الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

وليد علاء الدين: نعيش الصراع ضد السلطة باسم الدين فى كل تفاصيل حياتنا

وليد علاء الدين: نعيش الصراع ضد السلطة باسم الدين فى كل تفاصيل حياتنا
وليد علاء الدين: نعيش الصراع ضد السلطة باسم الدين فى كل تفاصيل حياتنا




حوار - رانيا هلال

عن دار الكتب خان للنشر والتوزيع فى القاهرة، صدرت للشاعر والكاتب وليد علاء مؤخرا رواية «ابن القبطية» التى أثارت حالة من الجدل على مستوى الشكل الإبداعى الذى تضمنته وعلى مستوى طرحها الفكرى الذى يناقش - بطريقة جديدة- أحد أشد قضايا المجتمع المصرى – وربما العربى - حساسية، وهى - كما وصفها علاء الدين فى حوارنا التالى معه - بقضية «اليقين المغلق» الذى يجعل الناس لا يرون سوى من يشبهونهم ويرفضون كل مختلف معهم، وهو الأمر الذى يبدو جليًا فى فكرة كل صاحب دين ونظرته إلى أصحاب الأديان الأخرى أو إلى بقية البشر بشكل عام.
فى ضوء روايته «ابن القبطية»، ومسرحيته «72 ساعة عفو» التى حصلت على جائزة ساويرس لأفضل نص مسرحى 2015، كان لنا معه هذا الحوار.

