السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

من «بيت الله» إلى «البيت الأبيض» ـ الحلقة الثانية ـ تفاصيل اللقاءات «السرية» بين مرشد الإخوان «والسفارة الأمريكية»!

من «بيت الله» إلى «البيت الأبيض» ـ الحلقة الثانية ـ تفاصيل اللقاءات «السرية» بين مرشد الإخوان «والسفارة الأمريكية»!
من «بيت الله» إلى «البيت الأبيض» ـ الحلقة الثانية ـ تفاصيل اللقاءات «السرية» بين مرشد الإخوان «والسفارة الأمريكية»!




دراسة يكتبها: هانى عبدالله

بالتزامن مع تأسيس «قسم الاتصال بالعالم الإسلامى» داخل الجماعة؛ كان «التنظيم» مُهيًّأ، إذ ذاك؛ لاحتضان أحد نجومه «الجدد»، ممن سيرسمون – إلى حدٍّ بعيد – خريطة انتشاره العالمي، إذ كان هذا النجم الجديد، «سعيد رمضان» صهر مرشد الجماعة المؤسس (حسن البنا).
كان «سعيد رمضان» قد التحق بكلية الحقوق بالعام 1942م، بعد التحاقه بجماعة الإخوان.. وكان من العناصر الإخوانية «النشطة» داخلها، حينذاك.. إذ يُقال إنه كان خطيبًا مفوهًا.. ويبدو – وفقًا لرواية حكاها القيادى الإخوانى الراحل «د.حسان حتحوت»، أن «الجماعة»، رأت أن قدراته الخطابية تلك، يجب أن تُنمّى؛ للاستفادة منها فى وقتٍ تالٍ، إذ يقول «حتحوت»:
(جاء «سعيد رمضان» من طنطا؛ لكى يدخل كلية الحقوق، فكان خطيبا مفوها، وكثُرَ الطلبةُ عليه، وأصبح يلقى الخطب والمحاضرات.. فذهبت إلى الأستاذ البنا وقلت له: سعيد رمضان يستقر فى بيته حتى يأخذ الليسانس والماجستير والدكتوراه، ثم يُخلى بينه وبين الناس، وكانت الجملة التى قلتها له: «إن مفكراً واحداً خير للدعوة من ألف جندى»).


 وبعد أن أنهى «رمضان» دراسته بالعام 1946م، كان أن اختاره «البنا» سكرتيرًا خاصًا له؛ نظرًا لثقته به.. وأكثر ما يعكس تلك الثقة، بشكل كبير، كان قرار «البنا» بتزويجه من كبرى بناته (وفاء).. وهو ما جعله، متداخلاً، بشكل أعمق، مع الرجل، وكاتمًا لأسراره.. كما أسند له، أيضًا، بعد عام من تخرجه، مهمة إدارة (مجلة الشهاب) التى كانت تصدرها الجماعة.
ومن موقع «كاتم أسرار المرشد الأول للجماعة»؛ لم يكن الدور الذى لعبه «سعيد رمضان» قبل اغتيال «حسن البنا» منفصلاً عن الإطار العام الذى يتحرك داخله الشيخ.. فمن منطلق الثقة التى أسندها «البنا» لسعيد رمضان؛ كان أن أصبح الرجل أشبه بـ«سفير متجول» لرأس التنظيم.. يرسله الشيخ هنا، أو هناك؛ للالتقاء بالوفود العربية، أو ممثلى حكومات تلك الدول بالخارج، متحدثًا بلسان «البنا» ودعوته.
وفى هذا السياق؛ أرسله «البنا» فى مهمة خاصة للقدس؛ لتأسيس فرع للجماعة هناك.. وأثناء تواجده هناك، قام الملك عبد الله بتعيينه - بناء على توصية من الحاج أمين الحسينى «مفتى القدس» - رئيسا للفرقة العسكرية هناك.. وخلال فترة الاضطراب التى عاشتها الجماعة قبل قرار حلها بالعام 1948م، كان «سعيد رمضان» أحد المطلوبين أمام القضاء.. فتوجه نحو «العراق»، حيث كانت دعوة الجماعة (عبر الشيخ الصواف)، قد بدأت فى تكوين نواة جيدة هناك.. وبعد أن طالبت الحكومة المصرية نظيرتها «العراقية»، وقتئذ، بتسليمه، استقر القرار  على أن يتوجه نحو «باكستان».
