الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

على حلنى نقيب الصحفيين الصوماليين: المواطنون يدفعون فاتورة الحياة كاملة والفقراء فرائس للجوع والجهل والتطرف

على حلنى نقيب الصحفيين الصوماليين: المواطنون يدفعون فاتورة الحياة كاملة والفقراء فرائس للجوع والجهل والتطرف
على حلنى نقيب الصحفيين الصوماليين: المواطنون يدفعون فاتورة الحياة كاملة والفقراء فرائس للجوع والجهل والتطرف




حاوره: أيمن عبدالمجيد


مع تضاعف الوجع العربى، بتعدد دوله الفاشلة من العراق إلى الصومال فسوريا وليبيا، بات رصد معاناة اللاجئين والمهجرين الفارين من ويلات الحروب بها شبه يومى فى وسائل الإعلام، يلتقيهم مندوبو الوسائل الإعلامية حيث يحطون رحالهم ببلدان أكثر أمناً، وربما تستقر جثامين بعضهم الغارقين فى المحيطات ممن لم يسعفهم الحظ فى بلوغ شاطئ الأمان.
لكن كيف هى الحياة فى دولة فاشلة، كيف يعيش من تمسكوا بالبقاء أو أجبرتهم الظروف عليه، داخل حدود أوطانهم التى مزقتها الصراعات القبلية والحروب الأهلية والطائفية فى محارق النزاع على السلطة وكراسى الحكم، كيف يعيشون بين مطرقة الجوع والفقر وسندان تنامى الأخطار وانعدام الأمن؟! أسئلة ربما لم تطرق أذهان البعض بقدر الاهتمام بهجرات الفارين من الموت.
«روزاليوسف» بحثت عن إجابات لهذه الأسئلة وغيرها، فكان لقاؤها هذا مع أحد المرابطين فى أوطانهم المتآلمة، من رحم المعاناة وآلام الحياة فى دولة فاشلة، تحدث على حلنى نقيب الصحفيين الصوماليين، الذى واصل حياته فى وطنه فى ظل المخاطر التى تحدق بالإعلاميين بالصومال التى انهار نظامها 1991، وبعدها كانت العراق وليبيا، وسوريا مهددة بذات المصير.
والدولة الفاشلة فى أدبيات القانون الدولى، هى تلك الدولة التى تعجز حكومتها القائمة عن بسط نفوذها على كامل أراضيها، أو تلك العاجزة عن حماية حدودها وتوفير الخدمات الأساسية لمواطنيها.
فى الدولة الفاشلة «لا حقوق ولا واجبات للمواطنين، والحماية فى كنف القبيلة» يقول نقيب الصحفيين الصوماليين الذى التقيته على هامش زيارة قصيرة للقاهرة، مضيفاً: «كل فواتير الحياة من متطلبات الطعام إلى التعليم والعلاج يدفعها المواطن، ومن لا يملك مالًا أو منتم لعائلة وقبيلة تدعمه يصبح فريسة للفقر والمرض والتطرف»..«الدولة الفاشلة يحكمها ألف ديكتاتور وأمير حرب» ..
 

■  ما مفهومك للدولة الفاشلة وموقع الصومال من ذلك؟
- الدولة الفاشلة هى الدولة التى بلا حكومة قادرة على بسط نفوذها على الأرض وتأمين مواطنيها وحدودها، والصومال منذ سنوات طويلة مصنفة دولة فاشلة، ولكن لدى تحفظ على تلك التعريفات التى توضع بشكل فوقى من الدول الكبرى، التى تتجاهل التنوع واختلاف الظروف فى كل دولة من دول العالم الثالث، فوفق بعض التعريفات الصومال دولة نصف فاشلة، ووفق أخرى فاشلة بشكل كامل، لكن المؤكد أن الحكومة الصومالية الحالية لا تبسط نفوذها السياسى على كامل الأراضى داخل حدود الدولة، ولا تسيطر على الأوضاع الأمنية والاقتصادية.
