
أما أحمد شلبى - 38 عامًا نقاش - وأكد أنه لا يستطيع حتى المرور من أمام محلات الملابس الشهيرة، فقطعة واحدة تكلفه الكثير، ويرى أن الله قلل رزقهم من ناحية ولكنه سيحميهم من الأمراض المصاحبة لتلك الملابس من ناحية أخرى.
وأوضحت ليلى منصور - 42 عامًا ممرضة - أنها تعلم مدى خطورة هذه النوعية من الملابس، وتعرضت ابنتها للمرض، حيث انتشرت بقع على جلدها ولولا أنها ممرضة فى مستشفى عام لكانت أمام أمرين إما فقد ابنتها أو التسول لعلاجها، وواصلت: الآن لم أعد أشترى الملابس الداخلية من هنا ولكن ملابس الخروج فقط.
والتقطت أطراف الحوار صفاء محمود - 39 عامًا ربة منزل - والتى أكدت أنها جاءت لشراء أدوات منزلية، فلم تعد تشترى ملابس مجهولة المصدر نظرا للأمراض التى لحقت بها وبأبنائها.
من جانبه أوضح الدكتور محمود بيومى – أستاذ الأمراض الجلدية بجامعة المنصورة - أن الملابس المجهولة المصدر تسبب عددًا كبيرًا من الأمراض الجلدية بداية من الحكة والالتهاب والإحمرار فى الجلد حتى تسبب الأمراض السرطانية، وشدد على ضرورة الابتعاد عن الملابس ذات الرسومات المطبوعة فهى أخطر أنواع السموم الموجودة فى الملابس فهى تحتوى على مواد تسمم الجلد، وأشار إلى ضرورة اختبارها قبل الشراء عن طريق لمسها بيد مبللة فإذا طبعت الرسومات على اليد وجب الابتعاد عنها وتنظيف اليد على الفور بالماء والصابون.
وقال اللواء عاطف يعقوب - رئيس جهاز حماية المستهلك – إن الجهاز يحذر من شراء أى شىء مجهول المصدر، أو من الباعة الجائلين، وشدد على ضرورة الشراء من أماكن مرخصة والحصول على فاتورة شراء للتمكن من محاسبة المتلاعبين، وأكد  ضرورة فحص الملابس قبل شرائها.
وواصل محمود العسقلانى - رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء – قائلا: يجب توفير جو ملائم للمصانع الموجودة تحت مظلة قانونية وتشجيعها على العمل والإنتاج، وتحسين مستوى الاقتصاد القومى وفقا للقانون وتطبيق معايير الصحة والسلامة، وشدد على ضرورة تسهيل الإجراءات كى تقلل نسبة البطالة، ولسد حاجة محدودى الدخل.