الأربعاء 25 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

كيف ودع الشيخ على البنا الدنيا؟

كيف ودع الشيخ على البنا الدنيا؟
كيف ودع الشيخ على البنا الدنيا؟




أمال علىالبنا تكتب:
فى مثل هذه الأيام منذ ما يزيد على الثلاثين عامًا شيعت مصر القارئ الشيخ محمود على البنا ابن مصر وعلم من أعلام قرائها، شيعته الجموع الغفيرة من تلاميذه وزملائه القراء ومعجبيه فى كل محافظات مصر فى جنازة مهيبة بوداع حزين، إذ كان الشيخ البنا ولايزال يحظى بجماهيرية غفيرة فى مصر والدول العربية والإسلامية التى نال منها أرفع الأوسمة والجوائز، صوت مميز من مصر، فكيف ودع الشيخ البنا الدنيا واستعد للقاء الموت؟ اكتسب الشيخ بقربه من الله وحفظه للقرآن شفافية خاصة لروحه جعلته يستشعر قرب الموت برغم تمتعه بكامل الصحة قبل رحيله بأسابيع قليلة، فسارع ببناء مسجده ومدفنه فى زمن قياسى ببلدته شبراباص كأنه كان يسابق الأيام قبل أن يباغته الموت، ووسط دهشة أهل بلدته كان يطيب للشيخ البنا أن يقترب فى أغلب أحيانه من المساحة المخصصة لمدفنه قبل إتمامه أسفل مسجده كأنه كان يشتم فى ترابه نسمات الجنة حتى أطلق على مدفنه بيت المستقبل القريب، وهو يقول لأهل مجلسه: هنا سيرقد قريبًا الشيخ محمود على البنا!
والمدهش أن حدس الشيخ تحقق ومرت الأسابيع القليلة الباقية من حياته بين الإسراع فى إتمام مسجده ومدفنه حتى باغته مرض الموت وبدأ الشيخ يستعد لوداع أحبابه وأسرته، اطمأن على إتمام مدفنه ممره إلى الآخرة حيث ستضم حفنات ترابه جثمان الشيخ بعد وفاته، وحرص أن يكتب وصيته بخط يده، وكتب نعيه الذى تم نشره فى جريدة الأهرام بعد وفاته واستهله بعبارة: «انتقل إلى رحمة الله تعالى الشيخ محمود على البنا» ولم ينس الشيخ فى نعيه أيًا من أهله وأنسابه وأصهاره، فقد كان الشيخ يتمتع بذاكرة أرشيفية بارعة وذهن متقد وذكاء خاص لآخر لحظة من حياته، وأوصى الشيخ بتشغيل شريط مسجل بصوته أثناء جنازته ليشيع نفسه بالقرآن أعظم نعمة وهبها الله له فى حياته وهى القرآن أراد أن يودع الدنيا بها، ثم ودع أبناءه وأفراد أسرته مصافحًا كل منهم يدًا بيد كما اعتاد أن يودعهم فى أسفاره وهو يعلم أن وداعهم هذه المرة سيكون وداعًا بلا عودة، إذ كان يتوق للقاء الله ويستعجل الساعات الباقية من حياته فى الدنيا أن تمضى ليقترب موعد لقائه مع ربه، حتى كانت الليلة الأخيرة من حياته عندما نظر إلى ظلام الليل من نافذة حجرته بالمستشفى ليتوقع رحيله مع أول خيوط النهار الجديد، وعندئذ طلب الشيخ من ابنه القارئ أحمد البنا أن يتلون عليه بصوته العذب سورة يس، ومع كل آية كان الشيخ يستبشر بها قرب لقائه المرتقب مع الله، حتى وصل الشيخ أحمد إلى الآية: (هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون)، «يس:52» عندئذ استوقفه الأب عن التلاوة ليجعل من هذه الآية هى مسك ختامه فى الدنيا وما هى إلا ساعات قليلة قدر الله فيها للشيخ البنا أن يرحل فى الساعات الأولى المبكرة من نهار 21 من يوليو 1985م، كما توقع الشيخ ليكون ذلك اليوم الحزين هو تاريخ وفاته، تاركًا وراءه تراثًا قرآنيًا عظيمًا لأندر تسجيلاته وعديد من الجوائز والأوسمة وشهادات التقدير التى حصل عليها فى وطنه مصر والبلدان العربية والإسلامية الأخرى، كما ترك فى بلدته «شبراباص» مجمعًا إسلاميًا كبيرًا فيه نفس للناس.
رحم الله الشيخ البنا كان من خيرة رجال مصر وأبنائها الأبرار وصوت قرآنى جميل قلما يتكرر.