الأربعاء 17 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«زويل» حلقة الوصل بين مصر التى أنجبته وأمريكا التى رعته

«زويل» حلقة الوصل بين مصر التى أنجبته وأمريكا التى رعته
«زويل» حلقة الوصل بين مصر التى أنجبته وأمريكا التى رعته




كتب ـ أيمن عبدالمجيد

بين مصر التى انجبته، وأمريكا التى علميًا رعته، كُتبت فصول رحلة الكفاح والنجاح لعالم أثرى بانجازاته العلمية الحياة البشرية، لكنه ظل واضعًا وطنه فى مقدمة اهتماماته وأولوياته، مسخرًا كل طاقاته وإمكانياته العلمية والسياسية التى برزت مؤخرًا فى خدمته.
سبعين عامًا عمر رحلته من صرخة الميلاد فى السادس والعشرين من فبراير عام 1946، بمدينة دمنهور بمحافظة البحيرة، وحتى صعود روحه بسلام إلى بارئها، مع مغيب شمس الثانى من أغسطس الجارى بولاية كاليفورنيا الأمريكية، وما بينهما انجازات علمية باقية ستظل الإنسانية ربما لعقود تجنى ثمارها، ومواقف وطنية خلدت اسمه أبد التاريخ، فستظل الأجيال فى ساحات العلم تتناقل علمه وتتدارس ابحاثه.

