الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

تفاوت مستوى العروض بين مميز وجيد وردىء

تفاوت مستوى العروض بين مميز وجيد وردىء
تفاوت مستوى العروض بين مميز وجيد وردىء




 مع انطلاق الدورة التاسعة للمهرجان القومى للمسرح، بدأت جولة التسابق الأولى لعروض المسابقة الرسمية، وسعى كل المشاركين إلى التجويد ورفع مستوى أعمالهم، كى تنافس بقوة، وتزاحمت الجماهير على أبواب المسارح قبل بدء العروض بساعة كاملة، أملا فى حجز مقاعدهم مبكرا، وتعتبر هذه الدورة من أكثر دورات المهرجان، التى شهدت زحاما جماهيريا كبيرا، حتى أن بعض العروض اضطروا لإعادتها مرة أخرى من شدة الزحام، كان منها «الزومبى والخطايا العشر» على مسرح الهناجر، و«دراما الشحاتين» بمسرح أوبرا ملك.

من خلال هذه الجولات المتنوعة بين مسارح الدولة بشكل يومى ومن نظرة عامة عليها، تراوح مستوى العروض فى الأيام الأولى ما بين متميز، جيد، ضعيف، سيئ، وردىء، كان من العروض المتميزة «الزومبى والخطايا العشر»، إنتاج مركز الهناجر للفنون وإخراج طارق الدويري، العرض مأخوذ عن رواية 1984 للمؤلف جورج أورويل طعمها الدويرى، بأفكاره الثورية، ويعتبر العمل استعراضا لمجموعة أفكار متفاوتة ومتنوعة، وأكثر ما تميز به هذا العرض السينوغرافيا المبتكرة، والإخراج المختلف، والأداء الجماعى، فهو من الأعمال التى قد تنافس وبقوة على جائزة أفضل سينوغرافيا وإخراج، من الأعمال المميزة أيضا «جميلة» إنتاج مسرح الغد وإخراج مروة رضوان، وبطولة ندى موسى ومصطفى عبد السلام،  المسرحية مأخوذة عن نص «ترويض الشرسة» لوليم شكسبير، وقامت المخرجة والمؤلفة، بوضع لمسات جديدة على النص الأصلي، فلم تقدم شكسبير بشكل حرفى، بل جعلت من مسرحيته مجرد إطار درامى لكتابة نص جديد، تمتع أبطال العرض يوم التحكيم بأداء قوى ورائع، وكان من أكثر ليالى عرض «جميلة» تميزا، وقد يدخل هذا العمل فى المنافسة على جائزة التأليف «دراماتورج»، والأداء الجماعى لكل المشاركين فيه، كما تنافس إيمان غنيم التى لعبت أخت البطلة، على جائزة أفضل ممثلة دور ثان.
كان من ضمن الأعمال المتميزة وبشدة، عرض «البصاصين» تصميم وإخراج مناضل عنتر، التابع لفرقة الرقص المسرحى الحديث بدار الأوبرا، وتمتع العمل بتنوع فنى شديد على مستوى الرقص والأداء الحركى حيث تفنن مناضل، فى عمل مزج بين عرضى «حلم البصاصين» و«أعمق مما يبدو على السطح»، استعرض فيه وبقوة إمكانيات راقصيه، وبالطبع سينافس هذا العرض على جائزة أفضل تصميم استعراضي، يليه فى التميز عرض «الفنار» التابع لمسرح الشباب، مأخوذ عن نص «الظلمة» للكاتب جلاوى، وتدور أحداثه حول ما تفعله العزلة بعمال الفنار إخراج ماهر محمود وبطولة أحمد عثمان ومحمد درويش وينافس فيه أحمد عثمان على جائزة أفضل ممثل.
