الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

يوسف إدريس رائد القصة الذى ملأ الدنيا إبداعاً

يوسف إدريس رائد القصة الذى ملأ الدنيا إبداعاً
يوسف إدريس رائد القصة الذى ملأ الدنيا إبداعاً




إعداد - رانيا هلال


فى 19 مايو 1927 ولد يوسف إدريس فى قرية بيروم  بدمياط.. فى عام 1951 صار السكرتير التنفيذى للجنة الدفاع عن الطلبة ثم سكرتيرًا للجنة الطلبة، كما نشر مجلات ثورية وسجن وأبعد عن الدراسة عدة أشهر. وفى سنوات كلية الطب اشترك فى مظاهرات عديدة ضد المستعمرين البريطانيين ونظام الملك فاروق، وتخرج فى كلية الطب عام 1952 ثم اتجه للعمل فى الأدب، ظهرت مجموعة «أرخص ليالي» عام 1954، وفى نفس العام وضع يوسف إدريس فى السجن، والسبب هو معارضته لاتفاقية الجلاء فى 1954، فى عام 1956 حاول ممارسة الطب النفسى ولكنه لم يلبث أن تخلى عن الموضوع وواصل مهنة الطب حتى عام 1960 إلى أن انسحب منها وعين محررًا بجريدة الجمهورية، فى عام1961 انضم إلى المجاهدين الجزائريين فى الجبال وشاركهم معارك استقلالهم، وفى عام 1963 حصل على وسام الجمهورية، جائزة الدولة التشجيعية فى الأدب عام 1966، عندما فاز نجيب محفوظ بجائزة نوبل 1988، أظهر أسفه وظن أنه أولى بها، كما حصل على جائز ة الدولة التشجيعية عام1991.
فى عام 1972 اختفى يوسف إدريس من الساحة العامة، ولم يعد للظهور إلا بعد حرب أكتوبر 1973 عندما أصبح من كبار كتاب جريدة الأهرام.  فى عام 1973، قبيل حرب أكتوبر، فصل يوسف إدريس من الأهرام بسبب توقيعه على البيان الشهير الذى قدمته مجموعة من الكتاب إلى أنور السادات يعبرون فيه عن استيائهم من تقاعسه عن تحرير سيناء، قدم للأدب العربى عشرين مجموعة قصصية وخمس روايات وعشر مسرحيات، ترجمت أعماله إلى 24 لغة عالمية منها 65 قصة ترجمت إلى الروسية، وله عدة قصص قصيرة ومقالات ومسرحيات، توفى يوسف إدريس فى 1 أغسطس 1991 عن عمر يناهز الرابعة والستين عامًا.
من كتابها «نداهة الكتابة.. نصوص مجهولة فى إبداع يوسف إدريس» والذى أصدره المجلس الأعلى للثقافة عام 2003م نستعير جانبا من كلمات المؤلفة د.عبير سلامة فى كتابها حين تقول: كان يوسف إدريس مبدعا موهوبا، وكغيره من المبدعين فى الفنون والآداب تميز بمستوى مرتفع من الحساسية الوجدانية والتلقائية والاكتفاء الذاتى، وفى الوقت نفسه كان شخصية بركانية مثيرة للحيرة والاستفزاز، يعلو صوته الداخلى فوق صوت المجتمع الثقافى حوله، وقد يبالغ فى تقدير حجم دوره، فيسيء إدارة موهبته، ويبددها كتابة على عدة أنواع أدبية، وصراعا على قضايا مختلفة، مثل: نزاع الأجيال الأدبية، وقوله إن جيله هو آخر الأجيال الخلاقة، مما أثار ردود أفعال غاضبة، ومعركته مع وزير الثقافة فى حينها محمد عبد الحميد رضوان، وتفجرت بسبب الطريقة التى طرح بها المشكلات الثقافية فى مقالاته، هو رائد القصة المصرية الذى ملأ الدنيا وشغل الناس لما يزيد على أربعين سنة.
يمكن القول إنه بفضل يوسف إدريس أصبح ممكنا أن ندرك طبيعة النوع القصصى فى مصر، ومراحله التطورية، بداية مما أطلق عليها مرحلة فجر القصة المصرية أو المدرسة الحديثة ثم المرحلة التالية، السابقة ليوسف إدريس مباشرة.
جاء يوسف إدريس، فجأة، فى أواخر الأربعينيات من خارج الوسط الأدبى، بأداء طازج مختلف، وتصور خاص للقصة أخذ يتضح شيئا فشيئا، وتبرز معالمه نظريا بوصفه خطا موازيا للروح الاجتماعية الناهضة، أثناء بحثها عن مفهوم محدد للذات المصرية فى مرحلة تاريخية قلقة ومتغيرة.
