الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«قارون» تصارع من أجل البقاء

«قارون» تصارع من أجل البقاء
«قارون» تصارع من أجل البقاء




الفيوم - حسين فتحى

 

 بحيرة قارون بالفيوم واحدة من أقدم البحيرات الطبيعية فى العالم، تبلغ مساحتها 55 ألف فدان ويمتد طولها لمسافة 50 كيلومترا، وعرضها حولها 4 كيلومترات، وتشتهر بإنتاج أسماك البلطى والموسى والبورى والجمبرى، وتحولت منذ بداية حقبة السبعينيات إلى بحيرة ميتة لا تصلح لتربية الأسماك وغير مؤهلة لاستقبال محبى الرياضات المائية، حتى أصدر الرئيس السيسى تكليفاته بضرورة إنقاذ بحيرة قارون كواحدة من أقدم البحيرات الطبيعية على مستوى العالم.
الدكتور أحمد جابر شديد، نائب رئيس جامعة الفيوم، وأستاذ الجولوجيا بكلية العلوم، يقول: إن بحيرة قارون عرفت منذ ما يزيد على 15 ألف عام أى قبل قيام الحضارات وكانت عبارة عن منخفض واسع يستقبل المياه الناتجة عن فيضان نهر النيل بكميات كبيرة وعندما ظهرت الحضارات، بدأ الفراعنة يسيطرون على المياه التى تأتى لمنخفض «بحيرة قارون».
وتابع: وبعد زيادة الفيضان فى المنخفض نزحوا للعيش فى البر الشرقى للبحيرة، حيث اهتموا بالزراعة واستمروا حتى جاء الرومان للفيوم الذين أقاموا قناطر اللاهون من أجل السيطرة على مياه النيل وتوزيعها على باقى مناطق المحافظة بدلا من تجمعها فى مكان واحد واستمر هذ الوضع لمدة عدة قرون وفى عصر محمد على، الذى استمر فى السيطرة على المياه الواردة للبحيرة، ثم بدأ فى زراعة الأراضى حول البحيرة وقام بتوطين القبائل العربية القادمة من الصحراء الغربية بجانب السكان الأصليين.
ويضيف شديد: أن أزمة بحيرة قارون بدأت منذ قرن من الزمان عندما زادت الأراضى المزروعة ووصلت إلى 450 ألف فدان يرد إليها مليار و200 ألف متر مكعب من مياه الرى، يصل منها للبحيرة بعد الرى حوالى 800 مليون متر مكعب من ناتج الصرف الزراعى، وبما أنها بحيرة طبيعية، وما يرد إليها لا تفقده إلا بالبخر، فإن ناتج البخار يترسب على هيئة أملاح عاما بعد آخر حتى وصلت نسبة الملوحة إلى معدلات مخيفة أعلى من معدلات الملوحة فى البحر المتوسط.
ويشير الدكتور ديهوم الباسل، أستاذ بكلية العلوم بجامعة الفيوم، إلى أن الفيوم عرفت بأرض البحيرات وكان يطلق عليها ألف يوم، ثم بعد ذلك «فيوم» إلى أن جاء العرب مع الفتح الإسلامى وأطلقوا عليها «الفيوم»، منوها إلى أن فيضان النيل فى بحيرة قارون جلب لها مشكلات كثيرة، حيث كانت مطمعا للغزاة نظرا لوجود زراعات القمح والرمان والزيتون والعنب بكميات كبيرة بأراضيها ولايزال على شاطئ البحيرة مصنعا للعنب كان قد أقامه الرومان منذ عقود طويلة.
ويضيف: عندما جاء البطالمة إلى مصر استولوا على أرض البحيرة خاصة أنها كانت تستخدم مياها لرى الأرض مرة واحدة ثم بعد ذلك أصبحت تروى مرتين والآن 3 مرات، مشيرا إلى أن نسبة التلوث وصلت لـ3 مراحل بداية من الستينيات وكانت ثمثل 2000 جزء فى المليون ثم وصلت فى الثمانينيات الى 6 آلاف جزء فى المليون وحاليا وصلت نسبة الأملاح إلى 40 ألف جزء فى المليون وهذه النسبة المرتفعة من الأملاح تؤدى إلى عدم نمو الكائنات البحرية، ما يهدد البحيرة بأن تصبح بحرا ميتا، فضلا عن أن إنتاج بحيرة قارون كان يصل إلى 10 أطنان يوميا، والآن يصل إنتاج البحيرة إلى7 أطنان سنويا وهى كارثة بكل المقاييس.
