الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

رأسمالية .. تحارب نفسها! لن ادخل الحارة 5




هذه معركة لم تبدأ اليوم ولن تنتهي اليوم أيضًا‮. ‬وإذا كانت الحياة المهنية لها سياقات‮.. ‬فإن سياق تناولي لهذا الملف حول الصحافة المؤيدة للفوضي قد بدأ تقريبًا قبل عشر سنوات‮.. ‬الذين يتابعون جيدًا يمكن أن يعودوا إلي ما كتبت بداية في عام‮ ‬1998‮ ‬عن الصحافة القبرصية الترخيص‮.. ‬وامتداد ذلك إلي الصحافة الصفراء‮.. ‬والانتقال بعدها إلي الصحافة السوداء‮.. ‬وصولاً‮ ‬إلي المرحلة الحالية‮.. ‬مرحلة صحف الهدم والفوضي‮.‬

ومن الطبيعي أن أقول إن طراز الصحيفة المؤيدة للفوضي،‮ ‬والمعبرة اكتمالاً‮ ‬عن كل التيارات‮ ‬غير القانونية في المجتمع،‮ ‬والتي لولاها ما كانت الحركات الموصوفة بالاحتجاجية قد لقيت كل هذا الصدي‮.. ‬التي جسدتها جريدة المصري اليوم‮.. ‬هي تطور طبيعي للصحافة القبرصية الترخيص التي كتبت عنها منذ عشر سنوات‮.‬

إن عددًا هائلاً‮ ‬من نجوم الصحافة القبرصية هم الآن رواد الصحافة الخاصة‮.. ‬مع كامل الاحترام لبقية الزملاء‮.. ‬وكل التقدير الذي يمايز بين ميول عموم الصحفيين العاملين في تلك الصحف وبين بعضهم ممن يسخرون أنفسهم لقيم القبرصة الصحفية وتطوراتها‮.. ‬

‮ ‬كما أن الظاهرة القبرصية‮ - ‬نسبة إلي الدولة التي كانوا يستصدرون منها ترخيص الصدور ومن ثم يطبعونها في مصر‮- ‬هي ابنة المال الخاص الذي ساهم فيما بعد في نشوء الصحافة الخاصة‮.. ‬التي تحولت في حالة المصري اليوم إلي صحيفة معارضة بلا حزب يدعمها ويقف وراءها وتعبر عنه‮.. ‬وهناك عديد من الأسماء التي كانت تقف سرًا أو علنًا وراء صحف قبرصية الإصدار وأصبحت اليوم صاحبة أسهم في صحف خاصة وبما في ذلك المصري اليوم‮.‬

لا داعي لأن أذكر أسماء صحفيين أو رأسماليين عبروا السنوات والظواهر الصحفية إلي المرحلة الحالية‮.. ‬التي شملت أيضًا تأسيس محطات تليفزيونية‮.. ‬لكن الوقائع تثبت أن هناك سعيا حثيثًا‮ ‬من جانب قطاعات في الرأسمالية إلي أن يكون لها تحالف مع الإعلام بصورة ما‮.. ‬وإلي استقطاب فيالق من الصحافة‮.. ‬ومن المثير أن تلك القطاعات من الرأسمالية كانت في كل مرة تمد اليد إلي الاتجاهات الراديكالية الصحفية‮.. ‬لاسيما الناصريين والشيوعيين وصولاً‮ ‬إلي الإخوان والمتطرفين‮.‬

‮ ‬لم تناصر الرأسمالية أبدًا أي اتجاه ليبرالي حقيقي‮.. ‬بقدر ما ساندت المعارضة‮.. ‬ومن المثير للتناقض أن كل الرأسماليين المستفيدين من حرية السوق الاقتصادية وآليات السوق قد استقطبوا المعارضين لذلك في مطبوعاتهم‮.. ‬وأكثر الخطابات عنفا ضد التوجه الاقتصادي للدولة الذي يحقق لهؤلاء الرأسماليين أرباحهم ونمو ثرواتهم هو الذي تعبر عنه جريدة المصري اليوم‮.. ‬في مختلف تناولاتها‮.‬

لا يمكن في تلك الصحيفة رصد أي محاولة لترسيخ قيم الحرية الاقتصادية‮.. ‬والاندماج في الاقتصاد العالمي‮.. ‬بل علي العكس إن أكثر التعبيرات التي تقول أن الأوضاع الاقتصادية الحالية‮ ‬غير عادلة يمكن أن تقرأها في ذات الجريدة‮.. ‬وهنا أنا لا أتحدث عن التغطيات الإخبارية وحدها‮.. ‬وإنما عن مقالات رأي‮.. ‬ومواقف كُتاب‮.. ‬فهل هذا هو الهدف من إصدار تلك الصحف‮.. ‬وكيف يستقيم قبول التناقض بين رأسمالية مستفيدة من الأوضاع التي خلقها النظام الحالي وبين صحافة تتبعها تعمل طوال الوقت ضد نفس النظام وقيمه؟

