السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«السماء» تكشف عن الوجه القبيح لـ«أسمدة أبوزعبل»

«السماء» تكشف عن  الوجه القبيح لـ«أسمدة أبوزعبل»
«السماء» تكشف عن الوجه القبيح لـ«أسمدة أبوزعبل»




القليوبية ـ حنان عليوه


على بعد مسافة 45 كيلو مترًا من مدينة بنها، للوصول إلى «مصنع الأسمدة» بمنطقة «أبوزعبل» بمدينة الخانكة فى محافظة القليوبية، تبدأ الرحلة الصعبة من حيث استقلال 3 وسائل مواصلات لتقطع تلك المسافة الطويلة، وعلى بعد عدة كيلو مترات من قبل رؤية المصنع، تجد السماء صفراء اللون من كثافة الأدخنة والانبعاثات الناتجة عن المصنع، التى تصيب كل من يمر بالطريق بحالة من الاختناق.
خاصة أنه لا مكان بديل أمام السيارات للمرور منه سوى طريق مصنع الأسمدة بأبوزعبل، ولم يكن أمام السائقين والركاب غير حيلة وحيدة للهروب من تلك الأدخنة السامة، وهى إغلاق جميع النوافذ خوفا من تسرب الأدخنة القاتلة إليهم، وما جعلنا نضرب أخماسا فى أسداس، وجود أشخاص يقيمون بجوار المصنع، وأدمنوا استنشاق أدخنته بسمومها القاتلة، التى تخترق مساكنهم لتصيب أفراد الأسرة ورءوس الماشية بالأمراض.
مصنع الأسمدة بـ«أبوزعبل» يقع على الطريق، ويجاوره مبنى منطقة سجون أبوزعبل، والهندسة الإذاعية التابعة لاتحاد الإذاعة والتليفزيون، وفى المقابل تواجهه مساحة شاسعة من الأراضى الزراعية، التى غاب عنها اللون الأخضر، واكتست أراضيها وثمارها باللون الأصفر والأبيض الناتج عن أدخنة المصنع، التى أصابت المواطنين بالأمراض، فضلا عن تلف مئات الأفدنة من الأراضى الزراعية بسبب انبعاثات المصنع، التى لم ترحم الإنسان أو الحيوان، أو حتى النبات، فالكل أصابه الوباء الذى انتشر بفعل المواد الكيماوية التى تمت إضافتها بزيادة عن الحد المصرح به.
استقبلت «روزاليوسف» الأهالى بحالة من الغضب بسبب إصابة عدد من الأشخاص بالأمراض الفتاكة واختناق عدد آخر ولا يجدون سوى النسيان والإهمال الذين اعتادوا عليهما من قبل المسئولين.
بدأنا جولتنا ببعض المزارعين وملاك الأراضى الزراعية المحيطة بالمصنع التى اكتست باللون الأصفر، والأبيض الكثيفين، وشاهدنا مزرعة دواجن، كانت تعمل بكامل طاقتها خلال السنوات الماضية، وتميزت بزيادة الإنتاج الداجنى بالمحافظة، إلا أن الدواجن، لم تكن لديها القدرة الكافية لتحمل المواد السامة الناتجة عن المصنع، لتقضى على جميع الدواجن بالمزرعة المجاورة للمصنع.
كما توجد مجموعة من المنازل البسيطة، والتى لا تزيد طوابقها على دور أرضى، وتبلغ نحو 10 منازل، وتتميز تلك المنازل باللون الأصفر الناتج عن المواد الكيماوية التى يستخدمها المصنع فى مراحل إنتاجه، وأمام تلك المنازل مجموعة من الصبية، الذين فتك بأنفاسهم غبار الأدخنة الناجمة عن المصنع.
فى البداية، بدأ أحمد محمد، أحد الأهالى، حديثة قائلا: «حسبى الله ونعم الوكيل»، مضيفا: إن المصنع لم يرحم صغيرًا أو كبيرًا فى الإصابة بالأمراض المزمنة جراء أدخنته السامة، فضلا عن الأراضى الزراعية أصابها البوار، والمحاصيل أحرقتها المواد الكاوية، التى يستعين بها المصنع لزيادة إنتاجيته، منوها إلى أن مدرسة عزبة عزت باشا للتعليم الأساسى، لا يزيد عمرها على 6 سنوات، لكن عندما تقترب منها تجدها محاطة بالأتربة الكثيفة، التى تهاجم الطلاب، والمعلمين، حيث تشعر بأنها فى مرحلة الشيخوخة ولها قصة غريبة منذ زمن بعيد.