■ هل تعمل الكتابة على إخفاء آلامنا أم على إظهارها؟
ـــ الكتابة بشكل عام وسيلة تعبير وتواصل، والكتابة الإبداعية وسيلة متعة وتسلية (دائمًا أجدنى نفسى مضطرًا لإيضاح أن المتعة والتسلية لا يعنيان المفهوم العربى السائد الذى يتضمن الأشياء التى لا قيمة لها)، الكتابة أشبه باللعب لدى الأطفال إذا استحضرنا أن اللعب هو الوسيلة الأهم لتنمية المهارات والتعبير عن الأفكار ومشاركتها وفهم الحياة والاستعداد لها.
■  فى رواية «ابن القبطية»، ماذا تعنى الفجوة اللغوية بين يوسف وباقى الشخصيات؟
ــ مفردات كل شخصية فى عمل وتركيباتها اللغوية مرتبطة بثقافة الشخصية وطريقة عمل عقلها، ويوسف هو الشخص الوحيد فى العمل الذى يفكر ويحلل كل مدخلات الحياة ومعطياتها بهدف تكوين رؤيته،  فى مقابل شخصيتين رئيستين نمطيتين ورثتا رؤيتيهما أبًا عن جد، لذلك فإن لغة يوسف واثقة بمنطق المتسائل المفكر المستعد للتطوير، بينما لغة الآخرين معبأة باليقين والصلف والغرور الذى يوارى عدم فهمهما.
■ تأرجحت العلاقة بين يوسف والسلطة الدينية الأخلاقية بين جانبى الترهيب والإغواء،كيف ترى أثر ذلك الصراع المستمر على المبدع بشكل عام؟
ـــ هذا الصراع ضد السلطة باسم الدين (وليس ضد الدين) هو ما نعيشه تقريبًا فى كل تفاصيل حياتنا، نحن مضطرون على طول الخط للتعامل مع أشخاص أغلقوا عقولهم على مجموعة من الأفكار باعتبارها الصواب المطلق، وبالتالى فكل ما لا يستطيعون فهمه أو التعامل معه هو الخطأ المطلق، ولم يكتفوا بذلك بل يحاربون من أجل امتلاك سلطة معاقبة المخالفين لما يرونه صوابًا إذا لم يخضعوا لنموذجهم. هذا النمط أصبح الأساس بداية من الأب والأم والأخ الأكبر، والجار ومدير العمل وسائق المواصلة ورئيس الحى والحاكم، الكل يظن أنه على صواب ويسعى لتغيير فكر الآخرين، هنا تتجلى لعبة الترغيب والترهيب، من لا يملك سلطة يعمل بمنطق الترغيب ومن يمتلك السلطة فإنه يلجأ إلى الترهيب. المبدع جزء من نسيج المجتمع، لكنه – كما يُفترض- يمتلك العقل الناقد الذى يؤهله للملاحظة – والملاحظة فى مجتمع مثل هذا أمر فى غاية الأهمية- لأن المنغمس لا يلاحظ وبالتالى لا يفكر سوى من داخل يقينه، هنا تبدو أهمية العقل الناقد القادر على الملاحظة بموضوعية ومحاولة التعبير عن ملاحظاته وتساؤلاته وقلقه بأشكال جمالية قادرة على استدراج الناس إلى عوالمها للتفكير والخروج من دوائر اليقين المغلق.
■  يحضر التصوير الشعرى فى بعض الجمل الحوارية، خاصة فى لحظات الانفعال؛هل ترى أن الشعر معادل لمستوى معين من التصاعد الدرامي؟
ـــ الشعر هو تجليات الفكرة فى أكثر صورها تكثيفًا، الشعر هو الإجمال وهو المطلق والمجرد، وكلما أردنا توسيع مساحة التساؤل وإضاءة زوايا القلق وإيضاح أبعاد الفكرة لجأنا إلى السرد، مثل طبقات الصوت فى الغناء ومثل مستويات الموسيقى بين القرار والجواب، يفعل الموسيقيون والمغنون ذلك لأنه أدوات تجميل منتجهم ولأن التنويع محفز على الاستمرار ونفى الملل عبر فتح أفق التوقع، فكلما قلت قدرة المستمع على توقع ما يأتى كلما زاد احتمال اندهاشه والدهشة أم الاستمتاع.  فى الإبداع الأدبى كذلك – لأنه إبداع - فلابد وأن يكون بديعًا أى جميلًا، وهذا التنويع محاولة لصنع حالة المتعة والجمال واستبقاء القارئ داخل عوالم النص.
■ هل أخرجتنا الأديان المتعاقبة من المتاهة الروحية، أم أدخلتنا فيها؟
ـــ لماذا نفترض وجود متاهة روحية؟ الروح رهينة الفكرة، الإنسان هو الفكرة التى تحكمه لا أكثر ولا أقل، لا قاتل يقتل إذا لم تكن لديه فكرة تبرر له القتل: صاحب ثأر يبرره بالشرف والعرض، المتعصب لدين يبرر القتل بإعلاء كلمة دينه، القاتل المأجور يبرره بأنه مصدر رزقه، ومن لا يجد تبريرًا فإن علم النفس يصنفه مريضًا، إذن راحة الروح تبدأ من الفكرة، نظل دائمًا نردد إن الأديان ليست مذنبة، وليست السبب فى مآسى الإنسان، ولكن كيف نرتاح إلى ذلك ونحن نعرف أن الأديان كانت وراء معظم جرائم العالم ومذابحه ومآسيه؟ كل فكرة تحاول الانغلاق على نفسها وتصنيف الآخرين خارجها قاتلة. من يريد أن يدافع عن دينه فليحرره من أسر ذلك.
■  الإنسان والغريزة.. من الذى ينتصر فى النهاية؟
