الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا
هل هي فعلاً آخر الحروب ؟
كتب

هل هي فعلاً آخر الحروب ؟




 


 كرم جبر روزاليوسف الأسبوعية : 03 - 10 - 2009


- كان مستحيلاً أن يتحقق السلام دون أن تتجرع إسرائيل مرارة الهزيمة
- أهم دروس الحرب هي التلاحم الرائع بين ميدان القتال والجبهة الداخلية
- مصر تجنبت استفزازات كثيرة لتوريط جيشها في حروب وصراعات إقليمية
- الذين يبحثون عن دور عليهم أن يحاربوا وينتصروا مثلنا
- القوة هي التي تصون السلام وتجبر الآخرين علي احترام سيادة الدول
- إسرائيل كانت متأكدة.. أن سيناء لن تبقي طويلاً تحت الاحتلال
- أكتوبر هي آخر الحروب مادامت أرضنا محررة وأعلامنا مرفوعة في السماء
- تطوير وتحديث القوات المسلحة يجعلها دائماً علي أهبة الاستعداد
هي فعلاً آخر الحروب، مادام كل شبر من أرض الوطن يتمتع بالاستقلال، فالمصريون بالذات هم شعب يتميز عن غيره من شعوب العالم، بأنه لا ينام الليل إذا كانت هناك قطعة من أرض الوطن تحت الاحتلال.. وبعد نكسة 76 المريرة، ظل هذا الشعب يعد الساعات والأيام انتظاراً ليوم تحرير سيناء.
هي فعلاً آخر الحروب مادام علم مصر يرفرف خفاقاً في السماء، ونشيدها يشق الفضاء، فمصر دولة تسالم من يسالمها وتعادي من يعاديها، لا تعتدي علي أحد، ولكن الويل لمن تسول له نفسه الاعتداء عليها، أو المساس بأراضيها.
هي فعلاً آخر الحروب، طالما ظلت الكرامة الوطنية خطاً أحمر لا يتجاوزه الأصدقاء والأعداء، فمصر لا تدس أنفها في شئون جيرانها، وتحترم السيادة الوطنية لجميع الدول والشعوب، وتصون كلمتها وتعهداتها الدولية، ولا تنقض أبداً عهداً، ولا تمس معاهدة أو اتفاقية أبرمتها مع الغير.
--
ماذا.. لو لم تحارب مصر؟
قد يتصور البعض أنه كان باستطاعة إسرائيل أن تفعل بسيناء مثلما تفعل في الضفة الغربية والقطاع والجولان.. مماطلات لا تنتهي ومحاولات مستمرة لتوسيع مساحة المستوطنات، والتهام ما يمكن التهامه من أراض.. ولكن لم تكن إسرائيل لتهنأ بالراحة لحظة واحدة، لأن الأرض ستتحول تحتها إلي سجادة من النار، وسيناء هي فوهة البركان الذي يقذفها بالغضب.
كانت المنطقة كلها ستظل في حالة اللاسلم واللاحرب، وإسرائيل وحدها هي التي تدفع الثمن، لأنها لا تستطيع أن تعيش في حالة حرب لسنوات طويلة، ولا تستطيع أن ترهن مواردها وشعبها من أجل الحرب التي لا تقع والسلام الذي لا يجيء.
لو لم تحارب مصر، كانت الدنيا غير الدنيا، والعالم غيرالعالم، والأحداث غير الأحداث.. ولم يكن في استطاعة الدول الكبري أن ترهن ساعة التاريخ علي مؤشر الصراع العربي- الإسرائيلي التي تقف عند هزيمة 76، كان مستحيلاً أن يتحقق السلام ما لم تقع الحرب، وتكتوي إسرائيل بنيران الهزيمة، لتعرف أن بقاءها مرهون بالعيش في سلام وليس بقوة السلاح.
--
تحديث القوات المسلحة
لم تضع القوات المسلحة المصرية لحظة واحدة منذ انتهاء الحرب، واستمرت في تحديث أسلحتها وتطوير قدراتها القتالية، والحصول علي أحدث الأسلحة والتقنيات، لتظل الدرع الواقية لهذا الوطن، ولديها القدرة علي الدفاع عن أراضيه، والحفاظ علي استقلال التراب الوطني.
تطورت القوات المسلحة المصرية بشكل يدعو إلي التقدير والاحترام واستردت مكانتها العظيمة في قلوب المصريين، بعد أن أزاحت عن كاهل الوطن آثار الهزيمة، وأعادت الشعور بالعزة والكرامة لكل أبناء الوطن، بعد سنوات من الهزيمة والانكسار.. وأثبتت للجميع أنه لم تتح لها الفرصة الحقيقية للقتال في عام 76، ولكنها أُخذت علي حين غرة، في ظروف بالغة الصعوبة.
الإنسان المصري هو كلمة السر، وهو الذي استطاع أن يحول الهزيمة إلي نصر، سواء كان علي جبهة القتال ويحمل السلاح، أو في الجبهة الداخلية يقف وراء قواته المسلحة، في انتظار يوم الثأر، ولم يطل هذا الانتظار أكثرمن ست سنوات.