هل تمارس تلك الرأسمالية نوعًا من العبث؟ هل هي‮ ‬غير متعلمة إلي الدرجة التي تدفعها إلي عدم التمييز بين هذا وذاك؟ هل حاولت أن تحدث تعديلاً‮ ‬في اتجاه أولئك الصحفيين‮.. ‬فجاءت تصيدهم فاصطادوها؟ أم أنها تدرك حقا ما تفعل‮.. ‬وهي تستفيد من تلك الأوضاع في أن توظف تلك الاتجاهات لتحقيق مصالحها‮.. ‬أي أنها تستخدمهم من أجل تصفيات السوق وتفاعلاتها بغض النظر عن إيمانها بحرية الاقتصاد والسوق‮.‬

‮ ‬ببساطة أكثر أقول‮: ‬إن تلك القطاعات من الرأسمالية إنما تدرك عن يقين أن الدولة لن تتراجع عن سياستها الاقتصادية لأسباب كثيرة هي تعرفها‮.. ‬وبالتالي هي ليست في حاجة إلي تعضيد تلك التوجهات وإنما تستخدم آليتها الصحفية من أجل تحقيق مزيد من المكاسب‮.. ‬حتي لو أدي ذلك إلي إثارة‮ ‬غبار حول المناخ الاقتصادي‮.. ‬فذلك الصخب دفع عددًا من الرأسماليين إلي أن يكونوا محطا للأنظار وقبلة للاتصالات‮.. ‬ولهذا كله ثمن‮.‬

وقد كنت أعتقد أن تلك الرأسمالية قد وقعت أسيرة من استوظفتهم‮.. ‬وسقطت هي في فخ تلك التيارات الراديكالية المتطرفة الشعبوية اقتصاديا‮.. ‬وسياسيا‮.. ‬ولكن هناك ما يثبت من دلائل علي أن الاستفادة متبادلة بين أصحاب الصحف والمال وأصحاب تلك التوجهات‮.. ‬خلاصتها أن من حق هذه الأقلام أن تفعل أي شيء‮.. ‬بشرط تحقيق أمرين‮: ‬عدم الاقتراب من مصالح أصحاب المال ـ وأيضا تقديم الخدمات حين تلوح الحاجة إلي ذلك في إطار تفاعلات السوق وصراعاتها‮.‬

دعني في هذا السياق أطرح علي جريدة المصري اليوم ورأسماليتها وممثلي التيارات الراديكالية فيها مجموعة من الأسئلة الاقتصادية والسياسية التي تتطلب إجابات محددة‮.. ‬ولننظر إذا كانت الجريدة تعبر عن تلك الإجابات وبأي طريقة‮.. ‬علي أن نفترض ذهنيا أن الإجابات مطلوبة من الجريدة وصحفييها ومن رأسماليتها كل في جانب‮: ‬

ما هو موقف الجريدة من حرية التجارة؟‮- ‬هل النظام الاقتصادي عادل اجتماعيا وإذا لم يكن كذلك كيف يكون عادلاً؟‮ - ‬هل توافق علي تصدير الغاز إلي إسرائيل؟‮- ‬هل تؤيد اتفاقية الكويز؟‮ - ‬هل توافق علي استقدام خبراء من إسرائيل للاستفادة من خبرتهم في زراعة الأراضي؟‮- ‬كيف تصف من يطبعون مع إسرائيل اقتصاديا؟‮- ‬كيف تري استفادة بعض رجال الأعمال والشركات من المعونة الأمريكية لمصر في أعمالهم؟‮- ‬هل توافق علي استمرار دعم الخبز؟ هل توافق علي استمرار دعم المواصلات؟‮- ‬هل توافق علي دعم الطاقة؟‮- ‬ما هو رأيك في النشاط الاقتصادي للملياردير صلاح دياب‮.. ‬هل تعرف حجم ثروته؟

وأعود إلي هذه القضية مجددًا بعد العيد‮.. ‬لكنني سوف أكتب خلال أيام العيد في قضايا أخري‮.. ‬كل عام وأنتم بخير‮.‬
الموقع الإليكتروني‮:‬ www.abkamal.net
 البريد الإليكتروني‮:‬ [email protected]