الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

حمزة قناوى: إدوارد سعيد تنكر لجهود «عبدالملك» فى «الاستشراق»




أكد الشاعر حمزة قناوي، أن تكوينه العلمى والثقافى الحقيقى تشكَّل فى بيت أنور عبد الملك وليس فى الجامعة، وأن كتابه «المثقفون»، رغم عدم قصده أن يكتب فيه سيرة ذاتية، جاء كما يراه البعض (سيرة ذاتية للآخر من خلال الأنا)، قاصدين بالآخر الدكتور أنور عبد الملك، مؤكدا أنه مهما كتب لن يفى عبد الملك حقه من الكتابة، فحياة هذا العالِم الراهب الزاهد فى الأضواء، المخلص للعلم والوطنية والنضال من أجل مصر حد التضحية، تستحق الكثير من المؤلَّفات.
 
 
هل يعد كتابك «المثقفون» سيرة ذاتية؟
 
عندما كتبت (المثقفون) لم أفكِّر فى تصنيفه إن كان روايةً أم سيرةً ذاتية. كنت مهموماً فقط بكتابة ما رأيته وعشته، التصنيفات أساساً لعبة النقَّاد وهى تكاد تكون صورية حالياً مع تطور أشكال الكتابة وانفتاح وتعدد اتجاهاتها. أما الحقيقة وأن تكتب عملاً به الكثير من الصدق فهذا هو الأهم. وإجمالاً يمكن اعتبار العمل (رواية سيرة ذاتية).  
 
لكن هناك من يرى أن الكتاب نصٌّ كتب بهواجس السيرة الذاتية، سيرة الآخر من خلال الأنا أو سيرة الأنا من خلال الآخر؟
 
لم تكن تعنينى التصنيفات بينما أكتب هذا العمل، كنت أحاول التطهُّر من عبءٍ ما، الكتابة فى حد ذاتها فعل خلاصٍ للإنسان، وقد رأيت أن ما عشته يستحق أن أرويه. فأنا شاب مصرى عادى قيض لى آنذاك، أثناء فترة عملى مع الدكتور أنور عبد الملك أن أحتك بطبقة النخبة الثقافية، وأن أتعامل مع وزراء ودبلوماسيين، وأرى تحالفات اليسار وأتحرك من قلب مركزية العمل الثقافي، كان هذا الزخم ضاغطاً عليَّ معظم الوقت، ربما لأننى لم أكن مهيئاً لهذه التجربة الشاقة، لكننى مازلت مديناً لها إلى اليوم، فتكوينى العلمى والثقافى الحقيقى تشكَّل فى بيت أنور عبد الملك وليس فى الجامعة، مسألة سيرة الآخر من خلال الأنا لم تكن تشغلنى أبداً، بل قد تستغرب إذا قلت لك إننى أرى أنى لم أكتب كفايةً عن هذا الرجل ولم أوفهِ حقه من الكتابة التى يستحقها، فحياة هذا العالِم الراهب الزاهد فى الأضواء والذى كان مخلصاً للعلم والوطنية والنضال من أجل مصر حد التضحية، تستحق الكثير من المؤلَّفات.
لماذا أحجمت عن التصريح باسم الدكتور أنور عبد الملك فى بداية الكتاب بالرغم من أنه الشخصية الرئيسية فى الكتاب بالإضافة إلى شخصية الراوي؟
 
لأكثر من سبب، أولها أننى احترمت خصوصية حياة هذا الرجل ولم أشأ إقحام اسمه فى عملٍ توقعت أن يثير الكثير من الانتقادات، وقد فعل، ولكن كل من قرأ العمل عرف أن الشخصية المحورية فيه هى شخصية الدكتور أنور رحمه الله! فاحترام حياته الخاصة التى كنت ملتصقاً بها تقريباً هى التى حتَّمت عليَّ ذلك.
 
 
وثانى الأسباب أننى لم أتقصَّد أن أتناول الشخصية لذاتها قدر ما كنت مهتماً بسرد التجربة ورصدها وتسليط الضوء على القضايا الأكبر التى تحتويها، الغليان الذى كانت تمور به مصر، الممهدات لانفجار الثورة، التيارات السياسية والفكرية المختلفة التى تتحرك فى مصر برغم الموات (الشكلي) الذى كان بادياً على السطح، وفى قلب كل ذلك رصد ظروف الشباب المصرى الذى يتوق إلى التحقق والعمل والحياة والانخراط فى حراك بلده وتنميتها.
 
 
السبب الثالث والأخير هو أننى لم أرَ فى عدم ذكر اسمه ما ينتقص من القيمة الفنية للعمل، ما أزعجنى أن أحد «مثقفى المقاهي» قال إن الكتاب به تجنٍّ على أنور عبد الملك، وإنه عمل تجاوز الخطوط الحمراء بتعديه على حياته الخاصة وإننى طعنته.. إلخ. وأنا أشفق على صاحب هذا الرأى السطحي، لأنه قرأ الكتاب قراءة أولية للغاية ولم يستقصِ أبعاده، ولم يرَ التاريخ النضالى الذى كشفته للناس عن هذا الرجل، وتجاهل الكثير من المواقف التى أظهرت تعلقه بى كابنه ومحبتى له كأبٍ لي.
 