■ ما طبيعة تحفظك؟
- يكمن فى صعوبة تحديد تعريف شامل وجامع لاختلاف طبيعة كل دولة
■  كيف بدأت مأساة الحرب الاهلية الصومالية رغم تجانس الشعب من حيث الدين واللغة وحتى المذهب الواحد؟
- سقطت الصومال فى براثن الحرب الأهلية عام 1991 بسقوط نظام سياد برى، فرغم التجانس فى اللغة والدين حتى المذهب بين أبناء الشعب الصومالى حيث لا طائفية، فإن الدولة شهدت حربًا أهلية قبلية طاحنة، استمرت 9 سنوات قبل أن تضع أوزارها عام 2000، فقد حطت الحرب الأهلية القبلية أوزارها منذ  16 عامًا، لكن ما زالت لعنة تلك الحرب الأهلية تلاحق الصوماليين ويدفعون ثمنها حتى الآن.
■ من أين أنبتت بذور تلك الحرب؟
- الصومال استقلت عن الاستعمار الإنجليزى عام 1960، وبدأ فيها نظام شبه ديمقراطى فى تداول السلطة استمر تسع سنوات، شهدت الصومال عقبها تجربة غير مسبوقة فى إفريقيا حينها، بتنازل الرئيس آدم عبدالله عثمان عن كرسى الحكم، دون دماء،   بعد هزيمته فى الانتخابات، فذهب الرئيس لمنزله استجابة لنتيجة الانتخابات وجلس به مكرماً حتى وفاته دون أن يتعرض له أحد بسوء، لكن مع  استيلاء سياد برى على السلطة 1979 رغم استمراره ورفاقه 21 عاماً فى الحكم بلا منازع،  فشلوا فى تطوير الدولة،  واهتموا فقط بالعاصمة وتجاهلوا أطراف الدولة رغم رفعهم شعار الاشتراكية، ما منح قيادات المعارضة فرصة لاستقطاب قبائل الأطراف وبدأت سلطة سياد برى تتزعزع حتى انهارت وسقط نظامه 1991.
وعندما لم تستطع الدولة خلق نظام بديل لنظام سياد بري، تحولت الحرب من معارضة ضد حكومة إلى حروب قبلية ضد قبيلة الرئيس وتفشت ظاهرة النهب والاستيلاء على الأملاك، فلم يكن هناك تمييز خلال الحرب القبلية بين الحكومة والدولة واملاكها فتم تحطيم البنية الاساسية للدولة من بنوك وخلافه، وتم الخلط بين النظام الحاكم والقبيلة التى ينتمى إليها الرئيس، فكان الاستهداف لابناء قبيلة الرئيس وليس فلول النظام ككل فبعضهم يلاحق وبعضهم محمي فكان الخلل، واكتشفنا أن التعصب أسوأ من الطائفية أحياناً، فالقبلية تحمل بين طياتها احيانا كثيراً من بذور التقاتل.
■ لكن النظام الحالى قائم أيضًا على المحاصصة القبلية؟
- فى الصومال أربع قبائل رئيسية وعدد من القبائل الصغيرة، الأمر الذى دفع الاتحاد الإفريقى والدول الراعية لمفاوضات انهاء القتال فى الصومال إلى ابرام اتفاق «4.5» الذى تم بمقتضاه تقاسم السلطة عبر المحاصصة القبلية حيث تتولى قيادات كل قبيلة من الأربع الكبار ترشيح عدد من ابنائها نواباً للبرلمان ووزراء، فيما تتولى القبائل الصغيرة مجتمعة ترشيح نسبة، وهى الآلية التى شكل بمقتضاها الحكومة الحالية والبرلمان القائم كحل مرحلى.