** * **
ففى تلك الأثناء (أى: خلال أحداث العام 1948م)؛ مثّل «قرار حل الجماعة»، منعطفًا حقيقيًّا للتنظيم، إذ كشفت التحقيقات، التى صاحبت «قرار حل الجماعة» - بشكل كبير - عن «الجانب الأكثر عنفًا» من أفكار الجماعة، ولجوئها لتصفية «خصومها» إذا لزم الأمر.
فواقعة اغتيال الجماعة للنقراشى باشا، لم تعد – بحسب العديد من الشهادات الإخوانية -  محل جدل تاريخى.. فمن اغتاله هو «النظام الخاص».. وهو جهاز أسسه «البنا»، خلال الفترة ما بين نهاية الثلاثينيات، وبداية الأربعينيات.. وهى الفترة التى شهدت أوضاعًا سياسية «مُرتبكة» بين القصر والإنجليز، إذ كان من بين نتائجها؛ إجبار الإنجليز «الملك فاروق» على حل حكومة «على ماهر»، وتشكيل وزارة جديدة .. أى أن بذرة «الجهاز الخاص» وضعت قبل أن تتخذ «القضية الفلسطينية»، وضعها المتأزم بإعلان قرار التقسيم بالعام 1948م (وهى الحجة التى يبرر بها الإخوان – دائمًا – سبب تأسيس الجهاز الخاص!).
.. وترجع أحداث تلك الفترة إلى يناير من العام 1948م، إذ عثرت «قوات الأمن» على نحو 165 قنبلة، وصندوقًا للأسلحة بـ«منطقة المقطم»، فى أعقاب معركة ساخنة جمعت بين قوات البوليس وشباب الإخوان.. وكان أن ادعى «الإخوان» أن الأسلحة كانت فى طريقها إلى فلسطين.
.. وبعد هذه الواقعة بشهر واحد فقط، اغتالت الجماعة القاضى «أحمد الخازندار»، إذ كان قد أصدر حكمًا بالسجن على شابين من «الجماعة»، كانا قد تم اتهامهما بإلقاء قنابل على نادى الضباط الإنجليز بالقاهرة ليلة عيد الميلاد.. وفى شهر نوفمبر - بعد سلسلة من التفجيرات التى شهدتها العاصمة بين المحلات الكبرى المملوكة لليهود، مثل: شيكوريل، وأريكو، وبنزيون؛ اشتبهت دورية شرطة فى سيارة «جيب» كانت تقف أمام أحد المنازل بـ«حى الوايلى»، إذ لم تكن تحمل أرقامًا .. ووجِد بها كمية كبيرة من المتفجرات، والأوراق، تخص «النظام الخاص» بالجماعة.
.. وهو الأمر الذى دفع حكومة «النقراشى»؛ لإصدار الأمر العسكرى رقم 63 لسنة 1948 بحل جمعية «الإخوان» وجميع شعبها.. وبعد 20 يومًا، فقط، على قرار الحل؛ كان أن أطلق «عبدالحميد أحمد حسن»، عضو النظام الخاص، النار على «رئيس الوزراء»، وأرداه قتيلاً أمام وزارة الداخلية.. وهو ما انتهى بـ«اغتيال  البنا» نفسه، كرد فعل مباشر على نهج جماعته الدموى.
ومن ثمَّ.. مرت الجماعة بعد اغتيال «حسن البنا» بمنعطف شديد، إذ ارتبكت خلاله الحسابات كافة.. وباتت الجماعة من الداخل أشبه بالجزر المقسمة، إذ اشتد الصراع على من يخلف الرجل فى موقعه.. وكان من الطبيعى، فى ظل قرار الحل، وخلو موقع المرشد أن تتأثر العديد من اللقاءات التنظيمية، ومنها «اجتماعات قسم الاتصال».. وإن كانت «النبتة الإخوانية»، قد واصلت نموها (عربيًا، وإسلاميًّا) عبر من تم استقطابهم نحو الفكرة، خلال السنوات السابقة لتلك الأزمة.
** * **
فيما كان العديد من «الدراسات التاريخية»، التى تعرضت للعلاقات الدولية الخاصة بالجماعة (فيما قبل اغتيال «حسن البنا»)؛ يقطع بأن ثمة «علاقة واضحة» بين ظهور الجماعة، من حيث الأصل، ودعمها من قبل قوات الاحتلال الإنجليزي، عبر برنامج أدارته – وقتئذ -  «الاستخبارات البريطانية».. تبدو العلاقة بين الجماعة نفسها، والولايات المتحدة الأمريكية (وريثة الإمبراطورية البريطانية)، فيما بعد «اغتيال البنا» – أي: منذ بداية الخمسينيات – أكثر ظهورًا، وتأكيدًا.. إذ بدأت «الولايات المتحدة» فى مد قنوات الاتصال، بشكل «عميق» مع الجماعة، عبر أكثر من مستوى، وعبر أكثر من حلقة.. وكانت «الحلقة الأولى»، هى سعيد رمضان «صهر البنا، نفسه».. أما «الحلقة الثانية» – وهى حلقة لم تحظ، سوى بعملية رصد «واحدة»، فيما أعلم! – فكانت عبر المستشار «حسن الهضيبى»، الذى خلف البنا فى موقعه (!)