طالما ظلت القوات المسلحة قوية ويقظة وعلي أهبة الاستعداد لتأدية المهام التي تكلف بها.. ستكون حرب 37 هي آخر الحروب مع إسرائيل بالفعل، فالقوة هي التي تحمي السلام، وتجبر الدولة المعتدية علي احترامه، وحتي لا تسول لها نفسها أن تكرر مغامرتها المجنونة.
--
عقلانية القرار السياسي
منذ انتهاء حرب أكتوبر المجيدة حتي الآن، اتسم القرار السياسي المصري بالعقلانية الشديدة، في ظروف دولية وإقليمية ومحلية في غاية التعقيد والصعوبة، كان يمكن أن تدفعنا في اتجاه حروب جديدة مثلما حدث في عام 76، ولكن مصر استوعبت درس الحرب جيداً، وحافظت علي خيار السلام، سلام الشرفاء الذي تحقق بدماء وتضحيات أبنائها.
انفجرت الحروب من حولنا تباعاً في أفغانستان والعراق وفلسطين وجنوب لبنان والسودان واليمن وغيرها.. واستهدفت قوي كثيرة توريط الجيش المصري وجرجرته في حروب لا ناقة له فيها ولا جمل، وكرست القيادة السياسية المصرية مبدأ أن القوات المسلحة المصرية للدفاع عن مصر، وليست للحروب والصراعات الخارجية.
لا ننسي أبداً أننا تورطنا في حرب اليمن بالوقيعة، وفي حرب 76 بالاستفزاز، ودفعت البلاد ثمناً فادحاً وتضحيات هائلة، وتعطلت مسيرة التنمية سنوات طويلة، واستنزفت موارد الدولة بالكامل في الحروب التي خاضتها مصر بعد الثورة، وكان مخططاً لها أن تستمر في ذلك، لإجهاض عوامل قوتها أولاً بأول.
--
محاولات جر الشكل
تعمدت إسرائيل- علي سبيل المثال- أن تجر شكل مصر في كثير من الأحداث، ولكن مصر نجحت في تلقينها الدرس في كل مرة، بقدرتها علي الرد وعدم استجابتها للاستفزاز.. وكان الاختبار الأول هو نيتها التلكؤ في اتمام الانسحاب، ولكن نجح المفاوض المصري بالعزيمة والإصرار وروح أكتوبر، في أن يستكمل تحرير سيناء شبراً شبراً، وأن يستثمر نتائج الحرب في تحقيق السلام.
جربت إسرائيل سياسة لي الذراع، ولكنها لم تجد من مصر سوي الردع، ليس بالحرب، بل بكل الوسائل السياسية والدبلوماسية المناسبة، التي أفسدت مناورات تل أبيب، وحافظت في نفس الوقت علي الكرامة الوطنية.
حاولت إسرائيل أكثر من مرة أن تخلق وقيعة بين مصر والشعب الفلسطيني، ولكن مصر أثبتت في كل المواقف والظروف أن قضية الشعب الفلسطيني هي قضية كل المصريين، وأن مصر لن تتخلي أبداً عن التزاماتها التاريخية، وستمضي دوماً في طريق السلام، وتحقيق حلم إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
--
مصر هي الدرع الواقية للسلام
أدركت إسرائيل بعد سنوات طويلة علي الحرب، أن مصر هي رمانة ميزان السلام، وأنها الدرع الواقية التي تصون الأمن والاستقرار في المنطقة، وأنها الدولة الوحيدة القادرة علي مساعدة إسرائيل والفلسطينيين في التفاوض والحوار، بما تمتلكه من علاقات طيبة بمختلف الأطراف.
اكتسبت مصر الثقة، لأنها تقف علي مسافة واحدة من الفصائل الفلسطينية، وعندما أدركوا ذلك فعلاً، تحولت معاداتهم لمصر وحربهم الإعلامية ضدها، إلي صداقة وثقة وجسور مفتوحة، وتأكد الفلسطينيون أن مصر هي الدولة الوحيدة التي تستطيع أن تساعدهم، وهي الدولة الوحيدة التي تعمل لصالحهم، دون أغراض أو أهداف شخصية.
الثقة التي اكتسبتها مصر من إسرائيل والفلسطينيين علي حد سواء، هي مفتاح السلام والاستقرار في المنطقة، وهي عامل الأمان والطمأنينة، لأن هناك دولة في حجم وأهمية مصر يمكن أن تتدخل في الصراعات والأزمات الكبري، للتهدئة وحقن الدماء، مثلما حدث في حرب غزة الأخيرة.
--
بناء القوة الذاتية
هي فعلاً آخر الحروب، لأن مصر استطاعت خلال ال63 عاماً التي أعقبت الحرب أن تبني نفسها.. وشتان بين الدولة المنهارة التي استنزفتها الحروب، وبين مصر الحديثة الآن، التي تتمتع باقتصاد قوي وبأعلي معدلات التنمية، وبقدرة هائلة علي جذب الاستثمارات الأجنبية، بسبب تمتعها بالأمن والهدوء والاستقرار.
