الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
دعوة جمال مبارك
كتب

دعوة جمال مبارك




 


كرم جبر روزاليوسف اليومية : 24 - 10 - 2009


هل يتحرك قطار "دور مصر" من محطة الستينيات؟


1


- العبارة التي قالها جمال مبارك أمام طلاب جامعة جنوب الوادي تستحق التعقيب والشرح، فعندما سُئل عن دور مصر أجاب "الذين يتحدثون عن تراجع دور مصر، تفكيرهم توقف عند الستينيات".
- في الستينيات.. كان دور مصر يعتمد علي "القوة الخشنة" في الأقوال والأفعال.. أما الآن فالدور يعتمد علي "القوة الناعمة" والظروف التي فرضت هذا غير الظروف التي تفرض ذاك.
- العبارة التي قالها جمال مبارك ليس فيها هجوم علي أحد أو حدة في الرد، لكنها تشخيص لمرض مستشرٍ هو التنابز بالزعماء، وأراد جمال أن يقول إن العيب فيمن ينتقدون وليس في مصر أو زعمائها.
2
- في الستينيات، كان العالم قوتين فنشأت حركة عدم الانحياز التي تحاول أن تحمي الدول النامية من شرور الانضمام لأي من المعسكرين، وأن تشكل هذه الدول فيما بينها قوة ثالثة غير منحازة.
- لم يحدث ذلك ولم تستطع دول عدم الانحياز أن تنجو من مصيدة الانحياز، وبفعل حرب 67 التي تم فرضها بالتآمر علي مصر، اضطر عبدالناصر إلي الانحياز تماماً للاتحاد السوفيتي.
- مصر قبل 67 كانت منارة للدول والشعوب التي تبحث عن الحرية والاستقلال، وكانت نموذجاً يحتذي بها ومدت يديها بالمساعدة لكل حركات التحرر الوطني، وكانت الظروف الدولية تسمح بذلك.
3
- مصر في الستينيات كانت تخطو في طريق التنمية والبناء، ولم يكن عبدالناصر يفكر في مواجهة إسرائيل أو الدخول في حرب معها، وقال ذلك صراحة في إحدي خطبه العلنية.. "إسرائيل ليست من أولوياتي".
- الذين يهاجمون دور مصر الآن، هم أنفسهم الذين هاجموا عبدالناصر واتهموه بالخيانة وابتزوه وعايروه بأنه لا يصلح زعيماً للعروبة، ودفعوه رغم أنفه لمواجهة ظالمة مع إسرائيل.
- المناضلون العرب كانوا أكثر وبالاً علي عبدالناصر من الاستعمار والإمبرياليه.. وأمريكا وإسرائيل، وجعلوا الرجل ينصرف عن معركة البناء، ويتفرغ لحرب لم يكن مستعداً لها مع إسرائيل.
4
- قبل حرب 67 كانت مصر دولة مسموعة الكلمة، لأنها تبني نفسها وتعظم قوتها الذاتية، وكانت الظروف الدولية المتمثلة في المعسكرين تسمح لها بأن تساعد الدول التي تسعي نحو الاستقلال.
- اكتسب عبدالناصر شعبيته واكتسبت مصر مكانتها من الخطب والمواقف الثورية التي كانت "موضة" تلك الفترة لأنها داعبت رغبات الشعوب التي تتوق للحرية والتخلص من الاحتلال.
- لكن بعد حرب 67 تغيرت هذه المفاهيم تماماً، وتعاهد الطرفان وتآمرا "الأشقاء المناضلون.. والأعداء المتربصون" علي أن يكسروا مصر وإرادتها وكرامتها وكبرياءها.
5
- هذه هي مرحلة الستينيات التي يحاول البعض أن يرجع بقطار الزمن إليها، متصورين أن مصر لكي يكون لها دور فلابد أن تداعب أحلام الشعوب المحتلة، وترسل جيوشها ليقهروا "الإمام " في اليمن.
- الزمن تغير وبعد أن استعادت مصر كرامتها وكبرياءها الوطني في حرب أكتوبر73 أصبح حتمياً أن يتماشي دور مصر مع الظروف والمتغيرات الدولية، ولا تنطح برأسها في الصخر.
- تغيرت الأقوال والأفعال وأصبحت المكانة الدولية لأي دولة ترتبط بمدي احترامها للآخرين وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول والشعوب، وأن الدولة القوية علي المسرح العالمي هي التي تمتلك أسباب القوة الذاتية.
6
- هل تستطيع مصر مثلاً الآن أن ترسل جيشها إلي أي منطقة في العالم ليكون لها دور.. هل تستطيع أن تبدد مواردها للإنفاق علي حركات التحرر الوطني التي لم تعد موجودة إلا في قراصنة الصومال؟
- هل تغامر مصر بسياسات ومواقف غير محسوبة فتجر علي نفسها مشاكل وصراعات كبيرة، وكلنا يعلم حجم المؤامرات التي تحاك لهذا الوطن لجرجرته وتوريطه في مستنقعات إقليمية ودولية؟
- هل تستجيب مصر لاستفزازات الأشقاء فترد لهم الصاع صاعين، وهل تقوض السلام من أجل هتافات المتظاهرين في شارع عبدالخالق ثروت.. وترهن حاضرها ومستقبلها وتعيد شبابها إلي الحرب؟
7
- في الستينيات اكتسبت مصر دورها لأنها وقفت في وجه إسرائيل من أجل استعادة فلسطين.. والآن أصبحت مصر هي الدولة الوحيدة التي تمتلك مفاتيح التهدئة والمصالحة والسلام من أجل فلسطين وشعبها.
- الفلسطينيون يعرقلون دور مصر مثلهم مثل الإسرائيليين فهل يكون لمصر دور إذا فعلت بهم مثلما فعل غيرنا في مذابح شهيرة في لبنان وتونس والأردن؟
- دور مصر الآن يعتمد علي قوتها الناعمة المتمثلة في الرصيد الكبير الذي تمتلكه علي المسرح الدولي، والذي جعل لها كلمة مسموعة ورأياً يسعي إليه الجميع.
8
- دور مصر تكتسبه بالأداء الهادئ والواثق والرصين لمؤسسة الرئاسة التي رسخت عبر سنوات طويلة، تقاليد محترمة في التعامل مع سائر الدول والشعوب.
- دور مصر هو أن زعيمها يترفع عن الصغائر، ويسمو فوق الخلافات ولم يحدث طوال فترة حكمه أن قال كلمة أو عبارة، لا ترقي إلي حجم مصر ومكانة زعيمها.
- دور مصر هو أن تؤمن شعبها ولا تعرضه للمخاطر، وألا تسمح أبداً بتوريط هذا البلد في معارك ليست لها فيها ناقة ولا جمل.. مصر أولاً وقبل كل شيء.
9
- العبارة التي قالها جمال مبارك أمام طلبة جامعة جنوب الوادي، هي دعوة صريحة لأن نتعامل مع كل عصر بقوانينه وأحكامه وألا نجعل الحاضر والمستقبل أسيرين لأوهام الماضي.
- ومعناها أن الحوار يجب أن يخلق نوعاً من التواصل والتلاحم بين مكانة مصر ومواقف زعمائها في مختلف المراحل، فجميعهم وطنيون أرادوا أن يرفعوا قامة هذا الوطن لعنان السماء.
أضم صوتي لصوت جمال مبارك، وأدعو معه أن يتحرك -قطار الدور- من محطة الستينيات.


E-Mail : [email protected]