فمن «القدس» الّتِى زارها «سعيد رمضان» خلال النصف الثانى من الأربعينيات، إلى «باكستان» الّتِى شارك بها فى أول اجتماعات المؤتمر الإسلامى بـ«كراتشى» فيما بين العامين (1949 ــ 1951)؛ لتأسيس نواة إسلامية تمثل «حائط صد» لقوى اليسار «الصاعدة» فى ذلك الحين.. كان أن فتح هذا الأمر الطريق أمام الرجل للتقارب مع الولايات المتحدة، وقت رئاسة أيزنهاور، إذ كانت تسعى هى الأخرى (أي: الولايات المتحدة) خلف الهدف نفسه. (1).. إذ أدى هذا التقارب إلى أن يحل «صهر البنا» ضيفًا على «البيت الأبيض» ذاته (!)
وبحسب روبرت دريفوس (2)؛ لم يكن ذهاب سعيد رمضان للبيت الأبيض بالعام 1953م صدفة.. فقد ذهب رمضان لأمريكا؛ للمشاركة بمنتدى كانت قد أقامته جامعة «برنستون» عن الثقافة الإسلامية، بمشاركة عدد من كبار المستشرقين، مثل: فيليب هيتي، وكويلر يانج، وبايلى ويندر، وويلفريد كانتويل، وريتشارد نيلسون، وكينيث كريج.
وهو المنتدى الّذِى وضع برنامجه، الكونجرس الأمريكي، إذ كانت الحكومة الأمريكية تستهدف من المؤتمر - الّذِى لم تتم الدعوة له اعتباطًا - استدعاء مشاركين ترى إمكانية تعاونهم معها، بنحوٍ يعود بالفائدة على سياسات الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط، والعالم الإسلامى.
وأسهمت إدارة المعلومات الدولية التابعة للخارجية الأمريكية، فى تمويل المؤتمر، متحملة تكاليف الانتقال من الشرق الأوسط للولايات المتحدة.. وكانت إدارة المعلومات- حينئذ - لا تزال حديثة النشأة، إذ تم تأسيسها فى العام 1952م، تحت غطاء وزارة الخارجية، ثم أُلحقت بوكالة الاستخبارات المركزية (C.I.A) فى العام 1953م (أي: بالعام الّذِى أقيم فيه المؤتمر)؛ لأغراض استخباراتية، منها دعم برنامج «مواجهة الشيوعية».
ووفقا لإحدى وثائق أرشيف الأمن القومى الأمريكى، الصادرة بتاريخ 30 إبريل 1953م؛ فإنَّ المؤتمر يبدو من على السطح؛ كأنه نوع من التعليم والتعلم.. وهذا هو الانطباع المطلوب عنه.. لكن المؤتمر كان يهدف إلى جمع شخصيات لها تأثير ملحوظ فى توجيه الرأى العام، داخل المجتمعات الإسلامية، وعلى مستويات: القانون والفلسفة والتعليم والسياسة، إذ إن المطلوب هو (توجيه) الحراك بالشرق الإسلامى من داخل الإسلام نفسه (!)
.. وهو ما كان صحيحًا إلى حدٍ بعيد، إذ استطاعت الولايات المتحدة أن تُجَيِّش داخل عدد من البلدان العربية من يتصدون عبر الفروع المعرفية السابقة، والأنظمة الحليفة؛ لمواجهة الشيوعية.
وتشير وثيقة (3)، صادرة عن السفير الأمريكى بالعراق فى النصف الأول من خمسينيات القرن الماضى «بيرتون بيرى» ــ عن برنامج «Brain washing» ــ إلى أن الدكتور محمد فاضل الجمالى- كان رئيسًا لمجلس النواب العراقى - أخبر أحد أعضاء السفارة، أنه تم تكليفه من قبل الحكومة بإعطاء محاضرات ضد الشيوعية لطلاب الجامعة، ممن تم إرسالهم إلى معسكرات صيفية فى شمال العراق. . وتم التأشير على الوثيقة المؤرخة فى 26 مايو 1953م - الّتِى كانت جزءًا من البرنامج، نفسه، الّذِى شارك به رمضان - بضرورة إرسال نسخ منها إلى عَمَّان (الأردن)، وبيروت، والقاهرة، ودمشق، وجدة، والقدس، وتل أبيب.. فضلاً عن أنقرة وباريس ولندن (!)
