الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

مأساة إسماعيل يس!




لا أعتقد أن صناع مسلسل‮ (‬أبوضحكة جنان‮- ‬إسماعيل يس‮)‬،‮ ‬قد قصدوا بأي شكل من الأشكال،‮ ‬أن يمتدحوا مناخ الحرية الحالي في عالم الفن المصري‮.. ‬أو أن يقولوا إن أي فنان يمكنه أن يفعل ما يريد دون أن يتعرض لأي نوع من العنت‮.. ‬خصوصًا وأن مجريات المسلسل قد توقفت في عام‮ ‬1972‮.. ‬حين مات الراحل العظيم إسماعيل يس‮.. ‬ولا علاقة لأحداثه بعصرالرئيس مبارك‮.‬

لكن تلك هي بالفعل إحدي رسائل العمل الرائع الذي أذيع علي قناة الحياة‮.. ‬واجتذبني رغم أنه لم يفعل ذلك مع الكثيرين‮.. ‬وبقي حاضر الإيقاع‮.. ‬سلس التتابع‮.. ‬بسيط المعاني‮.. ‬وهو يروي قصة هذا الفنان المدهش الذي أسعدنا جميعًا‮.. ‬حتي مات حزينًا منزويا ذابلاً‮ ‬من فرط الحصار في البلد الذي كانت ضحكاته سرًا من أسرار انبساطه ولم تزل‮.‬

والمعني الذي تقوله الحلقات الأخيرة أنه رغم أن إسماعيل يس كان نجمًا لعشرات من الأفلام التي مجدت الثورة وجيشها وعونا للعصر الجديد بعد‮ ‬1952‮ ‬وصولاً‮ ‬إلي الغناء بين الجنود في اليمن،‮ ‬إلا أنه تعرض لعنت رهيب‮.. ‬وملاحقات مختلفة‮.. ‬أدت إلي إفلاسه والحجز علي ثروته بسبب مطاردة الضرائب له‮.. ‬وذلك لأنه لم يكن يمسك لسانه‮.. ‬وكانت تفلت منه نكات شفوية ضد الثورة ورجالها في الصالونات‮.. ‬فعوقب إلي أن انتهي‮.‬

وبالطبع،‮ ‬يحمل المسلسل لإسماعيل يس‮.. ‬الذي شارك ابنه في كتابة السيناريو مع ابن رفيق دربه أبوالسعود الإبياري‮ (‬يس إسماعيل‮ + ‬أحمد الإبياري‮)‬،‮ ‬يحمله جزءًا من مسئوليات المأساة التي اختتم بها عمره‮.. ‬فهو لم يستوعب حقائق العصر رغم النصائح التي جاءته من كثير من أصدقائه‮.. ‬وجرفته الثقة في الذات‮.. ‬فلم يتطور‮.. ‬ولم يستوعب في فرقته الأجيال الجديدة‮.. ‬فضلا‮ ‬ًعن هجوم الدولة بأسلحة احتكار الفن التي أدت إلي تلاشي فرق الفنانين المماثلة‮.. ‬فانهارت فرقة إسماعيل يس‮.‬

ولابد من الاعتراف بأن مثل تلك الوقائع في سيرة الراحل المتميز لم أصادفها في قراءاتي،‮ ‬بل ربما لم أسع إلي قراءة سيرة حياته،‮ ‬ربما لأننا كنا نظن أننا نعرف إسماعيل يس ثم تبين لنا من خلال هذا العمل أننا لم نكن ندري عنه شيئًا وأننا إنما رأينا ضحكته ولم نر منه أحزانه التي تقطع القلب‮.‬

لكن تلك هي فائدة مثل هذا النوع من المسلسلات‮.. ‬ومن بينها أن تقول لعدد من الفنانين الحاليين إنهم يتمتعون بما لا يمكن مقارنته علي الاطلاق بعصور سابقة‮.. ‬وهم لا ينتقدون الحكم فقط في الصالونات وإنما يوثقون مواقفهم في أعمال فنية‮.. ‬تذاع وتنشر وتباع وتعرض في السينمات‮.. ‬بعد أن توافق عليها رقابة مصر الآن‮.. ‬ومن المدهش أن بعض تلك الأعمال‮ ‬يمجد زمن الثورة الذي أهان وحاصر إسماعيل يس‮.‬

من هذه الزاوية كان العمل التليفزيوني مخادعًا ومحتالاً‮ ‬علي مشاهديه‮.. ‬فقد وعدني ووعد‮ ‬غيري بسيرة مضحكة عن مضحك معروف‮.. ‬وكانت المفاجأة هي أنه‮ ‬قدم مأساة مؤلمة من البداية للنهاية‮.. ‬فقد كابد إسماعيل يس ظروفًا صعبة‮.. ‬منذ بدأ إلي أن صعد‮.. ‬وحتي اعتلي القمة‮.. ‬ثم مات في سريره مكتئبًا ومخنوقًا مما حوله‮.‬

ومن المؤكد أن الفنان الكبير أشرف عبدالباقي قد جسد في هذا العمل الراقي في بساطته واحدًا من أهم أعماله‮.. ‬بلا افتعال‮.. ‬وبتقمص جاوز صعوبات جمة لكي يسيطر علي الشخصية التي حفرت صورتها داخل كل منا‮.. ‬وهو ما وضع أشرف قيد اختبار فردي من ملايين المشاهدين‮.. ‬عبره بنجاح كبير في عقل وذهن كل منا‮.‬

لقد كان إسماعيل يس بسيطًا جدًا‮.. ‬وذلك أحد أهم أسرار روعته‮.. ‬وفيما يبدو فإن أشرف عبدالباقي قد امسك بهذا المعني فلم يحاول أن يتحذلق أو يتفذلك‮.. ‬كما لم يحاول أن يقدم نفسه للناس علي أنه إسماعيل يس نفسه‮.. ‬وإنما أن يجسد دور شخصيته‮.. ‬وألا يكون مقلدًا ساذجًا‮.. ‬وإنما ممثل ينقل لنا مأساة من كنا نعتقد أن حياته قطعة من عالم البهجة في حين أنه‮. ‬اكتوي سنوات طويلة بالعذاب والمعاناة‮.. ‬خاصة في ختام حياته للأسف‮.‬

تحية إلي أشرف علي هذا العمل الرائع‮. ‬حتي لو كان فقيرًا إنتاجيا للغاية‮.‬

الموقع الإلكتروني: www.abkamal.net
البريد الإلكترونى: [email protected]