■ كان من المنتظر إجراء انتخابات جديدة 2016 بالاقتراع السرى المباشر لكنها لم تحدث هل يمكن تحققها فى المستقبل القريب؟
مستحيلة الآن وربما فى عام 2020 يستحيل تحققها فالدولة ليس لديها حتى الآن قواعد بيانات كاملة للمواطنين، فمعظم الشعب بلا بطاقات هوية، لدرجة أنه عندما يتسبب شخص فى حادثة ويتم توقيفه تسأله الشرطة عن نسبه فيقول فلان ابن فلان من قبيلة كذا وأمى فلانة بنت كذا من قبيلة كذا، بدون أى اوراق ثبوتية فتتصل الشرطة بزعماء القبيلة للتأكد من صدقه، فالحكومة تتواجد بقدر محدود فى العاصمة، بينما الاطراف يسيطر عليها تنظيم الشباب، وكل شيء يحتاجه المواطن يدفع المواطن ثمنه، فالتعليم والصحة والطعام يدفع ليحصل عليها من يستطيع دفع تكلفة الخدمة، فجميعها يوفرها القطاع الخاص ورجال الأعمال، ورغم الحياة البدائية فإن التكنولوجيا متوافرة فتجد راعى الجمال يحمل تليفوناً محمولاً من أحدث طراز.
■ فسر  لنا هذا التناقض بين غياب الخدمة والحياة البدائية ووجود التكنولوجيا؟
- لدينا ديمقراطية رعوية بدوية، مركزها القبيلة فى غياب الدولة، فبقدر ما تسببت النعرات والحسابات القبلية فى اذكاء الحرب الأهلية، كانت القبيلة بأعرافها وقوانينها عامل الحماية للمواطن فى ظل غياب الدولة، فكل قبيلة بما تملك من قوة تمثل عامل وقوة ردع للأخرى، مثل قوى الردع النووى بالدول العظمي، فمواطنو القبيلة يتحركون فى اى مكان أمنيين لإدراك القبائل الأخرى أن اعتراضهم بسوء سيتم الرد عليه بقوة ويعرض ابناء القبيلة المعتديه للانتقام وهنا توافر عامل الأمن النسبى وبالطبع هذا حدث بعد وقف الحرب القبلية.
وامتدت تلك الحماية القبلية إلى النشاط الاقتصادى، حيث عمل رجال الأعمال المحليون والأفراد على جلب السلع المستوردة وانشاء الشركات فيما نظر لذلك المواطنون على أنه دور وطنى منهم يخدم الشعب ويسهم فى بناء الدولة، وعندما بدأ البعض فى إنشاء شركات كبيرة مثل شركات المحمول والاتصالات تم ذلك بشراكة بين العديد من ابناء القبائل المختلفة لتتحقق الاستفادة المشتركة ولتوفير الحماية الجماعية لها، فكما أن هناك فى الدول الحديثة شركات متعددة الجنسيات، ففى الصومال شركات متعددة القبائل.
■ ما مدى استفادة أبناء القبائل من الأنشطة الاقتصادية لبعض أبنائها؟
- القبيلة تفرض نظام تكافل اجتماعى إجباري، فالشعب الصومالى بطبيعته وأعرافه حريص على التكافل الاجتماعي، فالمحتاج من القبيلة لا يطلب إذنًا لدخول  بيت أحد أبناء القبيلة للإقامة معهم وتناول الطعام فى بيتهم، ومن يُقصر مع من يلجأ إليه يتعرض لعقوبة عرفية من مجلس القبيلة تصل إلى ذبح البعير  التى يستخدمها فى تنقلاته، وحال حدوث قحط وهلاك لقطيع ماشية فرد من القبيلة، يجتمع مجلس القبيلة ويجمع له من أبنائها قطيعًا جديدًا يصل إلى مئة رأس، ويكون هو أيضا ملزماً بمساعدة من يحتاج فيما بعد.
■ ربما ساعد ذلك التكافل المواطن فى غياب الدولة على البقاء على قيد الحياة فى المناطق الرعوية لبساطة الحياة بها لكن هل امتد التكافل الاجتماعى للمدينة؟
- نعم ولى تجربة شخصية فقد هاجرت من الريف إلى المدينة ولم يكن لدى معرفة بأحد بالعاصمة فبحثت عن أى شخص من قبيلتى حتى عثرت على اثنين طرقت بابهما فأقمت معهما وأكلت معهما حتى عثرت على عمل، وعندما استقر بى الحال، يلجأ إلى ابناء من القبيلة قد لا اعرفهم والتزم بمساعدتهم،  واتولى الانفاق على 10 من ابناء القبيلة ليس بينهم أحد من أسرتي، وكذلك يفعل كل قادر مع أبناء قبيلته.
