الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

2016.. موسم هدم وإغلاق مسارح الدولة!!

2016.. موسم هدم وإغلاق مسارح الدولة!!
2016.. موسم هدم وإغلاق مسارح الدولة!!




شهد عام 2015 انتفاضة مسرحية كبرى نتج عنها عدد لا حصر له من الأعمال المهمة والناجحة سواء عروض الشباب أو النجوم الكبار، واستمرت هذه الانتفاضة على استحياء مع حلول عام 2016، وكأن الثقافة خشيت على نفسها من نفسها، فبعد النجاح الكبير الذى حققته عروض العام الماضى خاصة عروض مسرحى الشباب والطليعة، بدأ مستوى الإنتاج ينحدر شيئا فشيئا، ولم يكتف فقط بالانحدار أو التراجع بينما قررت الوزارة إغلاق مسارح الشباب والكوميدى والعرائس ومتروبول وبيرم التونسى بحجة خضوع هذه المسارح للتجديد والإصلاح والهيكلة من جديد.

مما لا شك فيه أن قاعة مسرح الشباب بحديقة المسرح العائم بالمنيل ليست قاعة عظيمة، هى بالفعل قاعة محدودة الإمكانيات والحجم وتبدو من هيئتها وبنيانها المتهالك، مخالفة لشروط الدفاع المدنى، لكنها فى الوقت نفسه شهدت نشاطا فنيا كبيرا خلال الفترة الماضية وضمت بداخلها أعمالا مسرحية جيدة او حتى ضعيفة لكنها كانت تعمل بدأب ونشاط، من هذه العروض «من قريب» إخراج أكرم مصطفى «شى كايرو» إخراج مروة رضوان، «وداد»، «الفنار» إخراج ماهر محمود، «تمثال ورق»، وكذلك قاعة المسرح العائم الصغير، هى أيضا مكان غير مجهز تقنيا لاستقبال عروض ضخمة، لكنها ضمت أيضا عروضا مهمة وجيدة مثل «اللى بنى مصر» إخراج إسلام إمام، «روميو وجوليت» إخراج محمد الصغير، «قضية ظل الحمار» إخراج محمد جبر، «دالي» إخراج رضا حسنين، كما استضاف المسرح عددا من عروض شباب الجامعات الناجحة على خشبته، وبالتالى كان يعمل جيدا بنشاط كبير وغير مسبوق بجانب إنتاجه مؤخرا لعرض «بس أنت مش شامم» إخراج عبير لطفى وبطولة فتحى عبد الوهاب ومحمد عادل ورباب طارق، وبالتالى كان من الأولى أن تستكمل هذه المسارح اشتراطات الدفاع المدنى والإصلاحات منذ إنشائها، خاصة وأن القاعة الصغيرة لم يمر على إنشائها سوى سنوات قليلة، فليس منطقيا أن يتم إغلاق مكان جديد لإصلاحه ولم يمر على بنائه خمس سنوات على الأقل، فلماذا تم إغلاق مسرحى الشباب معا فى وقت واحد، وكيف تعانى مؤسسات الدولة من هذا السوء فى التنسيق والإدارة كى تصلح شيئا فتهدم أمامه أشياء أخرى أهم، وأصبح مسرح الشباب حاليا بلا مأوى يبحث عن مكان يأوى عروضه الجديدة.
لم تتوقف الأزمة عند إغلاق قاعتى الشباب فقط، بل تم إغلاق المسرح العائم الكبير أيضا، وهو المقر الأساسى للمسرح الكوميدي، وأغلقت معه خطة المسرح، وأكد مديره مجدى صبحى أنه ليس هناك خطة فنية أوإنتاج جديد، نظرا لخضوع المسرح لأعمال الإصلاحات لمدة خمسة أشهر، جدير بالذكر أن المسرح كان يقام عليه عرض «حوش بديعة» إخراج ياسر صادق وبطولة تيتانا وإنتصار وأشرف مصليحى وبالطبع لسنا هنا بصدد تقييم جودة هذا العمل من ردائته، لكن الأزمة أن الموسم الصيفى سيبدأ، وهناك خمسة مسارح مغلقة، بالإضافة إلى مسرح السلام الذى ما زال مغلقا لنفس الأسباب، ولم يتم استلامه رسميا، فلم يشفع له تقديم عرضين على خشبته «غيبوبة» إخراج شادى سرور وبطولة أحمد بدير، و«باب الفتوح» إخراج فهمى الخولى وبطولة يوسف شعبان، ثم تم تعطيل، وتجميد بروفات عرض «قواعد العشق الأربعون» للمخرج عادل حسان بسبب عدم الانتهاء من إصلاح المسرح بعد، واستكمال اجراءات الدفاع المدنى به.. والسؤال هنا كيف ستقام فعاليات المهرجان القومى، وهناك ستة مسارح مغلقة للتجديد فأين سيقيم المهرجان عروضه المتعددة والمتشعبة والتى تحتوى على عروض بيت فنى وشركات وجامعات وقصور ثقافة وفرق مستقلة وحرة، ومجموعها 37 عرضا بالمسابقة الرسمية بخلاف عروض الهامش!!