ــ الأساس فى الغرائز أنها موجودة لتمكين الإنسان من العيش والبقاء، وعليه فإنه هو من يحكمها وليس العكس، الكثير من المصطلحات والمفردات فى حاجة  إلى تخليصها من مفاهيم سلبية تمت تعبئتها بها من أصحاب منظومات مغلقة لا ترى سوى ما تريد، الكثير من المفاهيم تمت مصادرتها وتلبيسها بمساحات كالحلال والحرام والمكروه وغير المستحب... إلخ، إلى أن عدنا لا نسأل أنفسنا بالنسبة لمن؟ ولماذا؟ وماذا إذا لم تكن كذلك؟ ولمصلحة من يتم ذلك؟ فقدنا الكثير من إنسانيتنا وفقدنا القدرة على التمتع بالجمال والحياة والحرية لأننا عطلنا عقولنا عن أداء دورها الطبيعي.
■  فى مسرحيتك (٧٢ ساعة عفو) جاءت نهايات المشاهد مفتوحة غير حاسمة، هل يتوقف دور الدراما عند طرح الأسئلة؟
ـــ هدف النص (72 ساعة عفو) إثارة السؤال والقلق بشأنه، لأن القلق حافز على التفكير والبحث وبالتالى تطوير السؤال وتوسيع مساحته لتكتشف فى النهاية أنه مفتوح على حزمة كبيرة من الإجابات أو على الأقل الطروحات القابلة للتداول كحلول، ولكن الأهم هو السعى نحو ذلك والانشغال به، شخصيًا لا أكتب لاقتراح حل، إنما أسعى لإشراك القارئ معى فى عملية التفكير نفسها، وهو ما يجعل البعض يشعر بالقلق من كتاباتي، لأننا اعتدنا إلى حد كبير على فكرة «الأستاذية»؛ أن الكاتب أستاذ والقراء يتعلمون، ربما هو نمط كان مناسبًا لزمن ما، لكنه لم يعد مقبولًا الآن، القراء أكثر وعيًا من الكتاب، فقط نحتاج إلى إيقاظ هذا الوعى وحثه على التفكير معنا بطريقة منظمة، هذا دور الكاتب الآن، نحن فى زمن لم تعد المعلومات فيه ثروة تجعل صاحبها ثريًا، إنما الثراء الآن فى الكيفية التى نفكر بها فى المعلومات ونتعامل معها ونطور بها مناهج التفكير.
■ من خلال كتاباتك وإصداراتك المختلفة، كيف تكشف الفانتازيا عن الأسرار المخبأة داخل الإنسان؟
ـــ الفانتازيا تشبه اللعب، من يلاحظ الأطفال أثناء اللعب سوف يكتشف أنهم قادرون على القيام بأشياء أو حل مشكلات لا يستطيعون فعلها حين تؤخذا الأمور على محمل الجد، وهنا تكمن أهمية الخيال بشكل عام، وهو أحد أبرز مقومات الكتابة الإبداعية التى تكتسب متعتها من قدرتها على خلق عالم تجتذب إليه القارئ فيتخفف من قيوده ويتجول بداخله ويتفاعل معه ويسمح لخياله بالتعاطى مع خيال الكاتب وأفكاره للتواصل مع أفكار الكاتب فيحدث التطور والتغيير. بخلاف الكتابة الوعظية التلقينية الأستاذية التى تنطلق من يقين مغلق متعالى يهدف إلى إملاء وتلقين أفكاره على المتلقي.
■ العصافير تطير أو لا تطير، كيف يؤثر الزمن على شعورنا بخفة الأشياء؟
ـــ هذه اللعبة هى أحد محاور مسرحية «البحث عن العصفور» الفائزة بجائزة الشارقة للإبداع العربي، وهى فى النهاية مسرحية عبثية تنظر إلى الأشياء من خلال فكرة: ماذا لو بدلنا الأدوار؟ ماذا لو فكرت لجزء من الثانية أن ما تقوله ليس صحيحًا وأن ما يقوله الآخر هو الصحيح؟، ماذا لو أن العصافير التى تتحدث عنها وأنت موقن بأنها تطير ومستعد للقتال من أجل يقينك بذلك؟، ماذا لو أنها غير العصافير التى يوقن الآخر بأنها لا تطير ومن المستحيل أن تكون؟ ماذا لو اكتشفتما أن عصافيرك غير عصافيره وأنكما فقط فى حاجة للإنصات إلى بعضكما البعض؟. هل هو الزمن أم أنها فكرتنا عن الزمن أم فكرنتنا عن الأفكار؟ لا أعرف يقينًا.
■ هل كانت السيمترية فى النص الأخير مغالاة فى التشاؤم، أم أنها حملت بعض الأمل؟
ـــ النص الأخير هو كذلك نص «البحث عن العصفور»، ربما بشكل واع أقول إن حرصى على تشابه الأشياء هو تحييدها للتركيز على الإنسان، ما يفرق إنسانًا عن الآخر هو ما يفكر فيه، أن يكون الرجال كلهم فى هيئة متشابهة وأن يكون لون المسرح رمادى وأن يحظى كل منهم بمقعد شبيه بمقعد الآخر، هو تأكيد على أن الفرق ليس هنا، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إشارة إلى أن الأشياء هى ما نراه فقط فإذا تغيرنا نحن تغيرت الأشياء.
■ كيف ترى الكتابات المسرحية الموجودة حاليا؟
ـــ من الصعب التعميم، لكن عندى ملاحظة مبدئية وهى أن الكثير من كتاب المسرح يستعيرون شخوص وأحداث التاريخ والتراث لبناء عوالم نصوصهم المسرحية، وهو أمر لا أعرف سببًا جماليًا للإصرار عليه، فى المقابل هناك الكثير من الكتابات القائمة على إعادة تدوير أفكار سابقة أو استلهام نصوص عالمية، وهى أيضًا ظاهرة غريبة لا أفهمها. نحن فى حاجة إلى مسرح يشبهنا ويخرج من بين حكاياتنا ليدعونا فى التفكير فيها.