ويقترح الدكتور سمير سيف اليزل، الأستاذ بكلية الزراعة بجامعة الفيوم، تفعيل مشروع الميزان المائى بالمحافظة، وهو عبارة عن مصرف مجمع موازٍ لبحيرة قارون يضم مصارف «البطس - سعيد – القاطع الشرقى والغربى - داير البركة – الوادى» ويتم ضمها فى مصرف واحد يضم بوابات تحكم دخول المياه للبحيرة حتى يمكن الحفاظ على منسوبها، خاصة إنها مستمر فى الارتفاع ما يؤدى إلى غرق المنشآت السياحية الواقعة على شاطئ البحيرة، ناهيك أن ارتفاع منسوب المياه المالحة تسبب فى تدهور إنتاجية الأراضى الواقعة على الشريط الساحلى للبحيرة وكذلك ضعف خصوبتها.
الدكتور عبداللطيف الكردى، العضو المنتدب لشركة الفيوم لاستخراج الأملاح «أميسال»، يرى أن أسباب زيادة نسبة الملوحة فى البحيرة يرجع إلى زيادة نسبة الأراضى المستصلحة بأطراف منخفض الفيوم وهى أراضٍ صحراوية تزيد فيها نسبة الملوحة عن الأراضى الزراعية ذات التربة الطينية، بالإضافة إلى خلط مياه الرى بمياه الصرف لاستزراع أراضى جديدة، خاصة بعد تقنين كمية المياه الواردة للفيوم وكذلك الزيادة فى استخدام الأسمدة والمخصبات ومواد معالجة التربة، إلى جانب الأزدياد النسبى فى ملوحة الأراضى الزراعية نتيجة توالى عمليات الاستزراع ومحدودية نسبة معالجة التربة ووجود أراضى المحافظة فى نظام شبه مغلق ليس له متنفس، وكذلك ارتفاع معدلات درجات الحرارة والبخر بالمحافظة لوقوعها فى جنوب مصر وتحت سطح البحر بحوالى 75 مترا، مشيرا إلى أن شركة الأملاح ساعدت وبشكل كبير على بقاء الأحياء المائية داخل البحيرة بعد أن قامت بتقليل نسبة الملوحة وأصبحت الشركة المنقذ الوحيد لمياه أقدم البحيرات الطبيعية فى العالم.
ويرى عدلى شعيب، رئيس جمعية مجتمع، التى تعمل فى مجال البيئة، أن الزريعة  التى يتم جلبها من البحر الأحمر فى الغالب تأتى ميتة والباقى منها يتم زراعته من خلال الدفع عبر ماتور كهربائى بشكل غير علمى، ما يؤدى إلى تلف ملايين الزريعة، بالإضافة إلى أن عمليات الصيد الجائر بشباك ضيقة تؤدى إلى اصطياد السمك الصغير الذى يتم بيعه بسعر جنيه للكيلو، حيث يتم تقديمه كطعام للبط والوز لسكان المناطق الواقعة على شاطئ البحيرة.
أما عرابى الشورى، صياد، فيشير إلى أن سبب هروب الصيادين يرجع إلى تدنى إنتاج البحيرة، التى تصل إلى 5 كيلو فى اليوم الواحد، وبعضهم هجر المهنة والآن يعملون بوابين، وغيرهم ذهب للعمل فى بحيرة ناصر بأسوان، وآخرون يعملون فى بحيرات «البرلس ـ البردويل ـ البحر الأحمر» حتى يستطيعون توفير نفقات أسرهم، كما أن هناك البعض معرض للسجن بسبب أقساط المراكب التى يصل ثمنها إلى 8 آلاف جنيه.
ويقول عبدالله محمد حمد، موظف: إن مياه الصرف الزراعى المخلوطة بمياه الصرف الصحى من خزانات المنازل الواقعة على شاطئ البحيرة أدى إلى عدم نمو الأسماك بسبب ما تخلفه هذه المياه من ملوثات بيئية تقتل الأحياء المائية، مطالبا بإنشاء محطة لمعالجة مياه الصرف الصحى وعدم دخولها إلى بحيرة قارون حتى تعود إلى سابق عهدها، بالإضافة إلى ضرورة اتخاذ إجراءات ضد القائمين على محطات الصرف الصحى بقرى كحك وكفر عبود وشكشكوك، إلى جانب القرى السياحية والفنادق التى تفتح صرفها على البحيرة.
محمد عربى، صياد يؤكد أن بحيرة قارون لم تعد كنزا للأسماك مثلما كان يحدث قبل عصر حسنى مبارك، وأيضا لم تعد سياحية منذ فترة السبعينيات، خاصة أنه كان يفد إليها الآلاف أسبوعيا للاستمتاع بجمال البحيرة، وهو ما دفع سكان المنطقة للتحول إلى التطرف الدينى، خاصة بعد ظهور حكم الإخوان الذى كشف حقيقة الفقر من خلال العنف الذى كان يظهر فى الشارع الفيومى، وعلى وجه التحديد بالقرى الواقعة على ساحل بحيرة قارون.