■  وكيف يكون حال المنتمين لأسر وقبائل فقيرة ولا يجدون من ينفق على رعايتهم؟
- الفقراء الذين لا يجدون من يساعدهم  يصبحون فرائس للفقر والمرض والجهل، فلا توجد حكومة ترعاهم بينما هم عاجزون عن دفع نفقات متطلبات المعيشة والرعاية الصحية والتعليم.
■ رغم خفوت نيران الحرب  القبلية إلا أن الصراع فى الصومال سرعان ما تحول من قبلى إلى تنظيمات التطرف الديني، فظهر أمراء الحرب والمحاكم الإسلامية وتنظيم الشباب المجاهدين كيف حدث ذلك التحول؟
- نحن بلد مفتوح على الجميع ولا توجد حكومة وجيش يحمى الحدود، ما سمح بدخول الصوماليين العائدين من أفغانستان فى التسعينيات إلى الصومال، وروجوا فكر الجهاد والتغيير بزعم الوصول للحكم بشرع الله، ووسط شعب متدين بطبيعته وحدوده مفتوحة، ودولة بلا حكومة ولا مؤسسات، كان التأثر كبير والانضمام للحركات الجهادية كثيف، ورفعت التنظيمات فى بدايتها شعارات دعوية وتعليم الدين، ومع انتشار السلاح استفادت التنظيمات الجهادية من الفوضى وغياب الدولة، فالقاعدة تستند فى عملها إلى اقامة قواعد فى الدول الفاشلة، وبدأت بالدعوة لنصرة المسلمين فى البوسنة الذين كانوا يتعرضون لمذابح، ومع تعاطف الصوماليين قال الجهاديون لا نستطيع الوصول للصرب فننتقم من الكفار فى دول الجوار ومن هنا بدأت التنظيمات تدعو للانتقام من العدو القريب ثم اعوان الكفار قاصدين بذلك الدولة واجهزتها، وبدأت السيطرة على احياء فقيرة ثم الدولة ككل قبل ان يتراجعوا إلى المناطق الحدودية.
■ هل تتلقى تلك التنظيمات دعماً خارجياً؟
 بالفعل  تتلقى تلك التنظيمات دعمًا خارجيًا من دول وتنظيمات تمدها بالمال والسلاح، لكن كثرة الأموال التى تدفقت عليهم جعلت كل قائد بالتنظيمات يسعى لأن يمنح فائدة لابناء قبيلته، فقويت القبيلة من جديد وانحسر تأثير تلك التنظيمات.
■ رغم انحسار التأثير الذى تشير إليه فإن تنظيم الشباب ينجح من حين لآخر فى استهداف مقرات قريبة من القصر الجمهورى بمقديشو بما تفسر ذلك؟
- إن الحركات الجهادية الأقوى فى الصومال الآن هى حركة الشباب لما تملكه من سيطرة على مناطق بالدولة فى الأطراف والأدغال وجناح عسكرى وجهاز مخابراتى استطاع اختراق مؤسسات الحكومة وهو ما يفسر نجاح عمليات استهداف مقرات بالقرب من القصر الرئاسى بالعاصمة، إلى جانب بدء تشكيل نواة لتنظيم داعش، وعلينا أن نتذكر أن الصومال 600 ألف كيلو متر بلا  تقسيم إدارى فعلي، ولا نقاط تفتيش، ولا أوراق ثبوتية أو هوية لغالبية المواطنين، لذلك المسلحون يتحركون بحرية ما يمكنهم من بلوغ أهدافهم فى كثير من الأحيان لكن سيطرتهم على الأرض فى المجمل تراجعت.
