الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أردوغان.. ما بعد مسرحية «الانقلاب»

أردوغان.. ما بعد مسرحية «الانقلاب»
أردوغان.. ما بعد مسرحية «الانقلاب»




كتبت - مروة الوجيه

شهدت تركيا يوم الجمعة 15 يوليو ليلة عصيبة بعد محاولة انقلاب بعض عناصر الجيش على الرئيس التركى رجب طيب اردوغان، وبرغم فشل هذه المحاولة فى اقل من 6 ساعات الا ان تبعات الموقف مازالت قائمة سواء على الصعيد الداخلى او الخارجى، فبالرغم من اعلان الحكومة التركية والجيش التركى فرض سيطرتهم على مقاليد الدولة والقبض على عناصر الانقلابيين، الا ان الحقيقة وراء المسئول والمخطط لهذه العملية مازال مشوشًا، فمن هو العقل المدبر لهذه العملية؟ وما هى الاهداف الحقيقية وراء هذا الانقلاب الضعيف؟

تسلسل زمنى للاحداث:
بدأت الاحداث فى الساعة 11 مساء الجمعة بتوقيت تركيا حيث وردت أنباء عن اطلاق نار فى العاصمة انقرة تبعه تحليق طائرات حربية ومروحيات ثم انتشار دبابات فى اماكن حيوية واغلاق الجسرين الرابطين بين قسمى المدينة الأوروبى والآسيوى بشكل جزئى، كما سيطرت مجموعة من الجيش على التليفزيون التركى وقناة تى آر تى الرئيسية واذيع بيان الجيش الاول معلنًا سقوط حكومة حزب العدالة والتنمية وان السلطة الآن اصبحت بيد القوات المسلحة التركية من اجل حماية النظام الديمقراطى وحقوق الانسان، واعلن البيان تعليق الدستور وفرض الاحكام العرفية وحظر التجوال فى البلاد واغلاق المطارات، واضاف البيان ان «مجلس السلام» سيقوم بادارة البلاد ليضمن سلامة السكان مع الحفاظ على المعاهدات الدولية.
فى أعقاب ذلك خرج رئيس الوزراء التركى بن على يلدريم ليعلن ان البلد يشهد محاولة انقلاب عسكرى مؤكدا ان هذه المحاولة سيتم افشالها.
وعقب هذه التطورات جاء ظهور الرئيس التركى رجب طيب اردوغان من خلال رسالة مصورة على قناة سى ان ان ترك يحث فيها المواطنين الاتراك على النزول فى الشوارع والتصدى لهذه المجموعات الانقلابية وملاقاته فى مطار اتاتورك حيث كان قادمًا من منتجع بمارماريس فى جنوب البلاد، واستجاب عدد من المواطنين لمطلب رئيسهم ونزلت عدة تظاهرات فى عدة مدن كان ابرزها فى اسطنبول وانقرة كما وقعت عدة اشتباكات بين الشعب والشرطة مع قوات الجيش الامر الذى انتهى باستسلام أفراد القوات العسكرية والقاء القبض عليهم من قبل أفراد الشرطة، واعلنت الاستخبارات التركية ان الوضع اصبح تحت السيطرة وانه تم القضاء على هذه المحاولة الانقلابية واعتقال 13 عسكريا من منفذى العملية اثناء اقتحام المجمع الرئاسى فى انقرة، واعلن رئيس الوزراء التركى انه تمت السيطرة على محاولة الانقلاب الى حد كبير واعيد بث التليفزيون الرسمى بعد القاء القبض على اعضاء الجيش داخله.
وفى اعقاب ذلك قال رئيس الوزراء بن على يلدريم: «أطلب ممن قاموا بهذه المحاولة المجنونة العودة من منتصف الطريق بدون تعريض الأبرياء لأى ضرر وعودتهم قد تخفف من جرمهم الذى اقترفوه»، ووصلت طائرة الرئيس التركى الى مطار اتاتورك عقب فتحه بعد انسحاب قوات الانقلاب من المنطقة المحيطة به، والقى الرئيس التركى خطابا على انصاره المتجمهرين خارج المطار  معلنا فيه انتهاء ليلة طويلة بفشل محاولة الانقلاب على شرعيته، مؤكدا ان الحكومة اصبحت مسيطرة على الوضع، كما توعد منفذى هذه العملية بدفع «ثمن باهظ جدا»، كما طالب اردوغان انصاره بالبقاء فى الشوارع حتى «عودة الوضع الى طبيعته».
وفى الساعات الاولى من فجر السبت استسلم اغلب العسكريين المشاركين فى الانقلاب كما اعلنت السلطات التركية عن هروب مروحية تقل 8 افراد متورطين فى هذه العملية الانقلابية الى مدينة اليونان طالبين اللجوء السياسي، وقالت المتحدثة باسم الحكومة اليونانية أولغا غيروفاسلى: إن الهاربين هم 7 عسكريين ومدنى وانه سيتم النظر فى طلبات اللجوء فى اسرع وقت مع مراعاة أنهم متهمون بتجاوز الشرعية الدستورية ومحاولة تقويض الديمقراطية فى بلادهم، بينما طالبت السلطات التركية بتسليمهم لمحاكمتهم.
واعلن رئيس الوزراء التركى بن على يلدريم خلال مؤتمر صحفى الاثنين، ان حصيلة ضحايا النقلاب الذى شهدته تركيا وصل الى 208 قتلى بينهم 60 شرطيا وثلاثة جنود و145 مدنيا، بالاضافة الى 1491 مصابًا.
وشهدت الايام التالية  للانقلاب موجة واسعة من الاعتقالات خاصة بين العسكريين والقضاة ورجال الشرطة، حيث قال يلدريم ان عدد المعتقلين خلال الايام الثلاثة الماضية وصلت الى 7543 شخصًا بينهم 100 شرطى و6038 عسكريا برتب مختلفة و 755 قاضيا ومدعيا عاما و 650 مدنيًا، كما ذكرت وسائل إعلام تركية عزل 8777 مسئولًا فى وزارة الداخلية التركية من مناصبهم وإقالة 30 حاكما إقليميا و52 مفتشا مدنيا من مناصبهم وإيقاف 103 أدميرالات وجنرالات بالجيش التركى على خلفية محاولة الانقلاب العسكرى.
وتزداد الاعداد بين لحظة واخرى خاصة بعد اعلان رئيس الوزراء التركى عن وجود وثائق تدين كل المعتقلين فى محاولة الانقلاب وارتباطهم بصورة او باخرى بما يعرف بـ«الكيان الموازى» للدولة.

