الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

واحة الإبداع.. الهروب

واحة الإبداع.. الهروب
واحة الإبداع.. الهروب




يسيل بجوار النيل فى بر مصر نهر آخر من الإبداع.. يشق مجراه بالكلمات عبر السنين.. تنتقل فنونه عبر الأجيال والأنجال.. فى سلسلة لم تنقطع.. وكأن كل جيل يودع سره فى الآخر.. ناشرا السحر الحلال.. والحكمة فى أجمل أثوابها.. فى هذه الصفحة نجمع شذرات  من هذا السحر.. من الشعر.. سيد فنون القول.. ومن القصص القصيرة.. بعوالمها وطلاسمها.. تجرى الكلمات على ألسنة شابة موهوبة.. تتلمس طريقها بين الحارات والأزقة.. تطرق أبواب العشاق والمريدين.  إن كنت تمتلك موهبة الكتابة والإبداع.. شارك مع فريق  «روزاليوسف» فى تحرير هذه الصفحة  بإرسال  مشاركتك  من قصائد أو قصص قصيرة «على ألا تتعدى 055 كلمة» على الإيميل التالى:    
[email protected]


الهروب

كتبها - زين ربيع شحاتة

أعدت الشمس عدتها للرحيل لتسدل الستار عن يوم حار كسى قريتنا وبالطبع منزلنا ذات الطابق الواحد ولكن لم يسدل الستار عن تلك المسرحية التى أتابعها برفقة أمى وأخى الصغير خلال التلفاز الذى يعلو منضدة خشبية تتوسط صحن المنزل، فتح الباب وظهر حمار أبى  شاقاً طريقه إلى حظيرته عابراً لنا، وبعده يدخل أبى والإرهاق باد على ملامحه واضعاً فأسه وجلبابه على الأرض بعد يوم عمل شاق فى الحقل وهو يتأمل انجذابنا إلى التلفاز فى دهشة ممزوجة بالغضب فبدأ حديثه لأمى التى لم تنصت إليه واكتفت بالنظر إلية وتكسوها  حالة ضحك هستيرى، فتحرك والدى ليقف أمام التلفاز ويقطع حالة الضحك التى تسيرى بيننا لنشير له جميعاً بأن يبتعد، فتصلبت ملامحه ودفع التلفاز بيده ليسقط على الأرض من ارتفاع كان كافياً لإعدامه، فأسدل بذلك الستار عن تلك المسرحية بل عن حياة التلفاز فى هذا المنزل، بعدها انتقل أبى فى إلقاء حممه على أمى لأنها التى ترفض ذهابنا لمساعدته فى الحقل فترة الإجازات الصيفية حتى أصبحنا فى نظره كالماشية التى تأكل دون فائدة، ثم انتقل إلى أخى الذى ضاقت ملابسه به أما أنا فكان لى نصيب الأسد حيث بدأ.
بقوله: أنت عارف الحمار اللى دخل دا أحسن منك، لم يقصد بقوله أن الحمار أفضل منى عقلاً بل قصد العمل ونسى أننى فى إجازة فاصلة بين عامين فى الجامعة، وعندما زاد أبى من رشقى بتلك الكلمات مستشهداً بجارنا الذى يخرج للعمل فى الصيف ويعود قبل العام الدراسى محملاً بكل ما لذ وطاب وأنا أنصت إلية فى أهتمام وعزمت على أن أهرب من تلك السلبية وأن يكون لى موقف حازم فتناولت العشاء وبعض الفاكهة ودخلت إلى غرفتى وأغلقت الباب ورائى فى صفعة مدوية وأنا أتذكر ابتسامة أبى الساخرة.
ومع إشراقة فجر اليوم التالى حملت حقيبتى بعد أن كتبت خطاب لأبى الذى أساء الظن بى لأخبره اننى ذاهب فى غربه بعيدة ولن أعود قبل أن أثبت له وللجميع أننى رجل وسيأتى اليوم الذى يقف فيه أبى وسط القرية ليقول للناس هذا أبنى، ولم أتخيل واقع هذا الخطاب على أبى لحظة قراءة أخى له لأننى وضعت الخطاب فى الحقيبة التى معى بدلاً من وضعه على المنضدة لتحل محل التلفاز.
