الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

بروناى والخدمات المالية الإسلامية

بروناى والخدمات المالية الإسلامية
بروناى والخدمات المالية الإسلامية




أحمد عبده طرابيك يكتب:

قد لا تظهر بوضوح سلطنة بروناى بين غابات الخرائط الجغرافية وحدود الدول الكبيرة الممتدة على مياه المحيط الهادي، حيث تبدو دولة صغيرة وسط النمور الآسيوية خاصة اندونيسيا وماليزيا التى تحيط بها، وعمالقة آسيا الكبار كالصين والهند واليابان، وظل كل ما يتداول عن تلك الدولة هو الثراء الكبير الذى حققته من عوائد النفط الذى يمثل أحد أهم مواردها الاقتصادية.
لكن ما لم يتم تداوله عن سلطنة بروناى هو طموحها الكبير الذى يتجاوز حجمها الجغرافى والسكانى بكثير، حيث تسعى منذ سنوات إلى تغيير نمط اقتصادها الذى يعتمد على عائدات النفط، الذى أدى انخفاض أسعاره إلى اختلال موازين الدول النفطية وبروناى من ضمنها، الأمر الذى جعلها تسعى لتنويع مصادر الدخل القومى بها، خاصة مع قلة قدراتها البشرية ومواردها الطبيعية الأخري.
 سعت بروناى لأن تكون مركز جذب للخدمات المالية العالمية، ولأنها تقع بين أهم المراكز المالية الدولية وخاصة سنغافورة، فقد كانت كان عليها البحث عن بدائل أكثر فاعلية وتنافسية فى هذا المجال، فبعد أن ابتكرت العلامة التجارية العالمية «حلال» والتى تعتمد على توفير أو التصريح بانتاج الأطعمة والأغذية الخاصة بالمسلمين فى مختلف أنحاء العالم وفق الشريعة الإسلامية، ذهبت بروناى لأن تكون مركز خدمات للتعاملات المالية حسب الشريعة الإسلامية.
تأسس مجلس الخدمات المالية الإسلامية «IFSB» فى 23 نوفمبر 2002، وبدأ أعماله فى 10 مارس 2005، ويتخذ من كوالالمبور عاصمة ماليزيا مقرا له، كهيئة دولية تضع المعايير والارشادات والاجراءات الخاصة بالخدمات المالية الإسلامية، التى تشمل المؤسسات المالية المختلفة (قطاع المصارف، سوق المال، التكافل «التأمين الإسلامي»)، ويعمل المجلس على ضمان واستقرار صناعة الخدمات المالية الإسلامية، وتتفق أعمال المجلس وفق عمل لجنة بازل على الإشراف المصرفي، والمنظمة الدولية للأوراق المالية، والجمعية الدولية لمشرفى التأمين.
ينقسم النظام المالى فى بروناى إلى مؤسسات مالية مصرفية، ومؤسسات مالية غير مصرفية، وتتولى شعبة المؤسسات المالية التابعة لوزارة المالية مسئولية إصدار التراخيص وإدارة ضوابط شركات خدمات التمويل الإسلامى فى البلاد، وتشترك بروناى فى مجلس الخدمات المالية الإسلامية من خلال ثلاث مؤسسات مالية كبرى هي، سلطة نقد برونادى دار السلام، صندوق الاستثمار الإسلامى فى بروناى «تابونج أمانة إسلام بروناي»، بنك إسلام بروناى دار السلام المحدود «بيرهاد».
نجح قطاع خدمات التمويل الإسلامى فى بروناى فى جذب نسبة كبيرة من المودعين والمستثمرين خلال السنوات الماضية، نظرا لعمله وفق ضوابط مختلفة عن المتبعة فى المصارف التقليدية، حيث تخضع مؤسسات التمويل الإسلامى لهيئة من علماء الشريعة «مجلس الإشراف الشرعي» التى تتولى ضبط المؤسسات وفق أحكام الشريعة الإسلامية، ومن ثم تعمل على توفير موارد التمويل الإسلامى لكل من الإدارة والإنتاج والاستهلاك وأنشطة أسواق المال وتوزيع العائد والثروة.
رغم التحديات التى يواجهها قطاع الخدمات المالية الإسلامية من المصارف التقليدية، إلا أنها استطاعت ان تحقق نجاحا ملموسا، جعل من بروناى مركز جذب لذلك النوع من الخدمات المالية وتوسعها فى العديد من الدول، حيث يعمل ذلك القطاع على دعم المصارف التجارية، وبناء شبكة من العلاقات الحيوية بين المؤسسات المحلية والأجنبية، واستخدام بدائل لتوليد وتصميم منتجات وقروض مثالية من شأنها تشجيع المستهلكين وتخفيض المخاطر، الأمر الذى ساعد بشكل كبير على تحفيز النمو الاقتصادى فى بروناى ودول المنطقة التى تعصف بها رياح الأزمة المالية العالمية.
قدرة الدول الصغيرة على ابتكار الوسائل والبدائل غير التقليدية جعل منها مركزا حيويا للعمليات المالية والاقتصادية العالمية، وهذا ما جعل من سويسرا مركزا عالميا للنظام المصرفى الدولي، وجعل من سنغافورة مركزا للخدمات المالية والتجارية العالمية، والآن بروناى بدأت طريقها فى أن تكون مركزا للخدمات المالية والاقتصادية وفق نظام الشريعة الإسلامية، حيث يقدر حجم الاقتصاد الإسلامى بنحو 2.3 تريليون دولار، مع كتلة سكانية تشكل 1.6 مليار مسلم يتوزعون فى مختلف دول العالم، فى وقت يتجه فيه التاثير الافتصادى العالمى نحو الشرق فى القارة الآسيوية، وكل يريد أن يغتنم فرصة ذلك التوجه العالمي.