من وراء الانقلاب

 

1 - فتح الله غولن «العقل المدبر»
منذ اللحظات الاولى لحدوث الانقلاب اعلن الرئيس التركى ان فتح الله غولن هو المخطط الرئيسى للنقلاب، الامر الذى نفاه غولن معلنا انه ضد الانقلابات العسكرية وان الاحداث الاخيرة ما هى الا مسرحية هزلية ابتدعها النظام التركى لحصد مكاسب من تغيير الدستور والانفراد بالسلطة، من جهة اخرى طالبت الحكومة التركية الادارة الامريكية بتسليمها غولن لمحاكمته إلى ان جاء الرد الامريكى على لسان وزير الخارجية جون كيرى مؤكدًا ان الادارة الامريكية تقف بجانب السلطة الشرعية فى تركيا الا ان السلطات التركية لم تقدم طلبا رسميا بتسليم غولن او اى أدلة تثبت تورطه فى محاولة الانقلاب على الحكم.


2 - الجنرال محرم كوسا مخطط الانقلاب

أعلنت وكالة أنباء الاناضول المملوكة للدولة ان الجنرال محرم كوسا هو من يدير الانقلاب  بدعم من 46 ضابطا تركيا رفيعى المستوى. مدعية أن كوسا موالٍ لمحمد فتح الله كولن المعارض للرئيس أردوغان. ويعتبر كوسا هو مؤسس مجلس السلام الذى أعلن عنه فى بيان الجيش بالتليفزيون التركى والذى كان سيتولى إدارة شئون البلاد، فى حال كان نجح الانقلاب، وتم عزل كوسا من منصبه بعد يوم من ورود هذه الأنباء.. يذكرأن القضاء التركى قد اتخذ قراراً سابقاً بوضع كوسا تحت المراقبة القانونية أثناء التحقيق معه بسبب شبهات فى ارتباطه بالتخطيط لعملية انقلابية عام 2003، وهى العملية المعروفة باسم مخطط «بيلوز».


3- آكين أوزترك منفذ الانقلاب


افادت مصادر عسكرية تركية فى يوم السبت 16 يوليو ان آكين أوزتورك قائد القوات الجوية السابق هو زعيم الانقلابيين وفق ما نقلته وكالة DHA الاخبارية. وبحسب الوكالة، فإن اوزترك كان من المقرر أن يقدم استقالته فى أغسطس المقبل، إلا أنه نظم الانقلاب إثر اجتماعات عقدت لبحث علاقته برجل الدين المعارض فتح الله غولن، المقيم بولاية بنسلفانيا الأمريكية.

