الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

واحة الإبداع.. طلعت مراتى

واحة الإبداع.. طلعت مراتى
واحة الإبداع.. طلعت مراتى




يسيل بجوار النيل فى بر مصر نهر آخر من الإبداع.. يشق مجراه بالكلمات عبر السنين.. تنتقل فنونه عبر الأجيال والأنجال.. فى سلسلة لم تنقطع.. وكأن كل جيل يودع سره فى الآخر.. ناشرا السحر الحلال.. والحكمة فى أجمل أثوابها.. فى هذه الصفحة نجمع شذرات  من هذا السحر.. من الشعر.. سيد فنون القول.. ومن القصص القصيرة.. بعوالمها وطلاسمها.. تجرى الكلمات على ألسنة شابة موهوبة.. تتلمس طريقها بين الحارات والأزقة.. تطرق أبواب العشاق والمريدين.  إن كنت تمتلك موهبة الكتابة والإبداع.. شارك مع فريق  «روزاليوسف» فى تحرير هذه الصفحة  بإرسال  مشاركتك  من قصائد أو قصص قصيرة «على ألا تتعدى 055 كلمة» على الإيميل التالى:    
[email protected]

اللوحات بريشة الفنان علاء أبوالحمد


 

طلعت مراتى

كتبها –  زين شحاتة

كان يوم الخميس نهاية أسبوع عمل طويل وكان له مذاق خاص بنكهة العملات الأجنبية  أنه يوم  الراتب أو ما يسمى فى الخليج بيوم المعاش، تسلمت راتبى وتوجهت إلى ذلك الحى الهادئ على أطراف العاصمة حيث مسكنى فى الطابق العلوى وشرعت فى فتح الباب ولكنه فتح من الداخل وظهرت زوجتى وهى فى كامل هيئتها استعدادا للخـــروج، ألقيت عليها السلام  فكان ردها للسلام: أقبضت ؟!، فأجبتها فى خضوع: آه....، دفعتنى بيدها وأغلقت باب الشقة متجاهلة كل عبارات التوسل والرجاء بأن نؤجل رحلة التسوق لو لساعة واحدة حتى أنال قسط من الراحة بعد يوم عمل شاق فأبت وجنبتنى عن طريقها وهرولت إلى السلم ودعتنى بأصبع يدها اليسرى لألحق بها فأسرعت تجنباً لمعركة غير مؤهــل لخوضها.
ركبنا السيارة وأشعلت محركها وانطلقت حيث مجمع الأسواق وسط العاصمة، وكانت الشوارع تزداد ازدحاماً كلما اقتربنا من منطقة الأسواق وتزداد سعادتى كلما زاد عدد السيارات فعندها لا أشعــر بالوحدة فى سجن زوجتى خصوصاً عندما ألمح سائق وإلى جواره زوجته حيث كنا نتبادل فى الإشارات المرورية حديث صامت يفوق لغات الدنيا، فكل منا دمية فى يد من تجلس إلى جواره.
وما هى إلا دقائق حتى وصلنا إلى مجمع الأسواق وبدأت فى البحث عن مكان شاغر لسيارتى وخلال تلك الرحلة وقعت عينى على مديرى ذات الملامح الحادة والشخصية القوية التى تبدلت ملامحها خلف زوجته فى طريقهما إلى داخل السوق، و ما أن رآنى حتى تماسك محاولاً استرداد جزء من شخصيته أمامى ولكن سرعان ما جذبته زوجته فتشبثت قدماه بالأرض كطفل يأبى الاستحمام وهو يتبعها فى انكسار، فانتابتنى موجة ضحك هستيرى وأنا أتابعه فمازال عندى فرصة للهروب من مرافقة زوجتى داخل السوق واكتفى بالانتظار داخل السيارة خصوصاً وأن مرافقتى لها لن تغير من قائمة مشترواتها ولكننى سأهرب من ارتفاع ضغط الدم وقفزات مؤشــــر السكر فطموحات زوجتى كانت كافية لاختراق تلك الأمراض حاجـــز الشباب لتقطن بداخلى بل وتقدم الدعوة لأمراض أخرى لمرافقتها، فتصنعت أمامها المرض فرمقتنى فى غيظ  وبسطت لى يدها لأضع فيها النقود، وغطت وجهها بالنقاب و انطلقت تحصى النقود بمرح وسعادة فى طريقها إلى السوق، وكان رد فعلى قوى فأخذت أراقبها فى غيظ مسدداً كل ما فى ذاكرتى من لعنات لها ولمن نصحنى بالزواج منها وبالطبع والدتها وبواب العمارة التى نسكن فيها، أما هى فلم  تعيرنى أى اهتمام لأنها لم  تسمع صوتى داخل السيارة محكمة الغلق،  وانتظرتها داخل السيارة يداعبنى النعاس تارة وتلدغنى عقارب الساعة تارةً أخرى حتى تسلل القلق إلى قلبى فالوقت كافى لأن تكون قد انتهت من التهام الراتب كاملاً، فعبثت الظنون برأسى هل فقدت النقود؟ لا..  فهى تعشق النقود أكثر منى، هل خُطفت ؟ هههههههههها..... مستحيل فلديها من القوة البدنية ما يجعل الاختطاف يرقى لما بعد المستحيل وأنا مجرب ؟!، فحملت كل تلك الظنون وتحركت إلى الداخل للبحث بعد سماع رسالة خروج هاتفها عن الخدمة.
وأثناء رحلة بحثى عنها تجمدت عند مشارف أحد المتاجر احتراما لزوجة مديرى القادمة من الداخل بمفردها فسألتها عنه فأشارت للخلف لأرى رأسه تتوسط مجموعة من الحقائب رافضاً دعـــوة مساعدته، وعبرته مسرعاً إلى داخل السوق فلدى من الفراسة ما يكفى لأتعرف على زوجتى من بين كل نساء المتجــر فجميعهن يرتدين العباءة السوداء والنقاب وذلك من كم ونوع السلع التى تشتريها،فأخذت أتصفح النساء بحثاً عن زوجتى وتوقفت أمام سيدة ممشوقة القوام تظهر خلف النقاب عينان ساحرتان أرسلت لى ابتسامة اخترقت حاجز العادات والتقاليد لتسكن فى قلبى فأسرعت للبحث عن ورقة واستليت قلمى وكتبت لها رقم هاتفى الخلوى مستغلاً انشغالها مع بعض السلع لأنقض وأدس الورقة بينها لتلتقطها فى سعادة ممزوجة بالإعجاب لشجاعتى العاطفية، فأسرعت عائداً إلى السيارة فى انتظار دقات هاتفى وموعد ولقاء مع ذات العيون الساحرة، ومع اقتراب ليل العاصمة من منتصفه وقرب موعد إغلاق المتاجر والسوق كاملاً خرجت زوجتى وفى يدها عدد قليل من الحقائب على غير عادتها فأسرعت لاستقبالها فى سعادة سرعان ما أزالها هذا العامل الأسيوى ذات البشرة السمراء الحامل لحقائب زوجتى التى تعنى أن راتبى قد نفذ، فتوقف العامل عند مؤخرة السيارة صارخً فى: صديق أفتح السيارة
فأسرعت لأفتح السيارة وأتولى مساعدته فى وضع الحقائب داخل السيارة وأنا أغمغم  قائلاً: ما أنا لو كنت فكرت فى الفلوس اللى أنت هتاخدها ما كنتش عملت عيان ودخلت معاها..العامل : شنوه كلام صديق؟، فأجبته فى ارتباك : ما فى شيء، وما أن انتهينا من نقل الحقائب للسيارة،فبسط العامل يده فأعطيته نقود فتأملها فى سخرية ورمقنى بنظرة حادة وتوجه إلى زوجتى الجالسة داخل السيارة فأعطته عشرة أضعاف ما كنت أعطيه فأخذها عائداً حيث أتى وهو يلوح بالنقود فى وجهي، وحاولت أن اتبعه لألكمه لكمة تطفئ نار تسرى فى جسدى ولكن زوجتى هاتفتنى بصوت عالى : مش هنخلص عاوزين نمشى.
فأسرعت نحو السيارة وأشعلت محركها وانطلقت سالكاً طريق بديل لذلك الطريق المكتظ بالمطاعم، فزوجتى ستأبى إعداد العشاء لنا خصوصاً بعد رحلة تسوقها  حتى لا تطلب زوجتى عشاء من خارج المنزل فتنال من ما تبقى راتبى الجريح.
 خلال رحلة العودة خيم الصمت على زوجتى على غير عادتها وقطعت كل سبل تبادل أطراف الحديث التى أرسلها بين الحين والأخر، حتى فتحت حقيبة يدها وأخرجت ورقة صغيرة قائلة : إنت كتبت لى رقم تليفونك ليه؟، فتوقف قلبى وشل لسانى ولم أستطع إجابتها وكأن ذاكرتى المليئة بشتى ألوان الأكاذيب قد مُحيت فتوقفت بالسيارة على جانب الطريق ممسكاً بيدها فى طلب للغفران فأبت وربت على كتفى قائلة : أمشى.... أمشى.
استأنفت السير حتى وصلنا حيث منزلنا، فهبطت من السيارة وتحركت ناحية المدخل، قائلة: نزل الحاجة وروح هات لنا عشاء من برة عالشان أنا تعبانه، أسرعت لحمل الحقائب لاطماً وجهى صارخاً : يا نهار اسود «طلعت مراتى».