السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

المشرق العربى «أرض النبوة»

المشرق العربى «أرض النبوة»
المشرق العربى «أرض النبوة»




د. إبراهيم العسال يكتب:
تشهد منطقة الشرق الأوسط - وفى القلب منها المشرق العربي- صراعات سياسية محتدمة تطورت بشكل ملحوظ فى السنوات الأخيرة، وإن كانت هذه الاضطرابات ممتدة عبر عقود طويلة الا أنها بلغت ذروتها مع ظهور بعض التيارات الدينية المتشددة وعلى رأسها «تنظيم الدولة فى بلاد سوريا والعراق» الذى يتخذ من هدم التراث ونسفه منهاجا فى كل مدينة يدخلها وسط صمت عالمى تجاه أعز ما تملكه الأمم والشعوب خاصة أن ارتبط هذا التراث بالأديان المختلفة التى يؤمن بها جُل شعوب الأرض.
وتراث الشرق العربى القديم ارتبط بعدة حضارات خلفت العديد من الآثار التى تحكى تاريخ هذه البلاد، إلا ان الله قد اختص هذه البقعة بحضارة عريقة يخرج من رحمها اديان سماوية اضاءت طريق الكون وانتقلت الى أوروبا وآسيا لتهُمين على الفكر الانسانى شرقا وغربا، كما كانت شعوب الشرق هى أول شعوب العالم مناداة بتفوق القيم الروحية، ومنها اختار الله نوحا وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم السلام لإقامة ديانة التوحيد عبر رسالات الهية خرجت من مشكاة واحدة تنشر رسالة السلام وتنبذ اى عنف وتدعو للتعايش فى ارض واحدة وتحت سماء واحدة؛ ففى المشرق العربى وُلد نبى الله ادريس إما فى بابل بالعراق أو بأرض الكنانة «مصر» كما ذكر الكندي.
كما ربط بعض المؤرخين بينه وبين أوزيريس بطل اهم اساطير الحضارة المصرية القديمة، وعلى اى حال من الثابت أن إدريس عليه السلام هو أول من خط بالقلم وخاط بالإبرة وسمته بعض المراجع التاريخية هرمس ونادته أخرى بأخنوخ، وقال المؤرخون إن الناس ايام ادريس عليه السلام كانوا يتكلمون باثنين وسبعين لغة وقد تعلمها هو كلها وقيل أنه أول من استخرج الحكمة وعلم النجوم والفلك، وعليه فصدرت حضارة الشرق الى الدنيا كل هذه العلوم.
كذلك تتقدس مكان ومكانة حضارة الشرق باحتضانها لدعوة نبى الله ابراهيم الذى حظى بتقديس وتكريم جميع الكتب السماوية ولقد اخُتلف فى مكان ميلاده فذكرت التوراة إنه ولد فى «فدان ارام» بالعراق، وقال بعض المؤرخين أنه ولد فى السوس من أرض الأهواز، وقال آخرون إنه ولد فى بابل، ومهما كانت هذه الاختلافات فى الروايات فإن ابراهيم قد ولد بالعراق، وحتى عندما فكر بالخروج من تلك البلاد، قرر الخروج مهاجرا بصحبة زوجته سارة وابن اخيه النبى لوط عليه السلام الى بلاد الشام، ثم انتقل الى أرض كنعان ولم يطل هناك فقد أجدبت الأرض وشح المطر وقل الخير فتوجه الى مصر وتزوج هاجر ثم عاد الى الشام لينزل ارضا بين إيليا - كما سماها العبرانيين ومعناها بيت الله - وفلسطين كما يقر الطبرى وفيها تستقر زوجته «سارة» التى انجبت له اسحق، ومنها يتجه النبى ابراهيم الى واد غير ذى زرع - مكة - بصحبة زوجته وام ولده اسماعيل هاجر المصرية وذكر ابن خلدون انه كان يتنقل بين الشام ومكة.
وفى المشرق العربى وُلد نبى الله يوسف بأرض كنعان فى فلسطين موطن أبيه يعقوب، وصار الى مصر واصبح عزيزها والتقى ابويه بعد طول فراق، وقد اختلف المؤرخون فى مكان وفاته بين نابلس والخليل التى بها مدافن اسحق ويعقوب وابراهيم ولقد سجل العهد القديم وفاة يوسف ودفنه فى ثلاثة اسفار هى سفر التكوين وسفر الخروج وسفر يشوع وكلها تتفق على دفنه بأرض استوطنها بنو اسرائيل الذين عاشوا فى مصر منذ سنين المجاعة وكان يوسف قد خط لهم بلبيس وما حولها لمعيشتهم، فتكاثروا وتناسلوا حتى مر بهم الوقت وهم يتدارسون فيما بينهم ما يؤثرونه عن ابراهيم من أنه سيخرج من ذريته غلام يكون هلاك مصر على يديه، وكانت هذه البشارة مشهورة فيما بين العامة من أهل مصر، الى أن أمر فرعون بذبح ذكور هؤلاء العبرانيين إلا أن النبى موسى قد نجا بحكمة الهية فتربى فى قصر فرعون نفسه فى قصة اقرتها الكتب المقدسة.
خلاصة القول إن اختيار ارض المشرق العربى لتكون البيئة التى خرجت من رحمها الرسالات السماوية واحتضنت بين جنباتها أنبياء يؤمن بهم شعوب الكون على اختلاف عقائدهم يٌضفى أهمية خاصة وقدسية تجعل هذه الأرض محط أنظار الأمم فى أرجاء الكون عبر العصور والأزمان لأنها أرض تمس تراثهم العقائدى والفكري، فضلا عن أهميتها التاريخية حيث انبثقت من الشرق العربى فجر الحضارة الانسانية والتى لعب المتوسط دورا فى نقلها الى اوروبا، فكان الشرق العربى بمثابة جسر عبرت من خلاله التأثيرات الثقافية لتعم الدنيا كلها وتنعم بها سائر الشعوب. كما أتحف الشرق العربى العالم بالأبجدية التى انتقلت بواسطة الفينقيين الى اليونانيين الذين نقلوها للغرب كافة، اما انتقالها الى بلاد فارس والهند والصين فكان عبر الآراميين لينتقل العالم الى مرحلة جديدة من النضج والمعرفة.