وما هى إلا ساعة واحدة حتى وصلت إلى بوابة المجهول  بوابة الغربة القاتله التى أتيت لها بإصرار وعزيمة ولا أرى  أمامى سوى النجاح  وخلفى أبى الذى لا أستطيع الرجوع إليه فى ثوبى القديم الذى سأم رؤيته، وبدأت رحلة كفاحى فى الإسكندرية حيث عملت مع بعض الشباب ممن يعملون فى قطاع الإنشاءات ونتيجة لنجاحى الباهر فى خلط الأسمنت بالماء فأسندوا لى حقيبة الغداء حيث أذهب للمدينة التى تبتعد عن موقع العمل مسافة خمسون قرشاً فى سيارة الأجرة وقد حققت نجاح باهر فى تلك الوظيفة أبهرت الجميع وذات يوم ذهبت لإحضار الغداء وأنا فى طريق عودتى استوقفتنى سيدة وبرفقتها طفل صغير، طالبة منى المساعدة وبدأت فى سرد روايتها حيث أنها متزوجة منذ سنوات دون موافقة أهلها وقد نشبت مشاجرة بينها وبين زوجها أصر ألا تعود إلى المنزل دون حضور أحد من أهلها، وهى لا تجد القناع الذى ترتديه لطلب يد العون من أهلها، شعرت بأننى استمع لراوية كالتى كنت أسمعها فى تلفاز أبى الراحل فقاطعتها قائلاً: طب وأنا هعمل أيه؟
عادت لتروى قصتها بصوت متهدج يكسوه اليأس وطلبت منى أن ألعب دور أخيها أمام زوجها، لمحت تردد على وجهى فزادة فى إلحاحها مؤكدة أن ثواب الله أعظم من مجرد شكرها وأن الوقت الذى سيستغرقه هذا المشهد أمام زوجها لن يكون كافياً ليبرد الفول الذى معى، وبعد تفكير عميق ما بين العمال فى الموقع ولوعة الجوع ولوعة تلك السيدة طاغية الأنوثة فوافقت خصوصاً بعد أن علمت أن بيتها على مرمى حجر منا.
وصلنا إلى منزلها وقابلنى زوجها بحفاوة خصوصاً بعد أن لعبت الدور الذى رسمته لى تلك السيدة ببراعة، وبعد تناول الطعام الدسم وبداية الغروب نهضت طالباً الرحيل فباغتنى زوجها قائلاً: عليه الطلاق من أختك لتبات معانا النهار ده فسقطت على المقعد فى انسيابية وأنا أرى الخوف والرجاء فى اعين تلك السيدة فالشاب الذى جاء لنجدتها قد يكون سبب فى طلاقها، فقبلت دعوته بسرعة حتى أقطع أى خيط من الشك قد يتسلل إلى خاطره، فأصتحبتنى السيدة إلى غرفة فارهة الأساس يتوسطها تلفاز يكبر تلفاز أبى بعقود.
وعندما أنتصف ليل الإسكندرية استيقظت على دوى صرخات قادمه من الصالة فهبطت من فوق السرير متوجهاً ناحية الصالة بقدمان مرتجفتان وتجمد عندما رأيت السيدة الجميلة ذات الوجه الملائكى ملقاه على الأرض والدماء تدفق من مكان سكين زرع وسط صدرها وإلقى إلى جوارها على الأرض.
 فتوقفت أمامها شارد الذهن مأخوذ عاجز عن التفكير حتى سمعت أصوات أقدام بالخارج فأسرعت أبحث عن مهرب لى من تلك الشقة ومن ثم الهروب من الجريمة حتى اهتديت إلى شباك صغير عبرته إلى الشارع ولحظى السيئ رأنى أحد الواقفين أمام العمارة فدعى من هم إلى جواره مشاركته فى الحاق بى، ولكنهم فشلوا فى الإمساك بى لما تبقى بداخلى من حيوية الشباب وصلابة الفلاح حتى وصلت إلى سكة القطار وسقطت على الأرض من الإرهاق والتعب ونهضت على صوت أمى التى أتت لتيقظنى من النوم واستاءت عندما لمحت الماء إلى جوارى  على السرير أخبرتها بما كان فى منامى فضمتنى إلى صدرها لتمتص الخوف من صدرى، وانتفضت عندما فتح أبى باب الغرفة قائلاً: جاتك خيبة على أمك!!!!!