ويكشف محمد على، أحد الأهالى، عن أن إحدى الإدارات التابعة لوزارة البيئة قامت بوضع جهاز لقياس نسبة التلوث الناتجة عن المصنع، إلا أنهم اكتشفوا عن طريق «الصدفة»، أن أحد مسئولى المصنع يصعد إلى سطح المدرسة، ويسرع بإغلاق جهاز الرصد البيئى، ليكون عاجزا عن تسجيل نسبة التلوث الحقيقية، لتضمن إدارة المصنع ألا يثبت عليها أحد أنها تلوث البيئة، حيث إنه يتم الاسترشاد بنتائج الرصد البيئى الذى يسجله الجهاز، الذى تتحكم فيه إدارة المصنع، بالمخالفة للقانون.
ويلفت يوسف على، أحد المضارين، إلى أن التقرير الذى تناولته الأيادى للتأكيد أن المصنع صديق للبيئة، خاطئ، حيث أصدرت وزارة البيئة أحد تقاريرها بعنوان «مجهودات شركة أبوزعبل للأسمدة فى توفيق أوضاعها البيئية» من خلال مشروع التحكم فى التلوث الصناعى، خاصة أنه جاء فى مقدمة التقرير أن شركة أبوزعبل للأسمدة والمواد الكيماوية تعد من الشركات الرائدة بمصر فى مجال صناعة الأسمدة الفوسفاتية، وأنها المعنية بإنتاج حمض الفوسفوريك وسماد السوبر فوسفات الثلاثى فى مصر، لكن رغم تلك التأكيدات من قبل المسئولين على أن المصنع صديق للبيئة إلا أن الحقيقة ترصد غير ذلك.
ويتضرر إبراهيم جاد، أحد الأهالى، من قيام إدارة المصنع ـ على حد وصف الأهالى ـ، بحفر خط صرف من داخل المصنع، ليصب مخلفات مراحله الإنتاجية فى المصرف المائى الذى يعتمد عليه مزارعو القرية لرى المحاصيل الزراعية، بما يهدد حياة المواطنين بالمخاطر، حيث تغزو مثل هذه المحاصيل والتى تروى بمياه اختلطت بها المواد الكيماوية وفضلات منتجات الأسمدة والشبة، بما يهدد حياة المواطنين بالأمراض الخطرة  بتلك المحاصيل الزراعية.
ويوضح السيد عبدالنبى، من أبناء منطقة أبوزعبل، أن هناك نسبة لا تقل عن 80% من العاملين بالمصنع مصابون بأمراض الرئة، كما اتهموا المصنع بإتلاف المياه الجوفية للقرى المحيطة لما فيه من بحيرات داخلية تنقل التلوث إلى المياه الجوفية، بالإضافة إلى انتشار الأمراض الصدرية الناتجة عن عوادم وأدخنة المصنع، كما اتهموه بتلوث مياه الشرب بترعة الإسماعيلية التى يعتمد عليها الأهالى فى رى الأراضي.
ويعلن اشرف جمال، أحد الأهالى، أن مصنع «الشبة»، الذى يتم تصريف الكبريت إلى الترعة نتج عنها تدمير ما لا يقل عن 1360 فدانًا زراعيًا، وتبويره، منوها إلى أن الأرض فى المنطقة المحيطة بالمصنع مهددة بالبوار، وإجبار المزارعين على بيع حقولهم بأقل الأسعار، كما أن القرية التى كانت تشتهر بتربية الماشية لا يوجد بها الآن سوى عدد قليل من رءوس الماشية ومهددة بالنفوق.
ويقول عدد من المزارعين: إن إدارة المصنع تسعى بالقوة لإزهاق أرواح البسطاء، لإجبارهم على بيع حقولهم الزراعية للشركة، حيث يعانون الأمراض، ويحصدون الخسائر الفادحة بسبب أعمال المصنع، مضيفين: إن المصنع يبخس بأثمان أراضيهم، ما يجعلهم مهددين بالموت، أو الفقر والذل.
ويطالب سكان المنطقة اللواء الدكتور رضا فرحات، محافظ القليوبية، بضرورة تشكيل لجنة لمراقبة المصنع فى صدور تلك الانبعاثات الضارة بالمواطنين والأراضى الزراعية وفرض العقوبات الرادعة لقيامهم بإلقاء المخلفات فى المياه التى تستخدم فى زراعة الأراضى الزراعية، وإجراء الكشف على سكان المنطقة وعلاج المصابين منهم وتقديم العلاج الوقائى لغير المصابين بأمراض مع ضرورة تطهير المصارف والترع بالمنطقة والتى يشرب منها الماشية وتروى منها الزراعات، والتى تتحول إلى كارثة يصعب مواجهتها.