الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«سامول».. تروى حكاية مصر

«سامول».. تروى حكاية مصر
«سامول».. تروى حكاية مصر




زين شحاتة يكتب:
«سامول» قرية صغيرة فى مساحتها، كبيرة فى روايتها، تقع على بعد 10 كم شمال غرب مدينة المحلة الكبرى، تجسدت داخلها الخريطة الاجتماعية المصرية فى أوضح صورها، ففيها الفلاح والعامل والطالب واستاذ الجامعة ورجل الشرطة وشهيد الجيش وضحيا الانفلات الأمنى إبان الثورة وحكم الإخوان، وفيها الحلم والطموح والمشروعات القومية، فمن يطلع عليها يطلع على نموذج مصغر لمصر سياسيا واقتصاديا وإعلاميا.
بالرجوع إلى ثورة 25 من يناير نجد أن القرية خرجت فى مساء جمعة الغضب، لا للتظاهر، بل للتأمين، فشكلت اللجان الشعبية والمتاريس فى مداخل ومخارج القرية، وولّدت الثورة داخلها الرأى والرأى المعارض، ومن الجدير بالذكر أن «سامول» مسقط رأس محمد بديع مرشد جماعة الإخوان المسلمين ومحمد محمود جودة الخبير الاقتصادى وأحد أهم أركان الجماعة، وعلى بعد خطوات منها قرية دمتنو مسقط رأس المستشار أحمد الزند وزيرالعدل السابق وزعيم أكبر حركة معارضة لحكم وتواجد الإخوان، وما أن وضعت الثورة أوزارها وهدأت طبولها بدأت القرية فى مطاردة فلول الحزب الوطنى سياسيا بالتوازى مع الانفلات الأمنى الذى أزهق أرواح شباب وفتيات من القرية أدمى مقتلهم القلوب.. وقد عاشت القرية  كباقى  الدولة المصرية فترة الاستقطاب السياسى الذى تبع ثورة يناير وصولا إلى الانشطار فترة حكم الإخوان وتجلت الصورة الانشطارية فى صلاة العيد حيث صلى البعض فى ساحة أقامها ومولها الإخوان والبعض الأخر على بعد أمتار فى ساحة أقامتها ومولتها القوى المعارضة لحكمهم، وحال التداخل الاجتماعى والمصاهرة بين الفريقين من حدوث كارثة ومعركة جسدية، ولكنه لم يحول بين التراشق اللفظى.
بعد زوال حكم الإخوان وتنفس أهل القرية الصعداء عادت القرية إلى البناء مع ظهور حركات شبابية جديدة اتخذت من الجمعيات الأهلية سبيلًا لتوعية وخدمة أهل القرية، والتحم جيل الشباب مع الأجيال السابقة له لاستكمال المشروعات القروية التى وضٌع حجر الأساس لها منذ عقود، منها من انتهى كمجمع المعاهد الأزهرية والمدارس الثانوية والفنية والسنترالات ومشروع الصرف الصحى، وتُوجت تلك المشروعات بمركز الغسيل الكلوى الذى يعد من أضخم مراكز الغسيل بمنطقة الغربية، وجميعها بالجهود الذاتية لأهل القرية، وفى غمرة انشغال أهل القرية فى البناء يرسل لهم الإرهاب فى سيناء جثمان أحمد حسين جودة، النقيب بالقوات المسلحة، على رأس وفد عسكرى رفيع المستوى لتشييع جثمانه إلى مثواه الأخير، فى جنازة عسكرية مهيبة، ليكتب اسم الشهيد على مدخل المدرسة الإعدادية لتكتمل صورة مصر فى «سامول» وتدفع ثمن للإرهاب.
ومن أجمل فصول الرواية المصرية فى «سامول» عملية تجميع الأموال اللازمة لتشييد وبناء المشروعات القروية، والتى تتشابه مع تمويل المشروعات القومية الكبرى ومشروعات صندوق «تحيا مصر»، فالمشروعات تبدأ بحلم أو فكرة تتبلور داخل عقول أبنائها على أحد المقاهى التى  تكسوا القرية من مدخلها الجنوبى حتى المدخل الشمالى، أو داخل حجرة الاستقبال الخاصة بمنزل أحد أهلها العاشقين للعمل التطوعى، ويتم إعداد المقايسات اللازمة للمشروع مع الاستعانة بأحد خبراء المجال من داخل القرية، بعدها تبدأ ملحمة تدبير الأموال، ومن صور التدبير أن يقف قائد العمل التطوعى جمال القزاز عند المقابر لحظة تشييع الجثامين ليخطب فى الناس بالمشروع ويعلنهم بالتطورات، ويبدأ فى تلقى الأموال، ولا ينجو من نقد البعض لأنه يشعل حمرة الخجل فى وجوههم أمام ضيوف القرية وأهل المتوفى بالقول (هو بيشحت علينا).
وتعد عملية جمع الأموال من أهل القرية المتوسطة الدخل ملحمة تتوارى خلفها ألوان الطيف السياسى والحزبى والخلافات الشخصية، فالكل يلهث خلف هدف واحد وهو الإنجاز فى الوقت القياسى فتجد من يعطيهم المال ومن يعطيهم المحاصيل الزراعية ومن تعطيهم قيراطها الذهبى مثلما فعلت بعدهن بسنوات الحاجة زينب التى وضعت قيراطها فى يد الرئيس عبدالفتاح السيسى لتزين به صندوق تحيا مصر.
أما الفصل الأخير من حكاية مصر فى «سامول» فهو الإعلام، حيث دشن بعض شباب القرية صفحة إلكترونية على الإنترنت تحمل اسم «مجلة أخبار سامول» ويقترب متابعيها من حاجز الستة آلاف متابع، وتولت هذة الصفحة نشر أخبار القرية من حوادث ووافيات وزيارات للمسئولين، وصولا إلى الدور الصحفى الرقابى والداعم لمؤسسات القرية الرسمية والخدمية والمراقبة لنواب البرلمان الجدد، بعد أن لعبت دورًا مؤثرًا فى العملية الإنتخابية، وتواجه المجلة انتقادات لاذعًا من داخل بعض مؤسسات القرية ما يشعرك أنك تقرأ صحيفة قومية كما علق أحد روادها.
هذه هى التجربة السامولية، التى تعد ملهمة للفكر الوطنى، ومجسدة لمعنى المواطنة ونكران الذات ونبذ العنف والإرهاب، وارتداء لون سياسى واحد خلف هدف أسمى وهو البناء والتعمير لتحيا مصر قوية أبية.