الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«أهلاً رمضان» .. وإحياء القطاع الخاص بنضجه وعنفوانه على مسرح الهرم

«أهلاً رمضان» .. وإحياء القطاع الخاص بنضجه وعنفوانه على مسرح الهرم
«أهلاً رمضان» .. وإحياء القطاع الخاص بنضجه وعنفوانه على مسرح الهرم




الحب رزق والنجومية أيضا رزق، وليس هناك منطق يحكم أو يحدد هذا الرزق، كما أنه ليس هناك تفسير علمى واضح يتحكم فى حب الجمهور، وتفضيله لنجم عن الآخر، وبالتالى لا يمكن محاكمة أو محاسبة محمد رمضان، على حب الجمهور له، أو على إقباله الشديد عليه، لأن التفسير الوحيد يكمن فى النجاح، ونجح هذا الرجل فى التأثير على قطاع عريض من الجماهير، سواء اختلفنا أو اتفقنا على نوعية هذا التأثير، لا يمكن إنكار أنه مؤثرا وبشدة،
يأتى التأثر بشخص عادة من شدة صدقه واندماجه فيما يحمله من أفكار أو رسالة، وهذا هو حال الفنان المجتهد والموهوب، الذى يتمكن من الوصول وبسهولة لقلوب محبيه، تعرض رمضان طوال الفترة الماضية إلى انتقاد عنيف، بسبب تأثر الجماهير بمسلسل الأسطورة، ومحاكاة البعض لبطل المسلسل فى تصرفاته، لكن إذا تعمقنا فى تماهى الجمهور مع الشخصيات التى قدمها رمضان فى أعماله، لا يمكن أن نلقى باللوم عليه، لأن هذا ليس منطقا سليما فى النقد والتحليل، وبدلا من محاسبته وتحميله مسئولية إفساد الشعب المصرى، من الأولى أن تنتبه الدولة، لهذا الشعب المصرى، لأنه من الواضح أن هذه الشخصيات المنحرفة أخلاقيا، التى جسدها رمضان حية ترزق بيننا، لأن الفن فى النهاية مرآة وتجسيد للمجتمع وليس العكس، ويبدو أن هؤلاء يحملون رغبات مكبوتة لممارسة العنف المجتمعى ليس بسبب محمد رمضان، ولكن بسبب انحرافات كثيرة وخلل نفسى داخلهم وداخل مجتمعهم المنغلق، الذى أدى بهم إلى هذه النتيجة، وبالتالى سرعة محاكاة ما يجدون أنفسهم فيه على الشاشة، وكل ما فعلته أعمال رمضان هى فضح ما تخفيه خبايا هذه الطبقة المنسية، لأن «كل إناء ينضح بما فيه»!!
 لذلك إذا شئنا اللوم على محمد رمضان، يكون فى شىء واحد فقط، هو حصر نفسه كفنان فى هذه الأدورا، سواء البطل الشعبى أو البلطجى، وهو ما قد يحرمه من لعب الكثير من الأدوار المتنوعة فى حين أنه يمتلك موهبة تمنكه من تحقيق أضعاف ما حققه من نجومية اليوم، ويأتى ذكاء النجم أو الفنان المحترف فى كيفية استغلاله لطاقته التمثيلية، بالتلون ولعب أدوار مختلفة، وكان ذكاؤه هذه المرة فى أنه لم يستسلم للشكل التقليدى الذى اعتاد الظهور به فى الأفلام والمسلسلات، بآخر أعماله مسرحية «أهلا رمضان» للمخرج خالد جلال، والتى تعرض يوميا على مسرح الهرم، وتشهد عودة قوية لمسرح القطاع الخاص على يد المنتجين عماد زيادة ووليد صبرى، حيث تبنى الاثنان مغامرة النزول بعرض جديد على مسرح مغلق منذ خمس سنوات، من بعد أحداث ثورة يناير ثم 30 يونيو، وكان قد تعرض هذا المسرح إلى حالة انهيار فى بنيته التحتية، لكن الاثنين لم يترددا فى المغامرة لإعادة هيكلة وإحياء المسرح تقنيا من جديد، وانطلقت بالفعل هذه التجربة المهمة التى تذكرنا بأعمال مسرح القطاع الخاص الراقية، والتى افتقدها الجمهور سنوات وسنوات، بعد توقف مسرح عادل إمام وسمير غانم ومحمد صبحى!!