■ فى ظل غياب الإنتاج والاعتماد على الاقتصاد الرعوي، مهما امتلكت القبيلة من رءوس ماشية فإنها لا تستطيع تلبية جميع متطلبات أبنائها، ما مصادر الاقتصاد؟
- لدينا 3 ملايين صومالى مهاجر إلى دول مختلفة بالعالم، وهم يقتربون من خُمس عدد السكان تقريباً فلا توجد احصاءات دقيقة، لكن هؤلاء المهاجرين بحسب تقديرات دولية يحولون 2 مليار دولار سنوياً لأسرهم داخل الصومال، ومع بساطة الاحتياجات والعيشة البدائية يحقق هذا المبلغ متطلبات الأسر بالداخل.
أما الحكومة فإنها تفتقد للموارد المعمول بها فى مختلف الدول، فلا تستطيع فرض ضرائب إلا على استحياء، كما انها لا تستثمر المخبوء فى باطن الأرض من ثروات نفطية ومعدنية، الأمر الذى يدفعها للاعتماد على ملايين الدولارات التى تأتى دعمًا من الخارج، لكن تلك الملايين لا أثر لها على الأرض فالحكومة لم تعبد طريقًا ولم تبن مدرسة أو مستشفى أو أى مؤسسة، وتكتفى بصرف رواتب أعضائها.
■ هل يشعر المواطن بالأمان الآن مع عجز الحكومة عن بسط نفوذها على كامل الأرض؟
- كلما كنت بعيداً عن السياسية والصراع على السلطة والحكم فلن يستهدفك احد.
■ لقد شاهدت سقوط بغداد خلال تغطيتك للغزو الأمريكى - البريطانى للعراق، هل ثمة فارق تراه لمدى تأثر الشعب العراقى فى دولته الفاشلة الآن عما يعانيه الصوماليون؟
- يوجد فارق كبير بين تأثر الصوماليين بفشل الدولة، وغيرهم من مواطنى العراق وليبيا، يتمثل فى حال الدولة قبل الانتكاسة، فكلما كانت الدولة قوية محققة للرفاهية قبل فشلها تزيد معاناة الشعب بعد فشلها، لاتساع الهوة بين معيشتهم فى ظل دولة قوية توفر الرفاهية عن حالهم الآن فى ظل دولة فاشلة لا تلبى أبسط متطلباتهم وفى مقدمتها الأمن، وذلك غير متحقق بالصومال التى لم تعيش الرفاهية من قبل ليشعر مواطنوها بفقدها، حيث أجهضت تجربة الدولة الصومالية الحديثة فى مهدها، فالمواطن كان يعيش حياة بدائية، يحصل على الماء من الابار وليس المواسير، يعيش على الرعى لم يتمتع بالكهرباء والتكييفات والمبردات ثم فقدها، لذلك فهو يعيش فى كنف القبيلة كما عاش الاباء والأجداد.
■ لكن النخبة المتعلمة والمثقفة التى اطلعت على تجارب الدول الحديثة مؤكد أنها الأكثر تأثرا ومعاناة فى ظل الدولة الفاشلة خاصة الصحفيين؟
- الصحفيون يعيشون أسوأ الاوضاع، فهم بين مطرقة الإرهاب وسندان الحكومة.
■ كيف نجحت فى تفادى نيران الفرقاء السياسيين خلال ممارستك لعملك وأنت مقيم على أرض الصومال؟
- لتجنب الانتقام عليك كصحفى أن تعمل على نقل الأحداث بموضوعية تامة دون تحيز، وعبر تسمية الأمور بالمسميات التى يطلقها على أنفسهم صناع الأحداث، فإذا لم تصف تنظيم الشباب بـ«الشباب المجاهدين» ووصفتهم بالإرهابيين فإن ذلك يعرضك للانتقام، وكذلك إذا وصفت الحكومة بالفاشلة تتعرض لملاحقة وغلق وسيلتك الإعلامية، لذلك عليك تسمية الأشياء بأسمائها التى يطلقونها هم على أنفسهم، ونقل الأحداث كما هى بدون إبداء رأى شخصى، والمؤسسات الإعلامية التى أعمل بها تلزمنى بنقل الأوضاع كما هى بدون إقحام الرأى فى الخبر.