أما من العروض الجيدة، والتى حملت عناصر فنية ترتقى لمستوى المنافسة، كان عرض «الإنسان الطيب» تأليف وإخراج سعيد سليمان، وبطولة نجلاء يونس وهانى عبد الناصر، حسام حمدى، تأتى جودة هذا العمل وتميزه من اختلافه عن شكل العروض المنافسة هذه الدورة، حيث يتناول مجموعة أفكار صوفية وصراع الإنسان الطيب بعزلته عن العالم، نفذه المخرج ومعه مجموعة العمل بمهارة واحتراف، وقد ينافس أيضا على جائزة أفضل عمل جماعى، من بين الأعمال الجيدة أيضا «قضية ظل الحمار» إخراج محمد جبر، تأليف فردريدش دورينمات، وبطولة إسلام على، ميشيل ميلاد، نانسى نبيل، وتدور أحداثه حول صراع طبيب وتاجر حمير عندما يريد الأخير تأجير ظل الحمار له، وجدير بالذكر أن هذه الدورة تضمنت نفس النص لفرقتين مختلفتين، حيث قدمته فرقة «بيت أحمد بهاء الدين - أسيوط»، للمخرج مصطفى إبراهيم على هامش المهرجان.
كان أيضا «هبط الملاك فى بابل» من الأعمال الجيدة المشاركة، بالمسابقة هذا العام، والتابع لفرقة الألسن المستقلة، تأليف فردريديش دورينمات إخراج محمود طنطاوى وبطولة ميشيل ميلاد وإسلام على ومحمد أكرم ونانسى نبيل تدرو أحداثه حول الملاك الذى يهبط إلى مدينة بابل، حاملا معه هبة السماء، لأفقر رجل فى المدينة، وينشأ الصراع بين أشهر شحاذ بالمدينة، والملك على هذه الهدية «الفتاة»، التى أرسلتها السماء لأفقر رجال هذه البلدة، حمل النص فكرة فلسفية عميقة ونفذه أبطال العمل بمهارة شديدة، وإن كان التناول كلاسيكى بحت، ليس به أى ابتكار أو تجديد يذكر.
نافسه فى مستوى الجودة عرض «دراما الشحاتين» لفرقة فيكتور المستقلة تأليف بدر محارب وإخراج أحمد سعد والى وبطولة أحمد سعد، مصطفى رشدى، تدور أحداث العرض فى قالب كوميدى حول مجموعة من الشحاتين يبحثون عن مكان يعيشون فيه وينتهى بهم المطاف لاستقرار بمسرح مهجور الذى تتوالى من خلاله الأحداث، من الأعمال الجيدة أيضا كان «الخروج عن النص» التابع للمعهد العالى للفنون المسرحية إخراج كريم سامى وتأليف وأشعار أحمد نبيل بطولة ماجد متولى، فؤاد سيف، هاجر عفيفى وكريم سامى، وتدور أحداثه فى القرن الثانى عشر بفرنسا، عندما كانت الكنيسة تمنع النساء من التمثيل، وتقصره على الرجال وتحدد الموضوعات التى يتم تناولها مسرحيا، بالأ تخرج عن إطار قصص الإنجيل، وقصة خروج آدم وحواء من الجنة على وجه التحديد، العرض جيد قدمه الممثلون والمخرج بمستوى فنى واحترافى متميز وقد ينافس على جوائز التمثيل، لكن الملاحظة الوحيدة التى ربما تؤخذ عليه هى إعادة تناول فكرة قديمة، دون توضيح مقصده منها!
