لن أدخل الحارة « 4 »
عبد الله كمال
كنت أتحدث عن المعضلة التي نشأت لدي جريدة المصري اليوم ما بين الصيغة السياسية التي تبنتها وبين المصالح الاقتصادية لملاكها.. ومن ثم أضيف إنه بمضي الوقت كانت الجريدة الخاصة تقوم بالأدوار الاقتصادية والمالية لأصحابها.. وفي نفس الوقت تحرص علي أن تستقطب المزيد من الأقلام والكتاب والمقالات التي تخدم صيغتها السياسية باعتبارها الجريدة الأولي للمعارضة في مصر.
وفي حين فتحت الصفحات لأخبار جبهة إنقاذ مصر وأصوات أقباط المهجر بكل تنوعاتهم وأيضاً إخوان المهجر، فإن ملياردير الجريدة كان يتفاوض بنفسه مع الكتاب، ويضيف هذا تلو ذاك، وأغلبهم من اليساريين والناصريين من الداخل، وبصورة تنم عن نهم غريب.. كما لو أنه يبني جسورًا مع أولئك الذين يمكن أن يكونوا أصواتًا ضد البيزنس الذي يملكه.
هكذا أصبحت الصيغة الجانبية هي أن يسمح لهم بالهجوم علي الحكومة ورموزها والحزب الوطني ورموزه بكل السبل وبما في ذلك تعضيد أي انتقاد للنظام.. في نفس الوقت الذي لا يمكن أن يقتربوا فيه ـ أي هؤلاء الكتاب ـ من مسيرته هو ومن مصالحه ومن توجهاته.. ومن الطريف أنه علي الرغم من أن الجريدة تضم كل الأصوات التي تقف ضد التطبيع إلا أنها احتراماً لأجورها ـ أي تلك الأصوات ـ لا تقترب من ملف إسرائيل والسلام والتطبيع وأي مما له علاقة بتلك الشئون.
هنا أطرح أمرًا افتراضيا.. لنقل إننا سألنا شفويا عشرة كتاب في جريدة المصري اليوم عن موقفهم من التطبيع مع إسرائيل.. سوف نجد أننا تقريبًا أمام فريق من خمسة يؤيدونه أيديولوجيا وخمسة يرفضونه أيضًا أيديولوجيا.. لكن لا هذا الفريق ولا ذاك مستعد لإعلان موقفه في الجريدة.. الفريق المؤيد لن يمكنه ذلك لأنه يخضع للخوف من الاتجاهات الشعبوية التي ساهمت الجريدة نفسها في نموها.. والفريق الرافض لأنه لا يريد أن يغضب صاحب المال الذي يدفع الأجر في نهاية الشهر.
لا أريد أن أطبق هذا المثال الافتراضي علي قائمة أسماء الكتاب بطريقة واضحة حتي لا أسبب حرجًا لأحد.. ولكنني أريد أن أقول إن الحالة التي صنعتها الجريدة لم تعد تؤثر علي المناخ العام نفسه.. وإنما علي مالك الجريدة بذاته.. إنه لا يستطيع الآن أن يعلن بصراحة أنه أحد رواد التطبيع في مصر.. بل يظهر في برامج تليفزيونية لكي ينفي ذلك.. ويغير من صورته الذهنية.. ما يعني أنه هو نفسه قد وقع أسيرًا للتوجهات الشعبوية التي صنعتها جريدته.
لكن هذا لم يكن مطروحا علي ذهنيته وهو يمارس هذا العبث الصحفي من خلال جريدته غامضة الأهداف والتمويل.. وقد اتسق مع حالة غريبة اغتواها عدد من رجال الأعمال الذين أقحموا أنفسهم في مجال الإعلام.. ومنهم الحليف الأصيل للمصري اليوم والشريك فيها صاحب قنوات دريم أحمد بهجت.. إذ لجأ بدوره إلي ذات الصيغة.. استقطاب المعارضين.. ومن يقفون ضد المنهج الاقتصادي الذي قام عليه عمله.
فهل لجأ دياب وبهجت إلي تلك الصيغة لأنهما يحميان نفسيهما من تلك الأصوات مقابل الصمت ممن يعملون لديهما من الإعلام المعارض.. أم أنهما يمدان جسور التواصل مع ممثلي كل السيناريوهات الحالية والمستقبلية.. وبما في ذلك الاحتمال المستحيل بأن يحكم المتطرفون هذا البلد.. أم أن تلك الصيغة الإعلامية هدفها تحويل هؤلاء المستخدمين إلي أدوات ضغط في التفاعل مع الدولة؟
"روزاليوسف" في هذا السياق كان لابد أن تسكت بأي شكل.. إما تشويهًا لها كمطبوعة أو تشويهًا وتحريضًا ضد رئيس تحريرها.. أولاً لأنها تطرح صيغة مختلفة باعتبارها صحيفة قومية لها سمات متمايزة عن بقية شقيقاتها القومية.. وثانيا لأنها تمثل أطروحة مناقضة لكل ما تنشره المصري اليوم من مواقف ـ بغض النظر عن الأخبار ـ ولأنها المنبر الذي يصر علي طرح التساؤلات الكاشفة لكل ما تمارسه المصري اليوم من عبث باستمرار وعلي مدار الطبعات.
فإذا ما أضفت إلي هذا ما قامت به "روزاليوسف" ضد ما يمكن اعتباره مصالح اقتصادية لعدد من ملاك الجريدة يمكن بالتالي أن تعرف ما كنت أن بدأت به: وهو لماذا يجب أن تسكت تلك الجريدة ويتوقف رئيس تحريرها عن عملية الكشف تلك.. ولا أنسي في ذلك السياق تجمع مصالح أخري (علي المستوي السياسي والصحفي ) رأت أنها يمكن أن تستفيد مما بين الجريدتين من معركة معلنة.. فراحت تغذي المصري اليوم بأمور مختلفة.. ليس هذا أيضًا وقت كشفها.
وفي هذا السياق يمكن أن تفهم مبررات الحملة المطولة والمستمرة والقذرة التي تشنها المصري اليوم علي شخصي.. وصولاً إلي تلفيق رسالة قيل إنها موجهة إلي.. لا أصل لها باعتراف كاتبها الذي كتب نصًا ثماني مرات أنها افتراضية تخيلية.. وأخفي جزءها الثاني في موقع الجريدة الإلكتروني وليس المطبوع لأسباب تتعلق بمستوي جرأته وقدرته.. وراح يواصل عمليات شتم منظمة في اتجاهي علي مختلف المحطات والبرامج.
لقد دعيت إلي برامج مختلفة للرد، وطلبت مني صحف متنوعة أن أعلق، ولكنني لم أستجب ولن أستجيب.. أولاً لأنني أعتقد أنني أكبر من هذا الذي يلقي علي.. وثانيا لأنني كما قلت لن أترك ميدان التفاعل الفسيح لكي أشتبك مع الصغار في الحواري.. وثالثًا لأن الموضوع أكبر من هذا بكثير.. ورابعًا لأنني أعرف أن صفتي الحزبية وعضويتي في مجلس الشوري تجعلاني شخصية عامة يجب عليها أن تتعامل بتعالٍ مع مثل تلك الأمور غير المؤثرة.. وخامسًا لأنني لدي القدرة علي اكتشاف كل الأوراق.. وأخيرًا لأن المعركة الصحفية والسياسية مع هذا المنبر المعارض أكبر بكثير من تلك التفاهات العابرة.
وأواصل غدا ً
الموقع الإليكتروني: www.abkamal.net
البريد الإليكتروني: [email protected]