تغيرت خريطة مصر بنسبة مائة في المائة، وتحولت المناطق الصحراوية الشاسعة إلي مدن ساحلية وسكنية ومزارع ومناطق مستصلحة، وأنشئت مدن وقري ومصانع ومزارع، أكثر مما كان موجوداً أيام الحرب، وكانت قوة الاقتصاد المصري هي الرصيد الذي واجهت به زلازل اقتصادية مرعبة اجتاحت العالم، وأخذت في طريقها الأنظمة الشيوعية.
استطاعت مصر أن تتحول من اقتصاد شمولي إلي اقتصاد حر بسلاسة وهدوء، لم تحدث فيها اضطرابات اجتماعية مثلما حدث في دول أوروبا الشرقية، لم يتفكك المجتمع، وحافظت الدولة علي عوامل قوتها واستقرارها، تذود عنها قوات مسلحة قوية، ظلت علي أهبة الاستعداد للحفاظ علي النصر، وعدم العودة إلي سنوات الهزيمة.
التنمية الاقتصادية الشاملة هي التي جعلت مصر تقف علي أرض صلبة، رغم زيادة سكانها ثلاثة أضعاف منذ انتهاء الحرب، وهي أيضاً التي مكنت مصر من تفادي آثار الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة، التي أوجعت شعوب أكثر الدول تقدماً، واتخذت لمواجهتها قرارات صعبة ومؤلمة.
--
المكانة المرموقة والدور المحوري
يحلو لبعض الدول الإقليمية الصغيرة الآن أن ترمي مصر بالطوب والحجارة، بوهم أنه يمكن أن تنال من قدرها وقدرتها وأن تنتزع عوامل قوتها ودورها المحوري الكبير الذي تلعبه في المنطقة، ولكن هذه الدول تجهل أن مصر تبني قوتها فوق الحروب والتضحيات العظيمة لشعبها، وانتصارها المجيد في حرب أكتوبر.
هل تستطيع هذه الدول التي تبحث عن دور أن تخوض حرباً ضد إسرائيل وأن تحقق النصر، ليكون لها رصيد وتدفع عربون الدور الذي تبحث عنه، أم تتصور أن الأدوار تأتي لمن يمتلك الثروة ويفتقد مؤهلات الدور.
الأدوار لا تباع ولا تشتري، فمكانة الدولة لا تُكتسب بالرشاوي والأموال، فهذه أشياء تُغري ولكنها لا تصنع مجداً ولا نصراً.. ومكانة الدولة ودورها يصنعها رصيد كبير من التاريخ والجغرافيا والثقافة والعلوم والفنون والآداب، والقوة الناعمة الأخري، التي تقف علي خلفية المسرح السياسي لدولة كبيرة تمتلك- أيضاً- مقومات القوة الخشنة.
--
تحية لأبطال الحرب والسلام
كان مستحيلاً ألا تقع حرب أكتوبر، لأن هذا الشعب لا يقبل أن ينام وشبر واحد من أرضه في حضن الاحتلال.. وكانت المنطقة ستتحول إلي بركان غاضب يقذف حممه في كل اتجاه.. وكان مستحيلاً ألا يجئ السلام، حتي يلتقط العالم أنفاسه، لأن هذه المنطقة هي قلبه النابض بالثروة والبترول والحياة.
كان مستحيلاً أن تتوقف عجلة الزمن عند الهزيمة، وأن تتعطل خطط التنمية ومشروعات بناء الدولة الحديثة.. ولما حدثت الحرب وتحقق الانتصار، فنحن نجني الثمار، وننعم بالاستقلال والسلام والحرية.
تحية للقوات المسلحة العظيمة في يوم النصر الكبير، واقرأوا الفاتحة علي أرواح شهدائها الذين ضحوا بحياتهم من أجل أن تعيش بلدهم حرة كريمة مرفوعة الرأس والكرامة والكبرياء.
تحية لهذا الشعب العظيم الذي ربط الحزام فوق بطنه، وأقسم بالله ألا يهنأ له بال، إلا بعد أن يثأر لهزيمته ويسترد كرامته، ووقفت مصر كلها كرجل واحد وراء جيشها حتي تحقق الانتصار.
تحية للرئيس السادات، زعيم الحرب والسلام، الذي كان مقاتلاً شريفاً وليس محارباً مغامراً، وحافظ علي أرواح أبنائه ضباط وجنود القوات المسلحة، ومضي بثبات وقوة في طريق السلام.
تحية للرئيس مبارك الذي عرف معني الهزيمة فجنب البلاد تكرارها، ويعرف معني الانتصار فحافظ عليه، واستطاع أن يبني بلده بقيم ومبادئ قائد الحرب المنتصر، وصاحب الضربة الجوية الأولي التي مهدت الطريق إلي نصر أكتوبر المجيد.


كرم جبر


E-Mail : [email protected]