** * **
أما حلقة «الاتصال الثانية»، مع «الإدارة الأمريكية» (أي: حلقة المستشار الهضيبى)، فقد بدأت تؤتى أُكلها، فى أعقاب انتخاب «الهضيبي» مرشدًا عامًا للجماعة – بشكل رسمى – فى العام 1951م، مباشرةً (!)، إذ كان الفضل الأول – وربما الأخير! – فى كشف غموض تلك العلاقة، يرجع لأستاذ التاريخ الراحل «د. رءوف عباس» فى كتابه «المهم»: (شخصيات مصرية فى عيون أمريكية).. وهو كتاب – رغم أهميته – لم ينل ما يستحقه (!)، إذ أتاحت «المنحة» التى وفرتها «الجامعة الأمريكية بالقاهرة» للمؤرخ الراحل بالعام 1995م - وقت أن كان يُحاضر  بها – الاطلاع على الأرشيف القومى الأمريكي، ووثائقه «غير المعلنة» خلال الفترة ما بين عامي: 1951م، و1953م.
وكان من بين الوثائق، التى ضمّنها «د. رءوف» كتابه، تقريرٌ «مُجمّعٌ» عن «المستشار الهضيبي» بالعام 1953م، عرف طريقه نحو الإدارة الأمريكية – وقتئذ – عبر السفارة الأمريكية بالقاهرة.
بدأ «التقرير»  (4)، بسيرة ذاتية «تقليدية» لمرشد الإخوان، تعرضت لنشأته بـ«شبين القناطر – قلیوبیة»، وتركه دراسته بالأزهر؛ لدراسة الحقوق.. وظروف تعلقه بدعوة الإخوان فى العام 1944م، وصلته القوية بمرشد الجماعة المؤسس (حسن البنا).. ثم يدلف التقرير نحو أحداث العام 1950م.. وهى الأحداث التى شهدت بزوغ نجم «الهضيبى» داخل الجماعة، إذ يقول: فى 5 فبرایر 1950م - بعد عودة الوفد إلى الحكم - قرر مجلس الوزراء إلغاء معظم مواد قانون الأحكام العرفیة الذى كان ساریًا منذ بدایة حرب فلسطین. عندئذ استأنف الإخوان نشاطهم علنا، رغم أن الوضع القانونى للجماعة ظل غامضًا، حتى سقطت آخر بنود قانون الأحكام العرفیة فى 5 مایو من العام 1951م.. وكان الهضیبى قد اختیر فى أكتوبر من العام 1950م؛ لخلافة «البنا» فى منصب المرشد العام، ولكن مجلس شورى الجماعة لم ینعقد حتى 18 أكتوبر بالعام 1951م؛ لیتم انتخابه رسميًّا) (5).
ويتابع: ولما كانت جماعة الإخوان قد عانت من الانقسام إلى عدة مجموعات.. ولأنها تطورت تحت القیادة الشخصیة للشیخ حسن البنا؛ فقد كان الاتفاق على من یخلفه فى القیادة أمرًا بالغ الصعوبة.. ولم یكن للهضیبى نفوذ بین صفوف الجماعة یزكى انتخابه مرشدًا عامًا، كما لم یكن له أتباع.. وكان من المرجح أن یختار حسن البنا نفسه الشیخ حسن الباقورى (وزیر الأوقاف الآن) لیخلفه فى منصب المرشد العام.. لكن «الباقورى» رفض قبول المنصب عندما اُغتیل البنا (6).
ويذكر «التقرير»: فى 20 نوفمبر 1951م (أى: بعد انتخابه بشهر، فقط)؛ قابل الهضیبى الملك فاروق، وقد أثارت المقابلة الدهشة لما هو معروف عن الملك وحزب الوفد (الذى كان فى الحكم) من معارضة للإخوان.. ولعل الملك الذى كان یتطلع إلى التخلص من حكومة الوفد أراد أن یُحسّن علاقته بـ«الإخوان»، حتى یضمن مساندتهم له عند الحاجة.. ولعل الهضیبى أراد – من ناحیة أخرى – أن یُحسّن مركزه عند القصر، على أمل أن یساعد ذلك على إنهاء «حملة الحكومة» ضد «الإخوان»، وإطلاق سراح المسجونین منهم.
