السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

القمح بين الفساد والإهمال

القمح بين الفساد والإهمال
القمح بين الفساد والإهمال




أحمد عبده طرابيك  يكتب:

يعتبر القمح من المنتجات الاستراتيجية المهمة ليس فى مصر وحدها، ولكن فى جميع دول العالم باعتباره العنصر الرئيسى للغذاء لجميع شعوب الأرض، ومن ثم فإن تأمين توفير ذلك المنتج لجميع سكان البلاد، يُعد من أساسيات الأمن القومى لمصر شأنها فى ذلك شأن دول العالم، فلا تستطيع دولة التقدم وبناء نهضة حضارية بها قبل أن توفر الغذاء لأبنائها أولا، وقد عبر عن ذلك هرم الاحتياجات عند الانسان الذى وضعه عالم النفس ماسلو، عندما وضع الاحتياجات الفسيولوجية «الهواء والماء والغذاء» فى أولويات احتياجات الإنسان حتى قبل الأمن والحاجات الاجتماعية وحاجات التقدير وتحقيق الذات.     
كشفت التحقيقات التى قامت بها لجنة تقصى حقائق ما تعرف باسم «قضية فساد القمح»، بصرف النظر عن الاختلاف فى الأرقام المعلنة هنا أو هناك عن حجم هذا الفساد، كشفت تلك القضية بوضوح عن قصور وخلل كبيرين فى منظومة انتاج الخبز بداية من زراعة القمح وعدم وجود استراتيجية واضحة بشأن المساحات والأصناف التى يجب زراعتها، وصولاً إلى توزيع رغيف الخبز إلى مستحقيه مرورا بعمليات الشراء من المنتج الأول «الفلاح» والتخزين، والنقل، وتقنية المطاحن وغيرها، حيث بات من المهم جدا وضع استراتيجية واضحة لتلك المنظومة الحيوية تشمل جميع جوانبها.       
الفلاح هو الحلقة الأضعف فى كل منظومة انتاج القمح، رغم أنه هو الأكثر عطاءً وأهمية فيها، فهو يتحمل كافة الخسائر أو الجانب الأكبر منها ، فالذى كان يشاهد كميات القمح المتراكمة فى بيوت المزارعين وفى الحقول والشوارع، والفلاح يتحصر على مجهوده طوال موسم زراعى كامل، وفى نفس الوقت يحتاج للأموال لتسديد ما عليه من ديون وشراء احتياجات أسرته ومستلزمات موسمه الزراعى الجديد، بعدما امتنعت الحكومة عن شراء محصوله من القمح إلا بتقديم مستندات تفيد بأن هذا القمح منتج فى مصر وغير مستورد من الخارج، والفلاح لا يملك من تلك المستندات شىء لأنه ورث أرضه من أبيه دون أوراق الذى ورثها بدوره دون أوراق، ووضعت الفلاح تحت ابتزاز التجار الصغار والكبار على حد سواء.
لقد ترك الفلاح زراعة القطن بعد أن عجز عن بيع منتجه، ومن ثم تراجعت مكانة مصر من إنتاج القطن الذى كان يعد أحد المزايا التى تتمتع بها فى إنتاج القطن طويل التيلة فى العالم، وتبدلت بنية مصانع النسيج التى أصبحت تعتمد على الغزل المستورد من الخارج بمعرفة بعض المستوردين، وكأنه تم تفصيل منظومة قطاع الغزل والنسيج ليتحكم فيها قلة من المحتكرين.
فهل نريد للقمح ذلك المصير؟ من خلال دفع الفلاح المصرى للامتناع عن زراعة القمح، الذى تختلف أهميته عن أى منتج آخر.
بوسع الحكومة التى تعرف جيداً حجم احتياجات السوق المصرية أو على الأقل حجم احتياجات الحكومة من القمح الذى تقدمه للمواطن فى شكل خبز مدعوم، وتقوم الحكومة بشراء الكميات التى تحتاجها دون وسيط من الفلاح من خلال بنوك التنمية أو الجمعيات التعاونية الزراعية، وعدم ترك الفلاح فريسة لسلسلة من المنتفعين المحتكرين الذين يبخسون الفلاح حقه وابتزازه، كما يمكن للحكومة بنفسها أيضاً استيراد الكميات الأخرى التى تسد العجز فى الانتاج المحلى دون وسطاء أيضاً، مثلما تفعل الحكومة فى شراء العديد من المنتجات وخاصة المتعلقة بالدفاع والأمن، خاصة أن القمح لا يقل أهمية عن تلك المنتجات التى لا تسمح الدولة للقطاع الخاص بالتدخل فى تجارتها، ومن ثم تكون الحكومة وفرت على ميزانية الدولة مليارات الجنيهات سواء نتيجة فساد المحتكرين فى عملية الشراء من الفلاح أو الاستيراد، وفى عملية البيع للدولة، أو اهمال الوسطاء فى عملية التخزين السيئة التى تتسبب فى فقدان كميات كبيرة قدرتها بعض الجهات بنحو 40 %، إلى جانب تقديم منتج ردىء بعد أن تعرض للشمس والأمطار وغيرها من العوامل التى تضر بعملية تخزين ذلك المنتج المهم.
تستطيع الحكومة أيضاً أن تعمل على تأمين احتياجات مصر من القمح بتكلفة أقل عن النظام الحالى بالسير فى اتجاهين متوازيين، الأول: من خلال دعم الفلاح وتشجيعه وتحفيزه على زيادة الإنتاج أفقياً «زيادة المساحة»، ورأسياً بتزويده بالأصناف التى تعطى أعلى انتاجيه، ومقاومة الآفات والأمراض التى تصيب المحصول خلال مراحل زراعته، وتقديم الميكنة الحديثة وغيرها من عوامل الإنتاج، وصولا إلى شراء المحصول وتخزينه ونقله وطحنه بطرق حديثة تعمل على تقليل الفاقد إلى أدنى حد ممكن.
أما الاتجاه الثانى: فيتمثل فى الاستثمار الخارجى فى ذلك المحصول فى بعض الدول مثل السودان، حيث تتوافر فيها عوامل زراعته بطرق اقتصادية.