ويلفت عماد سعيد، موظف، إلى أنه لا يوجد شرطة حقيقية للمسطحات المائية، بل إن القسم الواقع بالقرية لمراقبة البحيرة ليس لدية لنشات أو مراكب لضبط ومطاردة الصيادين المخالفين ويمتلك سيارتين حالتهما يرثى لها، منوها إلى أنه فى فترة إغلاق البحيرة للتفريخ لا تتوقف عمليات الصيد الجائر أمام أعين المسطحات المائية، كما أن بعضهم يعمل فى وظيفة «مرشد» لدى الصيادين بمقابل دفع المعلوم من حصيلة الأسماك التى يتم اصطيادها حتى لا يتم تسجيلها فى سجلات جمعية صائدى الأسماك ببحيرة قارون.
ويقترح الدكتور رمضان أبوزيد، أستاذ الأسماك بجامعة الفيوم، بعض الحلول للقضاء على مشكلات بحيرة قارون، منها إقامة محطات لمعالجة مياه الصرف الصحى، والتنبيه بعدم تصريف مياه الفنادق والقرى السياحية داخل مياه البحيرة، بالإضافة لإنشاء مفرخ سمكى بحرى على سواحل البحيرة ترعاه أجهزة المحافظة ومركز بحوث الثروة السمكية، على أن تقوم وزارة الزراعة بعمل مسح شامل لجميع الأراضى الواقعة فى زمام البحيرة والتصريح لها بإقامة مزارع سمكية.
وشدد أبوزيد على ضرورة إلزام أصحاب مزارع الأسماك والشركات والجمعيات بعمل ترشيح للمياه، وكذلك إنشاء مصنع لإنتاج أعلاف الأسماك لخدمة أصحاب المزارع السمكية، وإرشاد الصيادين على طرق الصيد الصحيحة، وضرورة تحضين زريعة الأسماك التى يتم استلامها فى حضانات طويلة المدى.
من جانبه قال المستشار وائل مكرم، محافظ الفيوم: إن خطة إنقاذ بحيرة قارون بدأت بوصول الكراكتين العملاقتين اللتين تعملان فى تطهير قاع بحيرة قارون من الطبقة العضوية التى تضر بالثروة السمكية وتمنع التسريب فى باطن الأرض، ما كان يؤدى إلى تراكم طبقة الحمأة الضارة التى تلوث مياه البحيرة وتؤثر على الحياة المائية فيها.
وأكد المحافظ اهتمام رئيس الجمهورية بتنمية محافظة الفيوم وتوفير المناخ المناسب للاستثمار فيها، لخلق فرص عمل جديدة للشباب فى إطار الخطة القومية لتنمية الصعيد، منوها إلى أن المحافظة لا تألو جهداً فى البحث عن آليات جديدة لتنمية بحيرة قارون والحفاظ على الحياة المائية فيها، ما يعود بالنفع على أبناء المحافظة، خاصة من العاملين بمجالى الصيد والاستزراع السمكى.
وأشار مكرم إلى أن تم إعداد مخططات تنموية للساحل الشمالى لبحيرة قارون على مساحة 2760 فدانًا، بوصفها أحد أهم المناطق السياحية الواعدة على أرض المحافظة، وكذلك إقامة مصنع آخر لاستخراج الأملاح، كما تسعى المحافظة لحل مشكلة تلوث مياه بحيرة قارون بالصرف الصحى بشكل جذرى من خلال تنفيذ مشروع عملاق لإقامة محطات صرف صحى تخدم 88 قرية بالمناطق القريبة من البحيرة بتكلفة إجمالية 2.8 مليون جنيه.
ولفت محافظ الفيوم إلى أن أعمال تطهير بحيرة قارون تشمل 3 مراحل، تنتهى أعمال المرحلة الأولى منها خلال عام وستتم خلالها إقامة جسر لمسافة 5 كم لرفع مليون م3 طن من الطبقة العضوية الضارة، مع تركيب فلاتر بالجسر الذى تم إنشاؤه لمنع وصول المخلفات الصلبة إلى البحيرة، موضحا أن التكلفة الإجمالية للمرحلة الأولى 49 مليون جنيه تتحملها الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية، منها 19 مليونًا لأعمال التكريك و30 مليونًا للأعمال الصناعية التى تشمل الجسر وفتحات الصرف.