أنه الدكتور أحمد زويل العالم الفذ المتوج عالميًا بمئات الجوائز العلمية العالمية والأوسمة والدرجات الفخرية، الذى عاد إلى وطنه حيث المستقر الأبدى ليوارى جثمانه الثرى، وسط عزاء حار رسميًا وشعبيًا على المستويين المحلى والعالمى.
زويل الذى خرج من مصر شابًا وعمره يناهز 23 عامًا، بعد حصوله على بكالوريوس العلوم قسم الكيمياء عام 1967 من جامعة الإسكندرية، بالمدينة الساحلية التى تبعد بضع عشرات الكيلومترات عن مسقط رأسه، ثم الماجستير فى علوم الكمياء عام 1969 من ذات الجامعة، عاد إلى القاهرة فى رحلته الأخيرة جثمانا مسجيا بعد أن وافته المنية مساء الثلاثاء بأحد مستشفيات ولاية كاليفورنيا الأمريكية بعد صراع مرير مع المرض.
كانت البيروقراطية التى بدأت تتغلغل فى الجامعات المصرية، دفعت زويل بحسب تصريحات سابقة له إلى السفر إلى أمريكا للحصول على درجة الدكتوراه، فقد روى أن أحد القائمين على شئون معامل البحث العلمى بالجامعة كان يغلق معمل قسم الكيمياء ويحتفظ بمفتاحه لإعاقته، فاقتنص هو فرصة بعثة لنيل درجة الدكتوراه من جامعة بنسلفانيا الأمريكية 1969 طامحًا فى أن يحصل على الزمالة ويعود للتدريس بجامعة الإسكندرية التى عين بها معيدًا قبل السفر بحسب مقال سابق له روى به جزءا من سيرته الذاتية.
لكن الأقدار كانت تحمل لزويل والبشرية جمعاء ما هو أكبر مما خطط له فى مقتبل حياته، فحصل على درجة الدكتوراه عام 1974 من جامعة بنسلفانيا، ثم الزمالة قبل أن تأتيه فرصة الالتحاق بمعهد كاليفورنيا للعلوم والتكنولوجيا، فى برنامج دراسة استثنائى حاز خلاله المركز الأول على أقرانه فواصل العمل البحثى به ضمن فريق علمى فتغيرت بوصلة حياته.
واصل زويل أبحاثه العلمية حتى تمكن من رفع اسم مصر والعرب جميعًا عاليًا بحصوله على جائزة نوبل فى الفيزياء عام 1999، وهو أول عربى يحصل على الجائزة الأرفع عالميًا فى مجال علمى، ليسهم باستشاراته فيما بعد فى تطوير البحث العلمى فى عدد من البلدان العربية خاصة الخليجية.
ويروى زويل فى مقال له نشر على الموقع الرسمى لجامعة زويل للعلوم والتكنولوجيا، التى نجح قبل رحيله فى تحويلها إلى واقع على الأرض بمصر، أن فكرة تأسيس تلك الجامعة راودته منذ حصوله على جائزة نوبل، حيث كان يحلم بإنشاء مؤسسة علمية بمواصفات عالمية توفر بيئة علمية مناسبة للنابغين من أبناء الشعب المصرى لتخريج علماء فى مختلف المجالات يسهمون فى النهوض بالوطن، ولم يتوان فى عرض مشروعه على الحكومة المصرية آن ذاك، إلى أنها اعاقة تحقيق طموحه دون أسباب مقنعة.
ورغم طرح زويل فكرة الجامعة على حكومات مصرية عدة فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، إلا أنه لم يتمكن من تحقيق حلمه إلا بعد نجاح ثورة 25 يناير 2011، وسرعان ظهرت من جديد المشكلات على السطح، ليعود الاهتمام بالمشروع عقب ثورة 30 يونيو بتكليف الرئيس عبدالفتاح السيسى هيئة المشروعات الهندسية بالعمل على انجاز ما تبقى من إنشاءات المشروع.
ونال زويل أكثر من 100 جائزة علمية عالمية أبرزها نوبل فى الفيزياء لاكتشافه الفيمتو ثانية عام 1999 لأبحاثه الرائدة فى علوم الفيمتو والتى أتاحت مراقبة حركات الذرات أثناء التحولات الجزيئية فى زمن الفيمتو ثانية وهو جزء من مليون مليار جزء من الثانية، وجائزت ألبرت أينشتاين العالمية، ووسام بنجامين فرانكين، ومنحته فرنسا جوقة الشرف الوطى برتبة فارس، وحصل على قلادة النيل أعلى الأوسمة المصرية، و50 درجة دكتوراه فخرية من أبرز جامعات العالم، فى مجالات العلوم والفنون والفلسفة.
وكما نال زويل كبريات الجوائز والأوسمة العلمية العالية، سعى إليه الساسة لاستشارته وإسناد إليه مناصب سياسية، ففى العام 2009 عينه الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى فترة واليته الأولى، عضوا بالمجلس الرئاسى فى البيت الأبيض، ثم عين نوفمبر من العام ذاته مبعوث علمى للولايات المتحدة إلى دول الشرق الأوسط، وهو المنصب الذى استحدثه أوباما وكان زويل أول من شغله.
المناصب الرسمية التى أوكلها أوباما إلى زويل، أثارت حفيظة نظام مبارك وحزبه الحاكم فى ذلك الوقت حيث غلب التوتر على العلاقات بين مبارك الذى كان يستعد لنقل السلطة لنجله جمال مبارك فى ذلك الوقت والولايات المتحدة الأمريكية، وبدأت تصدر إيماءات سياسية عن قادة بالحزب الوطنى الحاكم آن ذاك حول طموح سياسى لزويل فى مصر، وهو ما يفسر عرقلة النظام حينها لمشاريعه العلمية التى سعى لتنفيذها فى وطنه، رغم تأكيدات زويل المتكررة على أنه ليس لديه أى طموحات سياسية.
إلا أن حكم ما بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو كان أكثر ذكاء حيث سعى للاستفادة من خبرات زويل وعلاقاته الدولية فى خدمة البحث العلمى فى مصر وتطوير التعليم الجامعى وقبل ذلك دعم المواقف السياسية للدولة المصرية، وخلخلة النقاط الخلافية بين نظام الحكم وأمريكا.
وكان الرئيس السيسى الأكثر حنكة وسعيًا لاستثمار قدرات وخبرات علماء مصر الأفزاز فى مختلف المجالات وأرجاء العالم، بتشكيل مجلس استشارى علمى يضم زويل وعددا من العلماء المصريين، وظهر زويل فى أكثر من مناسبة جالسًا إلى جوار الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى دعم بقوة انجاز مشروع مدينة زويل، وهى مدينة تهتم بالبحث العلمى.
ولعب زويل دورًا بارزًا لما له من تأثير بالدوائر الأمريكية الرسمية والمحافل العلمية فى تصحيح الصورة الذهنية لدى الإدارة الأمريكية حول ثورة 30 يونيو، حيث ناهضتها أمريكا فى بدايتها مهددة بقطع المعونات العسكرية عن مصر احتجاجًا على الإطاحة بحكم الإخوان.
إلا أن زويل كان دائم الانحياز لوطنه مصر التى انجبته، ولم يستسلم لرؤية أمريكا التى رعته علميًا، فدعم ثورة 30 يونيو المصرية، وشدد فى منتديات عالمية على أن ما حدث انصياع لإرادة شعبية وليس إزاحة للإخوان بالقوة العسكرية كما زعمت بعض الدوائر الغربية، ونشر مقالات بصحف أجنبية أبرزها مقال نشره فى لوس انجلوس تايمز الأمريكية 2014 يحث أمريكا على التخلى عن لغة التهديد بقطع المعونات الأمريكية عن مصر، والعمل على تنمية الحوار والتواصل البناء مع مصر الدولة الأكثر تأثيرًا عربيًا وإقليميًا.
ونجح زويل فى التأثير الإيجابى لصالح مصر، فكان الابن البار العاشق لوطنه فى عيون الغالبية العظمى من الشعب المصرى وقيادته السياسية الحالية، وأن حمل جنسية أخرى أمريكية، إلا أن القلة القليلة التابعة لتنظيم الإخوان أعربت شماتة فى موته لما أصابها من ضرر ناجم عن دعمه للثورة.
لكن جنازته الرسمية وتوديعه ملفوفاً فى علم مصر أكبر دليل على ما تحمله مصر الرسمية والشعبية لابنها البار بل العالم أجمع، فعلمه باق يخدم البشرية كما قال أمير المؤمنين علي بن أبى طالب: «ففز بعلم تعش حيًا به أبدًا.. فالناس موتى وأهل العلم أحياء».