بالرغم من هذه الأعمال الجيدة التى شهدتها دورة المهرجان فى جولته الأولى، إلا أن هذه الدورة لم تخل للأسف من مشاركة أعمال سيئة ورديئة، جاء السيئ منها بسبب استسهال صناعها فى تناول النصوص المقدمة، وإعادة صياغتها من جديد، من بين هذه الأعمال «حلم ليلة صيف» التابع لمكتبة الإسكندرية تأليف وليم شكسبير وإخراج محمد مكى بطولة جورج فتحى، نور عبدالرحمن ، روان علم الدين، وهو أحد مشاريع منحة مكتبة الإسكندرية لإنتاج عروض شكسبير احتفالا بمرور 400 سنة على وفاته، تناول مكى النص باستخفاف، ولم يأت بجديد يذكر سوى تحويل عمل راق إلى عرض كوميدى رخيص، أفقد النص وقاره، ولم يتميز هذا العمل إلا فى عناصر الديكور والملابس والإضاءة فقط، اشترك معه فى نفس الأزمة عرض «لا مخرج.. الجلسة سرية» التابع للمعهد العالى للفنون المسرحية تأليف جان بول سارتر وإخراج وائل عبد الفتاح، وبطولة علاء حور، أمنية العربى، منة المصرى، وبدا واضحا من هذا العرض سوء فهم أو إدراك صناعه لفلسفة سارتر،  حيث انفصلت الإضاءة والديكور انفصالا تامًا عن الدراما الأصلية للنص، لأنه من المفترض أن هؤلاء الأشخاص الثلاث تم حبسهم فى البرزخ عالم ما بين الحياة والموت، ورأوا الجحيم فى عدم تحمل كل منهم لمعاشرة الآخر، لأن جميعهم استطاع كشف نواقص الآخر وتعريته، وبالتالى كان يقصد سارتر من النص بأن الجحيم فى عدم قدرتك على تحمل الآخرين، وليس فى دخول جهنم فعليا، لكن هنا حبس المخرج ممثليه فى ديكور فيلا أو منزل فاخر، فما علاقة هذه الفيلا بدراما العرض، وإذا أراد أن يشير أنهم محبسون على الأرض، وليس فى مكان غريب ما بين السماء والأرض، كان من الأولى أن يقوم بتصميم ديكور أكثر انسجاما مع فلسفة سارتر، كما أنه اخترع تكنيكًا جديدًا فى الإضاءة بوضع بؤرها فى غير مواضعها، ففى أكثر من مشهد وضعت الإضاءة بعيدة عن الممثل المتحدث، إلى جانب أداء الممثلين الضعيف والمميت وبدوا جميعا، وكأنهم يقدمون مشروع تخرج نهاية العام الدراسى، ويرددون ما حفظوه على مدار العام على خشبة المسرح!!
كان من بين الأعمال السيئة أيضا «قواعد العشق الأربعون» التابع لفريق جامعة عين شمس إعداد وإخراج محمد فؤاد عابدين، كتب المخرج فى كلمته «لم يكن يشغل بالى فى هذه التجربة أن التزم إلتزاما كاملا بالأحداث الحقيقية، لكن ما كان يشغلنى هو البحث عن أشياء أخرى «.. فما هى هذه الأشياء الأخرى التى لم يكتشفها أحد حتى نهاية العرض؟!، كما أنه لم يفعل شيئا سوى التزامه برواية «قواعد العشق الأربعون» وياليته التزم بها إلتزاما كاملا، على الأقل كان سيخرج العرض أكثر تماسكا مما جاء عليه، لأنه تفنن فى تسطيح شخصية شمس التبريزى الشخصية الرئيسية للرواية، والتى تعبتر قوام العمل كله فهى أهم من شخصية جلال الدين الرومى نفسه، لأن الرومى هو تابعه ومريده، فبدا التبريزى على يد المخرج، وكأنه درويش أبله، يفتقد لحكمة ودهاء الدراويش، وافتقدت الشخصية للعمق الروحانى الذى جاءت عليه بالرواية الأصلية التى تحمل نفس الاسم، وكذلك كانت شخصية جلال الدين الرومي، لم يبد عليه أى جلال وبهاء كما كتبت بالرواية، بل بدا وكأنه رجلا ساذج، وساهم بالطبع أداء الممثلين الضعيف والإعداد المسرحى الأضعف، فى إضفاء كل هذا البلة على شخصياتها الرئيسية، فخرج العمل مهترئا، ولم يحتو سوى على بعض الرقصات الجيدة ومجموعة من الأغانى الصوفية، لكن ليست هذه الأغانى والرقصات، هى التى تصنع عملا صوفيا جيدا، فالعمل افتقر لأبسط قواعد المسرح أولا، وكل قواعد الصوفية ثانيا.
