الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مؤسف أن نقرأ عن العرب أنهم لا يتقدمون إلا فى العمر




 
أقرت بوضوح أن الروائى لا يمكنه النجاة من وطأة التاريخ، سواء كان هذا التاريخ عاما، أو حتى تاريخه الشخصي، إنها الروائية اللبنانية نرمين الخنسا التى تؤمن أننا «محكومون بالماضى مشدودون إلى المستقبل»، ورغم ذلك ترفض تكرار التاريخ ووقائعه، الذى قد يحدث نتيجة تشابه المقدمات، وترى أن الروائى يجب أن يرفض هذه القاعدة العلمية، ولا يستسلم للنهايات المترتبة على مقدماتها، حتى لا تتشابه رواياته ويكرر نفسه... عن كتاباتها ورؤيتها للوضع السياسى لدول الربيع العربى والأزمة السورية ووضع المرأة العربية واللبنانية كان هذا الحوار:
■ كتاباتك تنطلق من التاريخ.. فهل أنت صاحبة ذاكرة ماضوية؟
لا يستطيع الروائى أن ينجو من وطأة التاريخ سواء أكان تاريخاً عاماً أو تاريخ الروائى الخاص، فنحن محكومون بالماضى مشدودون إلى المستقبل، فى الرواية يمزج الروائى بين الماضى والمستقبل، وبهذا المعنى لا ينجو روائى من الماضى كما لا يستطيع أن يحيد عن المستقبل بما هو أفق لازم مجهول، يسعى الروائى أن يجعله معلوماً ومفهوماً.
■ هل تؤمنين بمقولة إن التاريخ يعيد نفسه؟
ــ الظاهر أن مقولة «التاريخ يعيد نفسه» هى مقولة علمية أكثر منها سياسية أو اجتماعية، فالمعروف أن المقدمات إذا تشابهت تماثلت النتائج، وبهذا المعنى يكون التاريخ بأحداثه جزءاً لا يتجزأ من حقيقة هذه المقولة، إلا أننى أفهم هذه الحقيقة بصورة أخرى وهى أن تكرار التاريخ لنفسه إنما هو تكرار لتشابه الأحداث وهذا ما يتلافاه الروائى حتى لا تتشابه رواياته وتكرر نفسها.
■ أنت مشغولة بالعلاقة بين الرجل والمرأة.. إلى من تنحازين؟
ـــ أستطيع أن أؤكد محورية العلاقة بين الرجل والمرأة بدءاً من حكايا بداية الخلق حتى اليوم وأنا جزء من هذا الفهم العام أحلل هذه العلاقة وانساب مع انسيابها العاطفى والاجتماعي، مؤكدة أننى فى هذا المجال أكثر فهماً لمشاعر المرأة ومعاناتها، وتلقيها لكل أنواع الرسائل الغامضة والجلية القادمة اليها من اتجاهات مختلفة وعلى رأسها تلك القادمة من الرجل بما هو ذكورة وبما هى تمثيل لأنثوية، وبهذا المعنى مرة أخرى أبدو أقرب الى قضايا المرأة .إلا أننى وأنا أفهم ذلك وأعيه أرانى منحازة بوضوح شديد الى القيمة الانسانية فى المرأة لا القيمة الأنثوية وحسب، وهذا الأمر نفسه يحدد موقفى من الرجل فى رواياتي، فلم أسع ولو للحظة لتسويق نظرية يستحيل فيها الرجل شيطاناً والمرأة ملاكاً، فقد تكون بعض شخوص النساء فى رواياتى أبالسة، كما قد تجد شخوص رجال يرتقون لمصاف القديسين.
■ ماذا يشغل المرأة اللبنانية الآن؟
ـــ المرأة اللبنانية ليست منفصلة ولا معزولة عن المرأة العربية، ولا عن أختها المرأة من أي جنسية، ولا تنسى أن قضايا المرأة كما المرأة نفسها باتت قضايا كونية، تتحدث عن حقوق المرأة فى العمل والتعبير، إلا أن المرأة اللبنانية يشغلها كثير من وقائع الحياة اليومية، كما فى قضايا النزاعات العنيفة التى تطفو على سطح المجتمع اللبنانى بين الحين والآخر، ناهيك عن قضاياها ككائن حي، لذا يبدو لى أن للمرأة فى ذلك دوراً مهماً يتجسد بدفع من تؤثر عليهن من أبناء وأزواج لاتخاذ جانب الحيطة فى عدم التغلغل بنزاعات قد تثير آلاماً لا تندمل، وقد تناولت جزءاً من هذه الصورة فى رواية «ساعة مرمورة» حيث اختفاء شخص لأسباب طائفية بحتة قد أسهم فى زلزلة أسر بكاملها تناولتها الرواية بالتفصيل.
■ لماذا لم تظهر نماذج حديثة تحمل أفكارا ثورية تعالج قضايا المرأة مثل المغربية فاطمة المرنيسى والمصرية نوال السعداوي؟
ـــ هذا موضوع سجالى وأنا أنأى بنفسى عن المساجلات، لا شك أن فاطمة المرنيسى  باحثة جدية ومن الطراز الأول فى تتبع قضايا المرأة، مثلها مثل الدكتورة نوال السعداوى فى دراساتها ورواياتها، وكلتاهما تركتا الأثر الطيب فى نفوس متابعينهما، إلا أنهما أيضاً أثارتا سجالات لا محل ولا وقت لذكرها الآن، كما قد تسببتا بعداوات لم تكونا مسئولتين عنها، وإنما الذهنية التى رفضت مطارحتيهما النقدية، وهى بالمناسبة مطارحات سليمة وصحيحة بمجملها. إلا أننى أعتقد أن ميدان الدراسات والبحوث قد يسمح بالمجال لمثل هذه المواقف الثورية بغض النظر عن خصوصيتها، وهذا مخالف للعمل الروائى وتقنية الرواية، فقد تقوم  الرواية على جزئية بسيطة وعادية مثل شخصية المرأة الكاتبة وزوجها الرافض لدورها وقد تطرقت الى ذلك فى رواية «مرآة عشتروت»، هذه الجزئية بكل أوجهها أقامت عملاً روائياً متكاملاً وناجحاً، إلا أن هذه الجزئية نفسها قد تكون فى ميدان الدراسات والبحوث مجرد بند من بنود كثيرة.