 
رغم التاريخ النضالى الكبير لأنور عبد الملك فإنه متهم بممالأة السلطة، فلا هو معها ولا هو ضدها، خوفاً من منع مقاله بالأهرام حيث كان يكتبه بحذر وعمومية؟
 
 
- الدكتور أنور كان موقعه على يسار السلطة دوماً. كان يسارياً مؤسساً لليسار المصري. بل وقاده فى إحدى الفترات بترؤسه (الجمعية الوطنية للعُمَّال والطلبة) قبل أن يُلقى القبض عليه ويُعتقل. مسألة الكتابة للأهرام كانت تؤرِّقه لأنه المنبر الوحيد الذى كان يطل من خلاله بأفكاره على الناس. صحيح أن جريدة الأهرام كانت بوقاً للنظام فى عهد مبارك، ولكنه حاول أن ينأى بنفسه عن التوجه العام للصحيفة وأن يكتُب فى قضايا تتعلق بالتاريخ الوطني، وتحليلات جيو سياسية واستراتيجية تُبشِّر بالتشكُّل الجديد للعالم وقواه الصاعدة. أما عن الحذر فكانت هذه طبيعته ولكننى أشهد بأنه كان مؤرَّقاً دوماً بالهم الوطنى المصري. وقد أوعز له أكثر من مفكر فى مجلس الشئون الخارجية بأنه يمكن أن يكون ضمن العشرة أعضاء الذين يعينهم الرئيس مبارك فى مجلس الشورى، ولكنه كان يرفض دوماً لأنه كان يتعامل مع هذا النظام على مضض وبغير حماس.
 
 
 
لماذا تراجع أنور عبد الملك عن مشروع انتمائه الى الجبهة الوطنية؟
 
المعارضة فى مصر؟
 
 
هو لم يتراجع بالكامل، فقد استمرت المحادثات بينه وبين الدكتور عزيز صدقى عند تكوُّن الجبهة، وظلَّ يمده بأفكاره البنَّاءة من أجل نجاح الحركة. أرسل له رسالة من باريس يخبره فيها إنه مستعد أن يكون (سفيراً) لهذه الحركة الوطنية بالخارج وتوجهاتها التى تخدم مصر. فهو حاول توظيف علاقاته من أجل هذه الجبهة. ولكن فى النهاية لم يستطع فعل الكثير لأكثر من سبب أهمها السن، كان فى الثمانين عندما تكوَّنت الجبهة، وهو ما صعَّب عليه الحراك من أجلها، فهذه الحركة كانت تهدف إلى العمل الميدانى والتوعوى الجماهيري، وهذا كان صعباً فى مثل ظروف الدكتور عبد الملك. لكنه ظلَّ متابعاً لتحركات الجبهة وسعيداً بحراكها ويفكر من أجلها.
 
 
قلت إن أنور عبد الملك اعترف لك بأن كِتاب (الاستشراق) لإدوارد سعيد هو عصارة وخلاصة أفكار عبد الملك وقد «استعان» بها إدوارد سعيد .. لماذا لم يعلن أنور عبد الملك هذه الحقيقة فى حياته؟
 
 
قال لى أنور عبد الملك إن إدوارد سعيد «استعان» بكثير من المواد التى جمَّعها هو قبله لينجز مؤلَّفاً عن الاستشراق، وعندما أتمَّ إدوارد سعيد مؤلَّفه لم يُشر إلى أنور عبد الملك بكلمة، رغم أن الأخير كان صاحب الطلقة الأولى فى معركة نقد الاستشراق، أرانى «ربطة» كبيرة بها مئات الأوراق، وقال لى إن هذه هى المادة الخام كتاب الاستشراق الذى ألَّفه إدوارد سعيد، وأنه كان حزيناً لأنه سبقه إلى تأليفه مستعيناً بهذه المواد دون أى إشارة إليه أو لفضله، لا يمكن القول إن إدوارد سعيد «سرق» جهد أنور عبد الملك، فهو عالم كبير وله قامته الفكرية، ولكن يمكن القول إنه تنكَّر له ولمساعدته فى هذا الإنجاز الموسوعي، كثيرون تنكروا لأنور عبد الملك، وهو قال لى إن إدوارد سعيد منهم.
 
 
لماذا رفض عبد الملك عرض فرنسا بمنحه الجنسية الفرنسية وجاء ليعانى شظف العيش فى مصر؟
 
 
أنور عبد الملك رحمه الله كان نموذجاً صادقاً للوطنية، ورفضه نيْل الجنسية الفرنسية أكبر دليل على اعتداده بجنسيته وعلى محبته لمصر، فهو لم يكن قادراً على تحليل الخطاب الاستعمارى للغرب ورصد فكرة الاستشراق وتفنيد العِمالة الحضارية والكتابة عن التاريخ السياسى لمصر بينما يعيش فى الغرب وينعم بالرفاهية، فقد اكتفى بـ(الإقامة) فى باريس دون الحصول على الجنسية الفرنسية، وللعلم فإن الرجل كان يتعرض لمضايقات كثيرة فى الغرب لأنه كان يكتب عن استعمارهم وانتهازيتهم التاريخية وامتصاص دماء الشعوب، كان يعيش عزلة شبه كاملة فى فرنسا، وهذه ضريبة مواقفه الوطنية الصادقة، قال لى بنفسه إنه لم يتمنَّ يوماً أن يموت على غير جنسية مصر.