بما أن ما سبق من عروض كان سيئا فقط، فهذا لا يعنى أنها أعمالا ردئية لأن السيئ، قد يحمل بعض الجماليات فى عناصره الفنية أو المحاولات الجيدة، لكن الردىء هو الذى لا يرقى لأن يحمل صفة عرض مسرحى  من شدة رداءته، وهو للأسف ما جاءت عليه العروض التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة، فحتى الآن قدمت خلال المسابقة عرضى «ظل راجل» التابع لفرقة بيت ثقافة المنشاة تأليف أسامة البنا وإخراج خالد عطا الله، وهو مأخوذ عن رواية «الطوق والأسورة» للكاتب يحيى الطاهر عبدالله، العرض من الواضح أنه حصل على ميزانية ليست بسيطة لإنتاجه، لكنه رغم ذلك هو عمل ردىء فنيا، سواء على مستوى التمثيل المتراجع تماما، والذى بدا من خلاله ضعف الممثلين بشكل مبالغ فيه، وكذلك الإعداد الدرامى عن النص الأصلى، الذى تناول شخصيات الرواية بسطحية شديدة، اشترك معه فى نفس الأزمة عرض «بير السقايا» التابع لفرقة مطروح القومية، تأليف حسام عبد العزيز وإخراج أشرف النوبى، قام المؤلف بعمل معالجة درامية لنص ماكبث لوليم شكسبير على الواقع البدوى فى مطروح، لكن بدا واضحا مدى الخلل فى إدراك هذه النصوص التى تم الإعداد عليها سواء «الطوق والأسورة»، أو «ماكبث»، لأن الاثنين فشلا فى عمل إعداد جيد للنص الأصلى، وأمعن صاحب «بير السقايا» فى الفشل الذريع، فى تناول نص ماكبث، الذى لا تعلم أين أراد أن يقدمه فى البيئة البدوية أم الصعيدية، بجانب الأداء التمثيلى البدائى والركيك لكل المشاركين بكلا العرض، وبالتالى من الواضح أن هناك حالة انحدار فنى شديد فى أعمال قصور الثقافة، لأن هذه العروض من المفترض أنها كانت فائزة فى المهرجان الختامى التابع لها، فإذا كان هذا هو مستوى الأعمال الفائزة، فكيف كان مستوى الأعمال المنافسة، لذلك نحن أمام أزمة كبرى يجب الالتفات إليها، وهى أن المستوى الفنى لهذه الأماكن بدأ فى التراجع الشديد، ربما يرجع هذا إلى قلة احتكاك عروض وفنانى الأقاليم، بشكل مباشر مع فنانين حقيقيين، وإلى حصر مشاهدتهم المسرحية، على أعمالهم فقط، وعدم الانفتاح على آفاق فنية أخرى، سواء عروض البيت الفنى للمسرح أو تجارب المستقلين المتنوعة، بجانب تراجع فكرة الورش الفنية لمخرجين كبار بالأقاليم، كل هذه العوامل من شأنها أن تؤدى إلى حبس هؤلاء فى بيئة فنية فقيرة، لن ينتج عنها سوى هذا المستوى الفنى المحدود، فتكون النتيجة ظنهم بأنهم متفوقون على أنفسهم فقط، ففوزهم فى مهرجانهم ليس معيارا للتفوق أو التقييم، لذلك كان من الأولى أن يعاد تقييم هذه العروض فنيا من لجان منفصلة بعد فوزها فى مهرجانها، لأن ما تم عرضه خلال المسابقة الرسمية، اتضح من خلاله التفاوت الشديد بينه وبين عروض المستقلين والجامعات والبيت الفنى حتى العروض السيئة مقارنة بها هى أعمال مسرحية ذات قوام وانضباط فنى!