«أهلا رمضان» حدوتة بسيطة كتبها المؤلف وليد يوسف، تتناول قصة رجل أعمال كبير أهمل بيته وأبنائه، ولم يفكر سوى فى مصالحه المالية وأحوال صعود وهبوط البورصة، حتى انه لا يعلم أى تفاصيل عن حياة أبنائه الدراسية واليومية، فمنهم من استسلم للجماعات المتطرفة وأصبح إرهابى، وآخر مدمن، والثالثة شيوعية اتبعت أهواء أحد زملائها الانتهازين، الذى أراد استغلالها ماليا بالزواج العرفى، ثم الأخير الذى يعانى من إعاقة ذهنية ولا يستطيع التواصل مع من حوله، وبين هذه المشاكل والأزمات الطاحنة التى تعانى منها هذه الأسرة، يعيش محمد رمضان الخادم الصعيدى البسيط بالقصر، ويحب أبناء هذا الرجل الفنان أحمد فؤاد سليم برغم كراهيتهم الشديدة له، ويحاول إصلاح أحوالهم جميعا مع مديرة القصر روجينا، بالطبع القصة ليست قصة مسرحية معقدة التناول والتأويل، بل هى قصة بسيطة جمعت عددا كبيرا من النجوم، لتقديم عمل فنى راق ومحترم، يحمل مفردات فنية عالية الجودة، وصورة مسرحية جاذبة، فبدءا من نجم العرض محمد رمضان الذى بدا واضحا استسلامه الشديد للمخرج خالد جلال كى يقدم شخصية ليست جديدة تماما عليه، لكنها مغايرة للشكل التقليدى الذى اعتاد الظهور به، ولعبها ببساطة، واحتراف، ولم يخرج عن النص كعادة النجوم الكبار أو يستغل حب الجمهور لما سبق وقدمه من شخصيات فى أعماله السابقة، فيحشرها أو يدخلها عنوة على دراما العرض، كى ينتزع الضحك من الجمهور كما يفعل البعص، بل على العكس بدا ملتزما وغير مفتعل على الإطلاق، وهكذا كانت روجينا بطلة العرض والفنان أحمد فؤاد سليم فى دور الآب، وجميع من شارك بهذا العمل كانوا ملتزمين بقيم وتقاليد المسرح، خاضعين لتوجيهات وأسلوب المخرج فى تقديم أعماله، دون تعال أو استكبار، فهذا العرض لا يقل جودة فنية عن كل أعمال خالد جلال السابقة، وهو ما يحسب له، ولنجوم العمل جميعا، بجانب الشباب المشاركين فى بطولته، وهم هنا الزاهد، شيماء سيف، حسام داغر، محمد على رزق، عبد العزيز حسين، أحمد محارب دوجلاس، حسن عبد الفتاح، أحمد سلكاوى، منصور أمين، أمجد الحجار، أحمد شاذلى، سوزان عبد الستار، سارة هريدى، ألحان المهدى، اسراء الصابونى، كريم أبو الصالحين، ديكور وإضاءة عمرو عبد الله، وموسيقى وألحان عمرو مصطفى، استعراضات عاطف عوض، ومخرج منفذ علا فهمى.
 لم يقتصر نجاح المسرحية على التزام الممثلون فقط، بل يجب أن نتوقف طويلا عند عودة مصمم الاستعراضات عاطف عوض إلى سابق عهده وازدهاره، فهو يكتب بهذا العمل عودته وبقوة كمصمم استعراضات لا يشق له غبار، احتوى العرض منذ بدايته وحتى النهاية على أكثر من مشهد استعراضى متنوع ومختلف، لا يشبه الاستعراضات المسرحية التقليدية، سواء فى الحركة أو التصميم أو أداء الراقصين وحيويتهم على المسرح، أو حتى فى ملابسهم التى تفننت مصممة الأزياء مروة عودة، فى تصميمها بتنوع شديد، وكأن علبة ألوان محكمة الاختيار، توزعت بمهارة وإتقان على خشبة المسرح، خصوصا فى الاستعراض الأخير، بدا الراقصون أكثر حيوية واستيعابا لكل مشهد يقدمونه فى الفصل الثانى من العرض، وكأن عوض يعيد بهذه المشاهد المتعددة على اختلافها وتنوعها حالة المتعة والبهجة المفقودة للمسرح، والإبهار فى مشهد «سوبر مان» الذى لعبه رمضان لإنقاذ حسام داغر من العالم الافتراضى الذى يعيش داخله، وكذلك المخرج المسرحى خالد جلال الذى أصبح اسمه اليوم علامة تجارية مميزة، فلا يمكن أن يقترن هذا الاسم بعرض مسرحى ضعيف أو هزيل أو غير لائق فنيا أو أخلاقيا، سواء قدم عمله فى القطاع العام أو الخاص أو بمسرح الهواة!!