■ هل ترين لبنان مستقرا أم على  كف عفريت؟
ـــ لم يكن لبنان مرة على كف عفريت ولن يكون، إلا أنه بسبب دوره وحريته الإعلامية والتعددية الموجودة فيه، وبسبب التصرف الاستعراضى للمجموعات اللبنانية المختلفة، تبدو المسائل أحياناً أكبر من حجمها، يمكننى القول براحة ضمير إن المجتمع اللبنانى يشبه أسرة تغلغل فيها التفكك بعض الشيء فتتعالى الأصوات  ولكن الجميع يدرك أنه لا بيت لهم سوى هذا البيت. كما لا ننسى أن صغر حجم لبنان يجعله موضع تجاذب باستمرار، وثمة أمر آخر هو أن لبنان بكل طوائفه يجد نفسه معنياً بكل حدث يجرى على وجه الأرض، خاصة فى العالم العربي، من هنا يظهر المشهد من بعيد وكأنه فى حالة مرة، أفترض أن اللبنانيين أدركوا شأنهم شأن معظم الشعوب المتحضرة أن مصيرهم واحد وأنهم لن يعودوا مرة أخرى إلى النزاعات التى لا طائل منها.
■ هل ما يحدث فى سوريا هو انعكاس لما يحدث فى لبنان أم العكس؟
ـــ رغم أننى كنت أود ألا أتطرق إلى هذا الجانب، لكن ما يجرى فى سوريا يرجع لأسباب سورية بحتة، تتعلق مع أسباب أخرى إقليمية ودولية غير خافية على أحد، والسوريون أول من يتحدث بها وحولها، أما فى لبنان فينطبق الأمر نفسه مع استبدال عبارات طفيفة تصور الخصوصية اللبنانية، إلا أنه، والحق يقال، لم يعد هناك بلد فى العالم لا يتأثر بما يجرى فى محيطه، والظاهر عندى أن لبنان فى هذا المعنى ونتيجة الحرية الاعلامية التى فيه وتعدد مراكز القوى فيه قد أدخل نفسه فى السجال حول ما يجرى فى سوريا بين مؤيد للمعارضة ومؤيد للنظام.
■ هل تتوقعين حدوث طفرة فى الأدب العربى بعد ثورات الربيع العربى على غرار أدب ما بعد الاستعمار؟
ـــ لن أتحدث عن الربيع العربى وأجزم بهذه التسمية، فما زال الوقت مبكراً لإطلاق الأحكام، إلا أننى أعرف أنه ليس هناك طفرات فورية للأدب تتبع الأحداث السياسية، فما نعرفه عن النهضات الأدبية يبدو كإرهاصات صادقة للأحداث السياسية الكبرى ولاحقاً تستمتع وتستفيد من بركات هذه الاحداث أو شرورها، وبهذا المعنى أعتقد أن زمناً ما قادماً ستظهر فيه حقيقة هذه النهضة المترتبة على مثل هذه التغييرات التى تصيب العالم العربي، ومن يدرى فلعل من سيتحدث عن تخيلات رفوف السنونو أو توهمات الخُضرة فى عالم متصحر لا يقيم وزناً للعدالة الاجتماعية ولا احتراماً للإنسان، وقد نقرأ ما يرسم لنا جدوى التغيير وجماله يوماً ما وهذا ما أتمناه.
■ كيف تفاعلت إبداعيا مع الربيع العربي؟
ـــ الكاتب بشكل عام مع كل أشكال التغيير، وأنا أؤمن بحق كل الشعوب فى تقرير مصائرها، وأستطيع أن أقول أن روحى مع أبناء وبنات كل بلد عربى أتتبع خطواتهم، حركاتهم ونزولهم إلى الساحات، متمنية ألا تكون ملامح هذا الربيع شكلية وحسب، إنما ربيع حقيقى يجلب العدالة الاجتماعية للجميع، ويعالج قضايا المرأة والرجل، ويدافع عن حقوق الضعفاء، ويوزع الثروات توزيعاً عادلاً، فنحن فى عالم لم نعد فيه وحدنا ومن المعيب أن تقرأ عن العرب كلاماً أقل ما فيه أنهم لا يتقدمون إلا فى العمر، على أننى أريد أن أؤكد بصوت عال أننى ضد كل أشكال العنف والقتل من أى جهة، لمعرفتى بأن من يدفع ثمن العنف دائما هم الفقراء.
■ طه حسين قال: لقد انتقل النور من القاهرة إلى بيروت.. برأيك هل ما زال النور فى بيروت؟
ــ عندما يتكلم عميد الأدب العربى يتوجب الإصغاء، إلا أن النور فى القاهرة كان ولايزال، وفى بيروت نور أخ شبيه ومثيل، ولا أعتقد أن عبارة طه حسين كانت تقرر حقيقة بقدر ما كانت تثنى على دور بيروت، وتحث المصريين على الدور العظيم الذى عرفناه فى أواسط القرن التاسع عشر واستمراراً إلى القرن العشرين، حيث كانت مصر توزع بذورها فى كل أصقاع العالم العربى والعالم أجمعه.