السيناريوهات المتوقعة:

قال محللون سياسيون : إن محاولة هز عرش السلطان التركى سيكون لها مردودها سواء داخليا وخارجيا، خلال الفترة المقبلة، ابرزها نشوب موجة عارمة من الاعتقالات والمحاكمات بين صفوف الجيش والقضاء والمعارضة، وهم بمثابة العقبة الاكبر فى تحقيق حلم اردوغان للانفراد بالسلطة فى بلد ذى قوة اقليمية ودولية، وذلك وفق ما قاله الدكتور سعيد اللاوندى خبير العلاقات السياسية والدولية بمركز الاهرام، حيث اكد ان ما حدث فى تركيا  ما هو إلا «مسرحية» محكمة واردوغان كان مخرجها، وذلك لاستخدامها كفزاعة ليقطع لسان كل من يقول له لا، ونرى استخدام كلمة «الارهابيين» من قبل رئيس وزرائه بن على يلدريم فى اشارة الانقلابيين حيث بينت بوضوح ان اردوغان وحكومته ترى كل من يقوم ضد نظامه هو «ارهابى» وسنرى فى الايام القليلة المقبلة تفحل وحشية اردوغان ضد اى نظام معارض له، واضاف اللاوندى: ان اردوغان لم يكن يستطيع ان يقوم باعتقال الآلاف من معارضيه او عزل هذا الكم من قيادات الجيش والشرطة والقضاة الا من خلال هذه الـ «مسرحية الهزلية» التى اطلق عليها «انقلاب».
واضاف اللاوندوى، إن دول الاتحاد الاوروبى اعلنت عن قلقها من كم هذه الاعتقالات غير المسبوق فى تاريخ تركيا والذى يدل على توحش اردوغان وتفرده بالحكم فى دولة تعتبر عضوًا قويًا فى حلف الناتو.
يذكر ان دول الاتحاد الاوروبى والولايات المتحدة قد اعلنوا عن قلقهم إبان السياسة التى تنتهجها تركيا مع المتورطين فى عملية الانقلاب خاصة بعد تصريحات الرئيس التركى لقناة «سى ان ان ترك»، الأحد، حول امكانية استحداث قانون عقوبة الاعدام مرة أخرى تنفيذا لمطالب انصاره، حيث اكد اردوغان ان جموعًا غفيرة من الشعب التركى تطالب بإعدام الانقلابيين.
وفى السياق نفسه قال د. بشير عبد الفتاح المحلل، ان محاولة الانقلاب الفاشلة جعلت اردوغان متفردًا بالحكم وبالرغم ان هذه المحاولة تعتبر ناقوس خطر الا انه سيستمر فى سياسته القمعية خاصة مع من يمثلون بما يسميه انصار «الدولة الموازية» التابعة لفتح الله غولن وهذا ما سيثير عليه المجتمع الدولى، اما فيما يتعلق بتغير نهج سياسته الخارجية فنحن نرى فى الفترة الاخيرة تغيرًا كبيرًا فى نهجه حيث بدأ التقرب من الدولة الروسية والاسرائيلية وايضا موقفة من القضية السورية، لكن الإمعان فى ترتيب البيت الداخلى خاصة فى اذلال الجيش والقضاء سيكون له الاهمية الكبرى فى الفترة المقبلة.
من جهة اخرى قال نشأت الديهى الاعلامى والخبير فى الشأن التركى، ان فتح الله غولن هو اول من صرح بأن الانقلاب التركى ماهو الا «مسرحية هزلية» لخدمة اهداف اردوغان الحقيقية، واشار الديهى إلى ان التحليل الذى استندت عليه جماعة غولن يجب ان يأخذ فى الاعتبار، مضيفًا: إن حملات التطهير التى قام بها الرئيس التركى لم تشمل رئيس جهاز المخابرات هاكان فيدان والذى يعتبر اول المقصريين فى عمله الا اننا رأينا عكس المتوقع واعلان الحكومة التركية ان البطل الحقيقى وراء فشل الانقلاب هو جهاز المخابرات والشعب. واشار الديهى إلى ان حملة الاعتقالات التى وصلت لاكثر من 7000 شخص فى اقل من يومين تدل على وجود كشوف معدة مسبقا، خاصة فى صفوف القضاء، وسواء كانت هذه المحاولة الانقلابية صحيحة أم لا فإن اردوغان هو المستفيد الاول منها.
