الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

القمح و«الإرجوت».. وأمريكا

القمح و«الإرجوت».. وأمريكا
القمح و«الإرجوت».. وأمريكا




إبراهيم رمضان  يكتب:

تظل معادلة إنتاج وتخزين واستهلاك القمح فى مصر، معادلة محيرة ومعقدة، ولا تخلو من الفساد، سواء كان القمح مزروعا فى مصر، أو مستوردا من الخارج.
ولعل المحير فى الأمر هو الإصرار الحكومى الأخير على استمرار قرار وزير الزراعة 1117 باستيراد قمح مصاب بفطر «الإرجوت» غير المسجّل فى مصر من دول عدة، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
ولعل ما سأسردُه هنا عن بعض مما سمعته من مسئولين سابقين وحاليين، عن سبب عدم إقدام مصر - على الأقل خلال العقود الثلاثة الأخيرة - على الاقتراب من حد الاكتفاء الذاتى من هذا المحصول الاستراتيجى، والإصرار الحكومى الأخير على استيراد هذه الأقماح.
فى إبريل 2011 التقيت مسئولا بوزارة الزراعة، كان وقتها يشغل رئيسا لهيئة الإصلاح الزراعي، سألته: «لماذا لا يمكننا تحقيق الاكتفاء الذاتى من القمح؟» وهو السؤال المطروح طوال الوقت باعتبارنا الدولة التى تحتل المركز الأول فى استيراد القمح، فكان رد الرجل فى صورة قصة طريفة، قال لى: إنه كان مديرا لمحطة الأبحاث الزراعية فى منطقة توشكى فيما بعد عام 2000، وكان أنْ سأله أحد الزملاء الصحفيين عن الاكتفاء الذاتى من القمح، فأجابه بإمكانية ذلك، وهو الأمر الذى تم نشره فى إحدى الصحف القومية كـ«مانشيت»، بعدها فوجئ باستدعائه لمقابلة وزير الزراعة الدكتور يوسف والى – وزير الزراعة، نائب رئيس الوزراء وقتها – وعندما التقاه فى مكتبه، وجّه إليه اللوم عما صرّح به لهذا الصحفى، وأخبره نصا «أنت عايز أمريكا تزعل مِننا»!
لم يكن هذا المسئول الأول الذى حكى لى عن الخوف من «زعل» أمريكا من مصر بسبب القمح، ولكن كنت قد التقيت أكثر من مرة الراحل العظيم الدكتور عبدالسلام جمعة - الملقب بـ«أبو القمح» المصرى– وألمح لوقوف أمريكا وغيرها من الدول فى وجه هذا الهدف المصرى، رغم أن مركز البحوث الزراعية تمكّن من استنباط سلالات قمح مصرية تحقق أعلى إنتاجية فى وحدة الفدان.
إذن، فبما أننا الدولة رقم 1 فى استيراد القمح، فلا بد وأن تحافظ الدول المصدِّرة على مصالحها، وتسعى لوأْدِ أى محاولة فى اتجاه تحقيق الاكتفاء الذاتى، بل إلى تصريف شحناتها بكل ما تحويه من آفات وأمراض.
وهو الأمر الذى يُفسّر بأنه ليست هناك مشكلة لدى الدول المصدِّرة والمستوردين المصريين من استيراد أقماح مصابة بما يمهّد لنقل مثل هذا الفطر لمصر، ومن ثَم تتراجع إنتاجية القمح المصرى الذى نعوِّل عليه كثيرا فى الفترات المقبلة، وبالتالى ترتفع فاتورة الواردات، لتصبّ فى جيوب «مافيا القمح» وفى خِزانات الدول المصدرة، هذا بجانب ما يسببه مثل هذا الفطر - فى حال وجوده بنسبة معينة فى دقيق الخبز - من أمراض محتملة للمواطنين.
لذا، أعتقد أن هناك «لوبي» مصالح أمريكى مصرى يسعى بكل قوة للحفاظ على مصالحه وملياراته، ولْتَذْهَبْ صحةُ المصريين ومحصول القمح إلى الجحيم!
ولكن أين المسئولون المصريون من هذا؟! أعتقد - وبعض الظن إثم - أن بعضهم يتعرّض لضغوط رهيبة لمنعه من التحدث، وذِكر أضرار هذا الفطر، وخطورته، بل إن بعضهم تمت إحالته إلى الشئون القانونية للتحقيق معه، لأنه ذكر رأيه الفنى فقط، من جانب زملاء يعلمون جيدا خطورة هذا الأمر، ولكنهم يسعون للحفاظ على مناصبهم، أطول فترة ممكنة، وبعدها سيلحق بعضهم بأبنائهم الذين رحلوا للدراسة فى الولايات المتحدة الأمريكية.
فبعد كل هذه الخدمات التى يقدمونها، لا بد أن يحصلوا على مكافآتهم من منح دراسية، وإقامات لأبنائهم وأسرهم، وعائلاتهم، ولا عزاءَ لمصر وشعبِها