الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

مال الله(2)




تعرضت المؤسسات الصحية والاجتماعية المصرية إلي انتكاسة كبيرة في مقدار التبرعات التي تحصدها من المصريين خلال الفترة التالية لأزمة حرب‮ ‬غزة في‮ ‬يناير الماضي‮.. ‬وما بعد هذا‮.. ‬ذلك أن الكثير من المصريين قد وجه التبرع إلي ضحايا الحرب في فلسطين‮.. ‬وبحسابات تكاليف الدعاية فإن الحملات الإعلانية الإيجابية التي اُنتقدت أرقامها وميزانيتها في شهر رمضان لا‮ ‬يمكن أن تقارن بالحملة الإعلامية التي انطلقت إبان الحرب‮.. ‬وأدت إلي جمع تبرعات طائلة بدون أن تهدف إلي ذلك مباشرة‮.‬

الكثيرون‮ ‬يذكرون أن محطات تليفزيونية قد فتحت الهواء طيلة‮ ‬يوم كامل خلال الحرب لجمع الأموال‮.. ‬وإذا كنت أطالب بمراجعات دقيقة جدًا لكيفية صرف أموال التبرعات في المؤسسات الاجتماعية المصرية والجمعيات الخيرية لكي نضمن الثقة في معايير الشفافية‮.. ‬فإنني أقول إننا لا‮ ‬يمكن أن نملك آلية التأكد من أن الأموال التي ذهبت من مصر وغيرها من الدول العربية إلي‮ ‬غزة قد أنفقت علي الضحايا الحقيقيين ولم تستخدم لأغراض عسكرية أو سياسية ولصالح فئة بعينها دون‮ ‬غيرها من الناس‮.. ‬وبالتالي فإن الأولي هو أن تذهب إلي حيث نحن متأكدين من طبيعة إنفاقها وفي بلدنا‮..‬أقول الأولي ولا أنفي أهمية التبرع للضحايا هناك‮.‬

دعنا نعد قليلاً‮ ‬إلي الوراء‮.. ‬ونرصد بعض المتغيرات التي أدت إلي نشوء هذه الحالة الرمضانية اللافتة للنظر في المجتمع‮.. ‬وقد سبق أن تناولت بعضها من قبل‮.‬

كنا نمارس ضغوطا علي أثرياء مصر‮.. ‬ونطرح عبر الإعلام تساؤلات حول الدور الاجتماعي الذي‮ ‬يقومون به‮.. ‬إلي أن أدي هذا إلي ظهور عدد من المؤسسات المختلفة التابعة لعدد من المليارديرات والمجموعات الاقتصادية الكبري‮.. ‬بعضها‮ ‬يعلن عن نفسه وبعضها‮ ‬يعمل في صمت‮.. ‬وعدد من تلك المؤسسات تنفق مما خصصت لصالح الإنفاق علي الحملات الإعلانية للجمعيات والمؤسسات الساعية إلي جلب التبرعات وجمعها من الناس‮.. ‬ما أدي إلي زيادة حصيلة الحملات الإعلانية وتضخم أرقامها‮.‬

(ذكر أحدهم أن مؤسسة منصور دفعت نحو‮ ‬8‮ ‬ملايين جنيه لصالح حملة دعائية لمعهد أورام السرطان).. ‬وذكر آخر أن قيمة التبرعات التي حصدها المعهد في‮ ‬غضون عام قد تبلغ‮ ‬ما بين‮ ‬80‮ ‬مليوناً‮ ‬و90‮ ‬مليون جنيه‮.. ‬أرقام أذكرها للتدليل وليس علي سبيل التوثيق‮.. ‬وأضيف أن شركات أحمد عز تدفع الكثير من المال لحملات جمعيات خيرية مختلفة‮.. ‬وقد ساعد علي نمو هذا التوجه أن قانون الضرائب‮ ‬يعطي خصوصية للتبرعات‮.‬

من بين المتغيرات الأهم الأخري هي أن مشروعًا صحيًا كبيرًا هو مستشفي سرطان الأطفال (‮ ‬57357‮ ‬) الذي أشرفت علي تأسيسه وإدارته السيدة الأولي السيدة سوزان مبارك‮.. ‬قدم نموذجًا لعمل تطوعي رائع النتائج والأهداف‮.. ‬وتجسد علي أرض الواقع حقيقة مذهلة ومدهشة‮.. ‬ونموذجاً‮ ‬لأعمال‮ ‬يمكن الاقتداء بها‮.. ‬وهذا المستشفي استفاد من الخبرات الدولية في عمليات جمع التبرعات ولديه أقسام خاصة بهذا‮ ‬يتدرب من فيها علي أكثر الأساليب عصرية‮.. ‬وبالتالي كان نجاحه في هذا الأسلوب هو الذي خلق التوجه إليه في السوق المصرية‮.. ‬فراحت جمعيات أخري تتبع نفس الأسلوب‮.‬

وهكذا تصاعدت الحملات التنافسية في الأيام الأخيرة بين مؤسسات تكبر‮ ‬يوما تلو آخر‮.. ‬مثل دار الأورمان التي‮ ‬يديرها المليونير المعروف حسام قباني وأعتقد أنه شخصيا‮ ‬ينفق عليها من جيبه في حدود‮ ‬10‮ ‬ملايين جنيه وفق ما قال لي أحد الخبراء‮.. ‬وبنك الطعام‮.. ‬ومؤسسة مصر الخير التي قدر متابع أنها حققت كمية كبيرة من التبرعات خلال الموسم الحالي‮.‬

وقبل أن أختتم عمود اليوم أريد أن أتوقف أمام مسألة أن مؤسسة مصر الخير تحظي بمشاركة فضيلة مفتي الديار المصرية الشيخ علي جمعة‮.. ‬وهو أمر سجل عليه البعض ملاحظات لا أري لها محلاً‮ ‬من الإعراب‮.. ‬إذ ما الذي‮ ‬يعيب المفتي في أن‮ ‬يقوم بإدارة عمل خيري أو حتي أن‮ ‬يمنحه اسمه لكي‮ ‬يكون قدوة لغيره‮.. ‬ويحث الناس علي تعضيده‮.. ‬هذا عمل طيب‮.. ‬ويستحق الثناء ولا‮ ‬يعيبه شيء‮.‬
وأواصل‮ ‬غدًا
 الموقع الإليكتروني‮:‬ www.abkamal.net

البريد الإليكتروني‮:‬ [email protected]