الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مسارات جديدة لسياحة التراث

مسارات جديدة لسياحة التراث
مسارات جديدة لسياحة التراث




د. إبراهيم العسال  يكتب:

تمتلك القاهرة تراثا إسلاميا فريدا يؤهلها لإستقبال ملايين الزائرين سنويا لرؤية مكونات الحضارة الإسلامية التى تنعم بها مصر كأحد المحطات الرئيسية فى العالم الإسلامى القديم إلى جانب قرطبة وبغداد ودمشق ونيودلهى وغيرها من البلاد التى شهدت تفوق هذه الحضارة التى تخطت حدود جغرافيا المكان دون غيرها من الحضارات. وبالنظر إلى هذه البلدان – باستثناء تلك التى تعانى ويلات الدمار والخراب  فى العراق وسوريا -  نجد أنها قد استفادت من هذا التراث على الوجه الأكمل اقتصاديا وحضاريا على نحو أفضل كثيرا مما يمر به حال التراث الإسلامى فى مصر الذى لا يراه ولا يعرفه سوى العاملين بهيئة الآثار والباحثين المتخصصين فى مجالات الأثار والتراث الإسلامى. فلقد شهدت مصر على مدار أربعة عشر قرنا من الزمان – هى العمر الفعلى للحضارة الإسلامية – دويلات إسلامية متعاقبة وتاريخا إسلاميا عريقا منذ بداية دعوة النبى محمد – صلى الله وعليه وسلم - فى الجزيرة العربية ومبعوثيه إلى حاكمها إلى أن فتحها عمرو بن العاص فى مستهل العقد الثالث من القرن الأول الهجرى ثم صارت ولاية أموية لها ثقلها فى العالم الإسلامى الوليد آنذاك، ثم ولاية عباسية خالصة فى العصر العباسى الأول إلى تبعية اسمية للخليفة العباسى فى بغداد فى عصر نفوذ الأتراك وحُكم على الأرض باستقلالية عنه كما كان الحال فى عهد الطولونيين والاخشيدين، ثم صارت فاطمية قرابة قرنين من الزمان إلى أن دخلها صلاح الدين الأيوبى بصحبة عمه أسد الدين شيركوه ثم صار وزيرا فى عهد الخليفة العاضد آخر الخلفاء الفاطميين ثم مؤسسا دولته الأيوبية والتى انتهت باستعانة السلطان الأيوبى نجم الدين أيوب بسلالة المماليك الذين تمكنوا من القفز على السلطة من خلال شجرة الدر ليحكموا البلاد قرابة الثلاثة قرون فى دولتين رئيسيتين كما اتفق جمهور المؤرخين على تسميتهما المماليك البحرية والمماليك البرجية ثم كان دخول العثمانيين مصر على يد سليم الأول فى 1517م بعد موقعتى مرج دابق والريدانية.
كل هذه الأسر والحقب التاريخية خلفت تراثًا كافيًا لاستقطاب البشر أينما كانوا وأيا كانت عقائدهم وثقافاتهم، والأمثلة واضحة وجلية فى انحاء المعمورة.  ويتنوع التراث الإسلامى فى مصر ما بين عمارة إسلامية ظهرت فى شكل مساجد وجوامع وزوايا وبيوت واسبلة وبيمارستانات وخانقاوات وتكايا وقصور شاهدة على عظم هذه الحضارة وبين متاحف تعج بالعديد من كنوز التحف التطبيقية كالخزف والنسيج والزجاج والمعادن والخشب وغيرها مما يزخر بها متحف الفن الاسلامى فى وسط القاهرة والذى يُصنف على كونه أكبر متحف مغلق للفنون الإسلامية فى العالم.
وهاهى الالاف المخطوطات المدفونة فى أدراج ومخازن دار الكتب المصرية والتى تصل إلى ستين ألف مخطوط بلغات مختلفة بين الفارسية والعربية والتركية بعضها يحتوى على منمنات بديعة تحكى تاريخ الأسر الفنية المختلفة بداية من المدرسة العربية للتصوير فى بغداد والموصل والمغرب والأندلس مرورا بالمدارس الإيرانية التيمورية والصفويتين الأولى والثانية والتركمانية والمظفرية والجلائرية ومدارس بخارى وسمرقند وانتهاء بالمغولية الهندية والتركية العثمانية.
كل هذا الزخم التراثى ويأتى الزائر إلى مصر وبرنامجه يخلو من اثارنا وتراثنا الإسلامى اللهم إلا جامع محمد على وفى بعض الأحيان – على استحياء - جامع عمرو بن العاص فى مصر القديمة فيما يمثل لغزا كبيرا حول الاصرار على تطابق مسارات السياحة الثقافية الوافدة وبقائها دون تطوير أو تحديث فيما يصيب سياحة التراث بالرتابة والملل.
ومن الأفكار التى يطبقها الجنوب الاسبانى - أو ما يعرف بالاتحاد الأندلسى- باحترافية فى مجال سياحة التراث وتحقق نتائج إيجابية ملموسة على الأرض للاستفادة من الترث الإسلامى التى تمتلكه هى فكرة تطبيق مسار محدد للسائح يماثل المسار التاريخى للأثر مما يخلق حالة من الود والألفة بين الزائر والتراث والأمثلة كثيرة للتطبيق عليها بين آثار القاهرة مثل خلق مسارات تراثية جديدة كالمسار الفاطمى ويشمل زيارة الاثار الفاطمية مع مراعاة التدرج التاريخى لإنشائها من الأقدم للأحدث، والمسار المملوكى ليشمل على قرافة المماليك «المنسية» ومساجد سلاطين المماليك وعلى رأسها هرم الآثار الإسلامية الشامخ جامع ومدرسة السلطان حسن فى ميدان صلاح الدين، كذلك تطبيق مسارات اليوم الكامل سواء فى شارع المعز لدين الله وهو أكبر متحف مفتوح فى العالم كله،  كذلك «مسار العواصم الإسلامية» والذى يبدأ من مدينة الفسطاط  التاريخية عاصمة الفتح الإسلامى وما تلتها من عواصم لاحقة كمدينة العسكر «المدبح حاليا» ومدينة القطائع «بجوار حى السيدة زينب حاليا والقاهرة القديمة.
وفى نفس السياق يُمكن خلق ما يٌعرف بالمسار الوثائقى وهو يشمل رحلة للسائح فى بحر ما نمتلكه من كنوز المخطوطات الإسلامية وزخارفها ومنمنماتها والبرديات العربية والتى تخرج تماما وكليا من حسابات صٌناع السياحة فى مصر والقائمين عليها بل هى أساسا خارج سلطة وزارة الآثار حيث تشكل تبعيتها لوزارة الثقافة عائقا نحو تطويرها والاستفادة منها سياحيا. 
 هذا وقد خرجت إحدى الدراسات المهمة فى جامعة حلوان قبل أربع سنوات بنتائج تشير إلى أن سائح التراث الثقافى سائح يميل إلى عدم تكرار زيارة المقصد السياحى، مما يضطر المسوق السياحى إلى فتح أسواق بديلة اقل كفاءة بدلا من التسويق لما يمتلكه من تراث لا يجب أن يبقى خارج دائرة الضوء أكثر من ذلك، وهو ما يمكن استغلاله جيدا فى القاهرة مع وجود بدائل تراثية عديدة تحتاج الى تحرك فورى للحفاظ عليها والتسويق لها لعل السياحة الثقافية تخرج من أزمتها.