اجتمعت هذه الأسماء والعناصر المسرحية من ديكور وإضاءة واستعراضات وتمثيل وإخراج وأغانى وألحان لتعيد للقطاع الخاص نضجه الفنى وعنفوانه، والزحام الجماهيرى، الذى كان مفاجأة حقيقية للجميع، رغم ارتفاع أسعار التذاكر، لذلك يعتبر عرض «أهلا رمضان» هو خلاصة عمل مؤلف واع، وممثل موهوب ومحترف، ومخرج كبير يجيد غزل وتشبيك كل العناصر الجيدة حتى يخرج بعمل مسرحى مبهج ومبهر، ومنتج مغامر وجرىء كان له السبق فى الإقدام على التجربة، وشرف المحاولة والبداية.
قدم المخرج خالد جلال عدد من الأعمال المسرحية للقطاع الخاص منها «لما بابا ينام»، «مرسى عاوز كرسى»، «المستريح»، «هلاهوتة وبركوتة»، وكان قد تعرض القطاع الخاص إلى فترات ازدهار وانهيار كبيرة، لكن تمخض عنه فى وقت ازدهاره عدد لا حصر له من الأعمال المسرحية المهمة والمتميزة، التى عاشت مع الشعب المصرى حتى يومنا هذا، ولا يكل أو يمل منها مهما أعيد عرضها مرارا وتكرارا على القنوات الفضائية، مثل عروض الفنان الراحل فؤاد المهندس «سيدتى الجميلة»، «أنا وهو وهى»، «روحية اتخطفت»، «علشان خاطر عيونك»، «إنها حقا عائلة محترمة»، «سك على بناتك»، «هالة حبيتى»، وكذلك فى فترة الثمانينيات والتسعينيات قدم الفنان محمد صبحى مسرح من نوع خاص، حيث لعب على تيمة القطاع الخاص الفقير، حتى يتمكن الجميع من مشاهدته وإعتمد فى عروضه على المتعة والفكر، وشكل وقتها توأمة مع المؤلف لينين الرملى، وقدما معا أهم عروض القطاع الخاص «انتهى الدرس يا غبى»، «الهمجى»، «على بيه مظهر»، «أنت حر»، «بالعربى الفصيح»، «وجهة نظر»، «تخاريف»، كما قدم صبحى بمفرده «هاللو شلبى»، «الجوكر»، «البغبغان»، «ماما أمريكا»، «كارمن»، «لعبة الست»، وكذلك الفنان عادل إمام الذى حقق نجاحا كبيرا، على مدار سنوات طويلة بعروض «مدرسة المشاغبين»، «شاهد ما شفش حاجة»، »الواد سيد الشغال»، «الزعيم»، «بودى جارد»، والفنان سمير غانم الذى قدم «المتزوجون»، «جحا يحكم المدينة»، «أهلا يا دكتور»، «أنا ومراتى ومونيكا»، «مراتى زعيمة عصابة»، أخويا هايص وأنا لايص»، وغيرها الكثير من الأعمال المسرحية المهمة والمتنوعة، التى شهدتها فترة صعود القطاع الخاص، والذى ارتبط ازدهاره بالسياحة العربية، التى بدأت تتراجع شيئا فشيئا بعد حرب الخليج، إلى أن توقفت تماما بعد ثورة 25 يناير، وبالتالى انهار القطاع الخاص وأغلقت مسارحه، ولم يسفر إلا عن بعض المحاولات الضئيلة للمنتج أحمد الإبيارى الذى أنتج عرض «سكر هانم» إخراج أشرف زكى وبطولة لبنى عبد العزيز روجينا وأحمد رزق وإدوارد وأحمد السعدنى، ثم كرر زكى التجربة مؤخرا بمسرحية «بابا جاب موز» على مسرح الريحانى أيضا، بطولة طلعت زكريا ورانيا فريد شوقى، ومن نظرة عامة على العروض السابقة سنجد أن عروض القطاع الخاص، كانت فنيا عكس ما يشاع عنها تماما، بأنها أحد طرق المسرح المبتذل والرخيص، لأن كل ما سبق وذكرناه من أعمال مسرحية متميزة وهناك ما لم يتاح لنا ذكره، كانت من أشد عروض المسرح قوة وانسجاما مع الجمهور، بل شكل معظمها على مدار سنوات طويلة وجدان الشعب المصرى، وفتحت هذه الأعمال المجال وقتها للمنافسة، بين القطاعين العام والخاص.. واليوم يأمل الجمهور أن تعيد «أهلا رمضان» للقطاع الخاص قوته وحضوره من جديد، وتفتح الباب لتشجيع المنتجين والنجوم للعودة لخشبات المسارح، وبالتالى ستفتح مجالا لتغيير ثقافة الفرجة المسرحية لدى الجمهور.