وفيما يختص بالقوى المعارضة لاسيما حزب الشعب الجمهورى الموالى للاكراد وحزب الشعوب الديمقراطى المعارضين والذين اعلنوا وقوفهم مع شرعية الرئيس ورفضهم الانقلاب، قال الديهى: إن اردوغان سيستمر فى سياسته مع الاحزاب والقوى المعارضة، فبالرغم من المساندة القوية لحكومته الا انه صرح بأن من افشل الانقلاب هو الشعب التركى فقط حفاظًا على الديمقراطية والشرعية، مما لا يدع مجالا لتوقع نهج آخر مع هذه الاحزاب، او تغير سياسة اردوغان الاستطدامية معهم.
واضاف الديهى: إنه برغم تخوف دول الاتحاد الاوروبى وامريكا من موجة الاعتقالات الاخيرة فى تركيا خاصة مع التلويح باستحداث عقوبة الاعدام مرة اخرى، إلا ان اردوغان قد يلجأ لمراوغة دول الاتحاد بهذه الورقة، للوصول لاهدافه اما ان ينفذ عقوبة الاعدام فى اكثر من 7000 شخص ما قد تؤدى لنشوب حرب اهلية قد تهز المنطقة ككل وسيكون الاتحاد أول ضحاياها.
وعلى جانب متصل، قال الاعلامى: إن الجيش التركى لن يقبل بهذه الاهانة التى تعرض لها وانه من المتوقع ان يكون هناك رد قريب من قبل القوات المسلحة التركية خاصة بعد اهتزاز صورة الجنود الاتراك والمهانة التى تعرضوا لها امام الشعب والعالم، مضيفا: إن قوات الشرطة التى قامت بإلقاء القبض على الجنود المشاركين فى الانقلاب ما هم الا «ميليشيات» تابعة لحكومة اردوغان وانصاره.
ردود الفعل العالمية
وعلى صعيد متصل، اعلن الاتحاد الاوروبى رفضه التام لمشاهد «التعسف والانتقام» التى تعرض لها ضباط الجيش التركى اثناء القبض عليهم، واعلنت الحكومة الالمانية انه لا يمكن القبول بـ«مشاهد مقززة من التعسف والانتقام» التى جرت ضد الجنود الاتراك» مضيفة: إن المخاوف الحقوقية تنامت بعد اعتقال السلطات التركية آلاف العناصر من سلك الجيش وموظفى القضاء، فى حملة واسعة قد تمتد لتشمل آخرين، خلال الأيام القادمة.
كما اعلن المتحدث باسم الحكومة الألمانية، شتيفن زايبرت، رفض بلاده لعقوبة الإعدام التى دافع عنها الرئيس التركى، ودعا وزير الخارجية الأمريكى، جون كيرى، بدوره، أنقرة، إلى ضرورة عدم التمادى فى فرض النظام بعد محاولة الانقلاب، مشددا على احترام سيادة القانون. وأضاف جون كيرى: «الانقلاب ليس مبررا لإبعاد تركيا عن حكم القانون»، مشيرا إلى أن عضوية حلف شمال الأطلسى (ناتو)، التى تتمتع بها تركيا، تتطلب احترام الديمقراطية.
من ناحيتها، أكدت مسئولة السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى، فيديريكا مورغيني، أن السلطات التركية مطالبة باحترام الحقوق الدستورية والأساسية فى الرد على الانقلاب الفاشل.
وبحسب الحكومة الألمانية والاتحاد الأوروبي، فإن تركيا قد تحرم من التفاوض حول دخول الاتحاد الأوروبى، فى حال أقرت عقوبة الإعدام التى جرى إلغاؤها فى البلاد سنة 2004.
أما وزير الخارجية الفرنسى جان مارك إيرولت، فقال، الأحد، إن محاولة الانقلاب فى تركيا لا تعنى «شيكا على بياض» للرئيس رجب طيب أردوغان، داعيا أنقرة إلى احترام القانون.
وسادت حالة من الاستياء على الصعيد الدولى خاصة بعد نشر صور وفيديوهات لعمليات اعتقال جنود الجيش التركى المشاركين فى الانقلاب وظهور بعضهم بقمصان داخلية خفيفة أمام الكاميرا فى مركز الشرطة بالعاصمة أنقرة.
فى المقابل، أبدى وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، رفضه للانتقادات الأوروبية، قائلا: إن بلاده لن تتراجع عن مكتسبات القانون وحقوق الإنسان.
ودعا الديبلوماسى التركى الاتحاد الأوروبى إلى دعم الديمقراطية فى تركيا، قائلا: إن محاولة الانقلاب استهدفت النظام الدستورى وأدت إلى مقتل الكثير من الأبرياء.