كانت طفولته تعسة وصباه كفاحاً من أجل التعلم، ثم كان شبابه «موهوبا للحركة الوطنية، لا وقت فيه لسعادات الشباب الصغيرة، ولا للحب».
ومن العمل الوطنى إلى الكتابة، المهمة الأكثر مشقة «السعادة كانت قليلة جدا فى حياتى. حتى ما يسمى النجاح لا أستطيع تذوقه. ولذلك فمعجزة أن أظل محتفظا بطاقتى على الحب، رغم كل ما ذقته من مرارات. معجزة أن أهب نفسى لإسعاد الإنسان أنا الذى حرمت من السعادة. لقد كان مفروضا أن أتحول إلى عدو للمجتمع أو خارج على القانون».
الإبداع / الكتابة عند إدريس تعبير عفوى عن الذات والحرية الفردية، تعبير لا علاقة له بالمجتمع ولا يقصد به إلى التأثير فى غيره.. «أنا لا أكتب لكى أبسط أحدا بما فيهم القراء أنفسهم، أنا بكتب لأنى بحب الكتابة فقط، ولا أحس أن أحدا غيرى فى العالم يكتب بطريقة تمنعنى أنا أن أكتب ما أريد».
الدافع للكتابة هنا هو الدافع المطلق للفن، والكتابة استجابة لجوهره، وتلبية فى الوقت نفسه لنداء مبهم صادر من الأعماق.
ولا يعنى ذلك نفى إدريس للعلاقة بين الفن والمجتمع، لأنه يعبر عن تصوره لهذه العلاقة بمفهومين مختلفين، فعنده أن الكتابة صراع مع المجتمع، صراع مع قيوده ومحرماته.. «نحن محاصرون بعدد كبير جدا من التابوهات «الممنوعات» ليست فقط التابوهات السياسية، ولكن أيضا التابوهات الاجتماعية، دينية، أخلاقية، تربوية».
يمكن أن نضيف إلى قائمة إدريس: التابوهات الأدبية التى تضجر منها وكسرها، كالتابوه اللغوى الذى اخترقه بذلك الاستخدام الخاص للعامية، حتى فى كلامه العادى، والتابوه النوعى بين القصة والمسرحية، عندما كان يحوّل بعض قصصه إلى مسرحيات، والتابوه التعبيرى بين الرمز والمباشرة، وهذا الأخير تحديدا كان يلح عليه لا لأسباب فنية، لكن للفرار من الحصار المفروض على الكاتب فى العالم العربى.
قيل عن يوسف إدريس إنه كان يبذل جهدا شديدا فى كتابة قصصه، ويفكر تفكيرا عميقا فى بنائها الفنى وأسلوبها، ومع ذلك فكثرة المتشابهات البنائية فى عالمه القصصى واضحة، والرؤى القديمة والأفكار تعود للظهور فى النصوص بعد سنوات، مما يجعل بعضها يبدو كنص واحد أخضعه لتعديل كبير بإعادة كتابته كاملا.
مر المجتمع المصرى فى فترة النشاط الإبداعى ليوسف إدريس - الخمسينيات والستينيات - بمنحنى تغير حاد، اجتماعيا وسياسيا، مما قاد إلى بزوغ حركة رفض لجميع الأطر الموروثة التى تحاول الإيهام بديمومتها وهى فى الحقيقة مؤقتة قابلة للزوال، فقط لو تمت مواجهتها باختراق الهالة القدسية المزيفة التى تتخفى بها، وبقهر التعلق العاطفى غير المؤيد من ثقة العقل.
وفتنت هذه الفكرة على ما يبدو إدريس، فعاودته على فترات فى كثير من القصص، لكن أفضل ظهور لها كان فى (الرحلة)، وفى قصة (الخدعة) التى نفى إدريس فى حديث شخصى أن يكون قد قصد برأس الجمل فيها الرئيس جمال عبد الناصر.
إن تصوره للكتابة متحرر بلا حدود، وهو نفسه كان كاتبا متحررا بطبعه، يساريا تقدميا - كما أعلن مرارا - مع الشعب وضد الظلم والقهر والتخلف، ومع إعلاء القيم الإنسانية.
تعلق يوسف إدريس فى الخمسينيات بالنشاط السياسى من دون أن يكون سياسيا ملتزما بتنظيم حزبى أو نظام أيديولوجى، ليس لأنه نفى ذلك صراحة حين قال: «الشيوعية تهمة لا أنفيها وشرف لا أدعيه، لأننى لم أكن من الشيوعيين العاملين فى يوم من الأيام، وإن كنت متعاطفا تعاطفا كبيرا جدا مع اليسار العالمى واليسار العربى واليسار المصرى، واعتبر نفسى يساريا مش بمعناه السياسى، إنما بمعناه التطويرى للحياة، لأنى اعتبر أن انضمام الواحد لليمين هو عرقلة لتقدم الحياة، بينما انضمامه لليسار هو مساعدة لتقدمه».