الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

واحة الإبداع ..قلمٌ على مذبح الحروف..؟!

واحة الإبداع ..قلمٌ على مذبح الحروف..؟!
واحة الإبداع ..قلمٌ على مذبح الحروف..؟!




يسيل بجوار النيل فى بر مصر نهر آخر من الإبداع.. يشق مجراه بالكلمات عبر السنين.. تنتقل فنونه عبر الأجيال والأنجال.. فى سلسلة لم تنقطع.. وكأن كل جيل يودع سره فى الآخر.. ناشرا السحر الحلال.. والحكمة فى أجمل أثوابها.. فى هذه الصفحة نجمع شذرات  من هذا السحر.. من الشعر.. سيد فنون القول.. ومن القصص القصيرة.. بعوالمها وطلاسمها.. تجرى الكلمات على ألسنة شابة موهوبة.. تتلمس طريقها بين الحارات والأزقة.. تطرق أبواب العشاق والمريدين.  إن كنت تمتلك موهبة الكتابة والإبداع.. شارك مع فريق  «روزاليوسف» فى تحرير هذه الصفحة  بإرسال  مشاركتك  من قصائد أو قصص قصيرة «على ألا تتعدى 055 كلمة» على الإيميل التالى:    
[email protected]


قلمٌ على مذبح الحروف..؟

كتبتها - شيرين ماهر

على مذبح الحروف راح يتراقص فى خيلاء.. أقسَم بأن يُعانِق دفاتره حتى يفى بوعده الأخير.. راح يحبو مُستَجمِعاً أنفاسه المُتقطِعة كى يُلامِس الزوايا الأربع المقدسة لوريقاته المُدللة، (فالأوراق هى معشوقته الأولى).. كان يود لو راقصها رقصة تانجو دافئة مليئة بالحيوية ليتخفف معها من أحماله وينفض عن جناحيه غبار الصمت الطويل، فإذا ما طال الصمت، بدا معه الصبر مُنذِراً بالكثير.  
وبعد أن استجمع قواه، راح يتمايل فى نشوة الألم مابين أعواد الرياحين وأعناق الياسمين وجدائل الزنبق، ليأخُذ بين أحضانهم غفوته الأسطورية قبل أن يُرفَع نَعشه، ربما كان (كبرياء) الألم سر نشوته.. وفى ذروة هذا العبق الصارخ الفواح أخذ يرقص رقصة الموت غير مكترثاً بمسرح عذاباته، فكم أراد أن يكون موته كلاسيكياً ليعتق الذكرى فى موكب الرحيل.
راح يتخلص من كوابيسه بطردها خارج دائرة وعيه، مُلقياً كافة الإساءات المتراكمة والتَقصُد اللعين فى جُب التناسى لا النسيان.. وإذا بقطرات دمائه تتساقط وتنقش بين أحضان السطور عبارته المفضلة.. (الرحيل يليق بمن أرادوا كبرياء البقاء) ولا تسلوا كيف، لأنه البقاء وفقاً لقوانين عالمه وليس عالم الآخرين!!.
بدا وكأنه يمارس ارتجاله الفلسفى المُعتاد حين ينتابه الألم ولا يستطيع أحد مجادلته فيما يفضى به، فكم كان يُناضِل كـ«باليرينا جريحة» ممشوقة القوام أرادت أن تُطوِق نسمات الروح فى دورانها الرشيق.. أخذ يقترب فى حنو وحنين جارف مُحتضناً محبرته الباكية التى أراد أن يودعها وداعاً لائقاً، فكان يشتاق ليملأ رئتيه بنسيم أحبارها التى لا يُزايِد على طيب نسائمها  نسيم.. راح يُكمِل نقوشه على الأوراق ساطراً (قريباً أودع عبق الروح، واستقر ساكناً على منضدتى فى انتظار أن تجف صحائفى المليئة بالوجع).. كان على الأرجح يُتابِع هَذيه!
وبعد أن فرغ من وصاياه، تمدد على طاولته، مُلتقطاً أنفاسه الوَهِنة المجهدة، مستعيداً ذكرى ريعانه، متزيناً بعطر سطوره الأنيقة، جامِعاً ذكرياته الثرية، قاطعاً وعوده بأن ينافس الموت فى هيبته، ويقارع النهاية بحُجة النزال الشريف.. ثم تساءل فى مكابرة تأبى الرحيل.. كيف يتسلل إليه (الموت) وهو يحمل تميمة الحياة بين ثناياه؟؟ يبدو أن (رقصة انتشائه) قد حررت أوجاعه النازفة حين اختلطت بدَمِه الفواح الذى سال وخصب ساحاته، وإذا به يُقرِر إفساد مراسم تأبينه والتخلُص من كفنه، فأسلم ساقيه للرياح إلى أن اِكتمل دورانه فيما يشبه دوامة عميقة يمكنها ابتلاع كل مَن يقترب.
ربما سَرى فى أوردته مِداد من الكلمات التى أبدلت نهايته ببداية مقدسة، فتحول موكب وداعه إلى ما يشبه «رقصة الدارويش» حين يتجلى الوصل وينضج الوَجد ويتصل المدَد.. وبعد أن كان ينشد رحيلاً كلاسيكياً فحسب، وهبته أوراقه - التى احتفى بوداعها - ميلاداً أسطورياً أَقسَم له بأن يمنحه الخلود ويتحدى كل من حاول إراقة دمه الذكى، فصار يحمل تميمة نصره فقط عندما تسَلح بعشقه لهويته لا بسلاحه وأنصاله.. هنيئاً لك أيها «القلم»، فقد طابت لك النهايات والبدايات على السواء!!