فإذا كانت هذه المسارح من البداية غير صالحة للاستهلاك الآدمي، لماذا جازف العاملون بالبيت الفنى للمسرح، وافتتح على خشبتها عروضا سابقة، أم أن وزارة الثقافة شعرت بحالة من النشاط والوهج لدى الشباب فقررت كبتهم وإخماد هذه الطاقات لحين إشعار آخر، فمن المسئول فعليا عن إغلاق هذا الكم الكبير من المسارح المهمة، والتى أصبحت اليوم عروضها بلا مأوى ومعطلة لحين إعادة افتتاحها من جديد، وهو الأمر الذى سيستغرق أكثر من خمسة أشهر، لأننا فى مصر نعانى من بيروقراطية شديدة خاصة فيما يتعلق بأعمال الإصلاحات والترميم.
بالطبع لن نسيء الظن بالدولة ونتعامل بمبدأ المؤامرات الكونية التى من شأنها التدخل فى الوقت المناسب لتحجيم وتقليص الإبداع، لكن من حق الجميع أن يفهم ما هذه الحملة الغريبة والمفاجئة فى إغلاق وهدم المسارح، وهى الحادثة الأشهر التى شهدتها مؤخرا مدينة الإسكندرية، بقرار غريب بهدم مسرح السلام أهم مسارح مدينة الإسكندرية وهو ما أثار غضب واستياء الجميع على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، وقيل إن هذا المكان سيتم انشاء مشروعات خدمية للمواطنين عليه بدلا من المسرح..؟؟!! فهل هذا سوء تقدير لفكرة المشروعات الخدمية، هل يعتبرون المسرح مشروع ترفيهى تافه لا يستحق هذه المساحة وهذا المكان، ومن الأولى إقامة مشروعات أهم، كيف تسمح الدولة بهذه الجريمة، وكيف يتم التعامل مع الأمر وكأن شيئا لم يكن، فى الوقت الذى تسعى فيه الدول الكبرى لإقامة مسارح ضخمة، وتجديد وتنويع انتاجها الفني، تقرر مصر هدم مسارحها، فى هذا الوقت الحرج، الذى أصبحنا نعانى فيه من انعدام الوعى وخلط المفاهيم، وتسطيح الفن، واختزاله، كيف نرسخ يوميا لفكرة محاربة التطرف بإلإبداع، ثم نسعى إلى غلق منافذه، وتحجيمه، والحجر عليه، حضارة الأمم تقاس بمدى اهتمامها وحرصها على روافد ثقافتها وفنونها، ونحن اليوم نهدم بأيدينا حضارتنا ونوصد الأبواب فى وجه فنوننا..!!
تم تأسيس مسرح السلام بالإسكندرية عام 1954 بمنطقة سيدى جابر بطريق الكورنيش ويعتبره المواطنون بالإسكندرية رمزاً للفن حيث شهد ازدهاراً كبيرا بالقرن الماضى، وكان ينتظر أهل الإسكندرية عروض كبار الفنانين فى فصل الصيف لمشاهدتها على خشبته مثل «الواد سيد الشغال» لعادل إمام، «الزعيم»، و«ريا وسكينة»، «شاهد ما شفش حاجة»، «بودى جارد»، «شارع محمد علي»، كما شهد المسرح الصيفى عرض المئات من مسرحيات الأطفال ومسرح العرائس التى قدمت أهم العروض الفنية منها الليلة الكبيرة، وشارك فيها كبار الفنانين. 
وبسبب العوامل الجوية لتواجد المسرح على البحر مباشرة تعرض مسرح السلام لإنهيار جزء من واجهتته وتم ترميمه خلال السنوات الماضية، لكن عادت واجهته واساساته للانهيار من جديد، وقد تسبب خبر هدم المسرح فى حزن أهل مدينة الإسكندرية والمسرحيين بالقاهرة.