ووفقًا لأحد المصادر السریة (للسفارة الأمریكیة) عرض الهضیبى على الملك ما یعانیه الإخوان من المتاعب، واقترح أن توقف الحكومة حملتها ضد الإخوان، وأن یطلق سراح المسجونین منهم، وأن یسمح بتمثیل الإخوان فى الحكومة.. وعرض فى مقابل هذه التنازلات «أن یقسم كل أخ مسلم یمین الولاء للملك».
ويُعلّق، هنا، كاتب التقرير: «لعل هذا التقریر صحیحًا، فیما عدا ما جاء به من طلب الهضیبى أن یسمح بتمثیل الإخوان فى الحكومة، فالإخوان منقسمون إلى عدة فصائل منذ مقتل الشیخ البنا، یختلفون مع بعضهم البعض حول تفسیر برنامج الجماعة والوسائل التى یمكن اتباعها؛ لتحقیق أهدافها.. والعناصر الأكثر تطرفا التى یقودها صالح عشماوى، قد تُفضّل أن تلعب الجماعة علنا دور الحزب السیاسى.. والهضیبى یذهب إلى أن جماعة الإخوان، رغم أن مبادئها الدینیة تتضمن أهدافًا سیاسیة، إلا أنها جماعة دینیة».
مضيفًا: والهدف الأسمى لجماعة الإخوان - الذى یؤمن به أعضاؤها، وجمیع قادتها - هو أن تتولى حكم مصر.. لكن الهضیبي، وأتباعه یرون «ضرورة الانتظار»، حتى تحصل الجماعة على تأیید أغلبیة المصریین قبل إقدامها على اتخاذ «موقف صارم»؛ لتطبیق برنامجها تطبیقًا تامًا.. وذلك حتى لا تضطر إلى اتخاذ «مواقف توفیقیة»، أو تتعرض للفشل(7).
وبين سطور التقرير «المهم» (كان فى نحو 6 صفحات، كاملة)؛ يُمكننا أن نستشف شيئًا من مضمون «الاتصالات» التى كانت تجريها – بشكل مباشر – السفارة الأمريكية بالقاهرة، مع المستشار «حسن الهضيبي» نفسه.. وهى اتصالات كانت تتم عبر مستشار السفارة نفسه (!)..  كما أنها كانت تستهدف – فى أحد جوانبها – استكشاف موقف مرشد الجماعة الجديد من «الاتحاد السوفيتي»، ومدى قابلية توظيف الجماعة فى «برنامج مواجهة الشيوعية»، الذى كانت تديره «وكالة الاستخبارات المركزية» حينئذ (!)، إذ يقول التقرير:
(لا یبدو الهضیبى معارضًا قویًّا للاتحاد السوفیتي، رغم معارضته للشیوعیة باعتبارها «تتناقض مع مبادئ القرآن».. ففى حدیث دار بینه، وبین مستشار السفارة (الأمریكیة) قال: «إن روسیا لم تؤذ مصر، ولكن بریطانیا ألحقت بها الأذى»).
لكن.. لم يكن ما قاله «الهضيبي» لمستشار السفارة الأمريكية – وفقًا لشواهد الأحداث التالية -  يقطع بعدم مشاركة الجماعة بالبرنامج الذى كانت تسعى لتنفيذه «الإدارة الأمريكية»، إذ بعد ذلك اللقاء بشهورٍ قليلة، عرف «سعيد رمضان» طريقه نحو «البيت الأبيض» لتمثيل الجماعة بالمشروع ذاته (!)
ونكمل لاحقًا...


هوامش

(1)
هانى عبدالله، «كعبة الجواسيس: الوثائق السرية لتنظيم الإخوان الدولي» – مركز الأهرام للنشر (مؤسسة الأهرام)، 2015م.
(2)
Ropert Dreyfuss “ DEVIL’S GAME “ how the united states helped unleash fundamentalist Islam .
(3)
تم نشر الوثيقة، بكتابنا «كعبة الجواسيس» (مصدر سابق).
(4)
 وفقًا للدكتور «رءوف عباس»، كان عنوان الوثيقة بالأرشيف القومى الأمريكي، كالآتى :
USNA, Confidential Biographic Data, DOS 774.521/2-553, Cairo, February 5, 1953
(5)
 رءوف عباس (دكتور)، «شخصيات مصرية فى عيون أمريكية» – دار الهلال- القاهرة، 2002م.
(6)
رءوف عباس (مصدر سابق).
(7)
رءوف عباس (مصدر سابق).