■ كم متوسط عدد شهداء الصحافة الصومالية سنوياً؟
- من 5 إلى 6 شهداء سنويا معظمهم من العاملين فى الإذاعة والتليفزيون المملوكين للحكومة، فيما يتعرض أيضا الداعمون للمعارض للملاحقات، وللأسف الجناة يفلتون من العقاب باستثناء قضيتين فقط من قرابة مئة قضية اعتداء حكم فيها على القتلة بالإعدام والبرلمان صدق على قانون للإعلام مؤخراً  لكن الأزمة ليست فى القانون بقدر غياب سلطة التفعيل، فمؤسسات الدولة غير مكتملة، ومحدودة القدرة.
■ كم عدد وسائل الإعلام فى مقديشيو؟
- الإعلام الإذاعى يهيمن على المشهد فى العاصمة،  فى مقديشيو وحدها قرابة 50 إذاعة تتربح من الإعلانات، الحكومة تملك منها إذاعة واحدة، ويلى ذلك الإعلام المرئى الذى يبث عبر مهاجرين من الخارج، أما الصحافة الورقية فهى الأسوأ حالاً، كون الصوماليين ثقافتهم شفهية، إلى جانب غياب المطابع الحديثة، وتدنى النقل والمواصلات ومن ثم يحتاج نقل الصحيفة الى الأطراف أكثر من نصف يوم.
■ وفى ظل ضعف سيطرة الحكم فى الدولة الفاشلة تصبح أراضيها ساحة مستباحة للطامعين والقوى الدولية، هل يعكس قرار الحكومة الصومالية منذ أشهر بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران تصديًا لتهديدات تم رصدها؟
- بالفعل الحكومة تخشى من سعى المنظمات الإيرانية فى الصومال تحت دعوى المساعدات إلى مرحلة تشييع البسطاء فى الصومال، إلى جانب بعد أهم وهو أن الصومال جزء من التحالف العربى بقيادة السعودية فى مواجهة إيران ودعمها للحوثيين فى اليمن، والحكومة الصومالية تلتزم بمواقف التحالف خاصة بعد الاعتداء على السفارة السعودية بإيران.
■ لكن هل تملك حكومة الصومال بضعفها القدرة على بتر الأذرع الإيرانية التى تعمل بالأراضى الصومالية وغيرها من الدول والتنظيمات؟
- إن الحكومة الصومالية لا  تملك فى الواقع السيطرة على الثغرات التى تتسلل من خلالها إيران وغيرها عبر التنظيمات، فالدول الفاشلة تعجز عن إحكام سيطرتها على أمنها الداخلي.
■ من رحم المعاناة وخبرات الحياة فى دولة فاشلة ما نصيحتك للشعوب العربية فى ظل المؤامرات التى تحاك لبلدان المنطقة؟
- أنصح الشعوب التى تتعرض بلدانها لأخطار وتحاك لها المؤامرات أن يتوحدوا فليس لديهم خيار إلا التماسك والتوحد للحفاظ على بنيان الدولة، والتصدى لمحاولات إثارة الفوضى باسم التغيير فليس المهم التغيير بقدر ما هو البديل القادم، وأظن من واقع تجاربنا العربية فى الصومال والعراق وليبيا وما يحدث الآن فى سوريا أن اكثر الانظمة ديكتاتورية كان أفضل بكثير مما هو الحال عليه الآن، فهناك من يترحم على نظام صدام فقد رحل ديكتاتور وأصبح بالبلد الآن مئة ديكتاتور، ورحل حاكم فاسد بالصومال وجاء بعده ألف أمير حرب، فحاكم فاسد أفضل بكثير من دولة فاشلة، والإصلاح والتغيير يجب أن يكون تدريجيًا وبُطرق تحقق الأهداف وتحافظ فى الوقت ذاته على بقاء الدولة.