الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

زخم فنى ومشاركات متنوعة و«القاع» يناطح عروض المحترفين!

زخم فنى ومشاركات متنوعة و«القاع» يناطح عروض المحترفين!
زخم فنى ومشاركات متنوعة و«القاع» يناطح عروض المحترفين!




أيام قليلة ويسدل المهرجان القومى للمسرح ستاره، معلنا عن انتهاء دورته التاسعة، كما تعلن لجنة التحكيم عن نتائجها المنتظرة، وذلك يوم الاثنين الموافق 8 أغسطس الجارى، والتى ضمت عضوية كل من الفنانة سميحة أيوب رئيسا والفنان ثناء شافع وأشرف عبد الغفور والدكتور سامح صابر والفنان أحمد الحجار وإبراهيم الحسينى والناقد محمد سمير الخطيب، والدكتورة نهى برادة وفادى فوكيه مقررا.
شهد المهرجان هذا العام حالة من الزخم والتنوع الفنى الشديد سواء اتفقنا أو اختلافنا على مستوى جودة العروض المشاركة، إلا أن هذه الدورة تعتبر من أكثر دوراته زخاما وتمثيلا لكل الجهات المعنية بالإنتاج المسرحى، تنوعت العروض بين أعمال كوميدية ودرامية وموسيقية استعراضية بجانب نصوص عربية وعالمية وأخرى مؤلفة، وهو ما كان نادرا على مدار سنوات انعقاده، فكانت دائما ما توصى لجان التحكيم السابقة بضرورة الاهتمام بالنصوص المؤلفة، وفى أحد الدورات تم حجب جائزة التأليف لعدم وجود منافسة حقيقية.

دخل المهرجان هذا الأسبوع، فى جولته التسابقية الثانية والتى شهدت تقديم أكثر من عرض مسرحى تباينت فيه العروض بين قوى وجيد وضعيف، من بين الأعمال القوية والتى من المتوقع دخولها فى منافسة شرسة على جائزتى التمثيل والتأليف عرض «إن بوكس» تأليف سامح مهران وإخراج جلال عثمان وإنتاج مسرح الغد، تناول العرض قصة رجل عجوز متصابى يعشق التوغل فى العالم الافتراضى الذى يعيشه فى واقعه، فهو لا يعيش حياة طبيعية بل يهوى العيش فى خياله، كى يعوض به عجزه الجنسى وعندما يتزوج يطلب من زوجته ان تثيره عن طريق موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» وهو ما تتلخص فيه حياته، فهو يعشق التجسس على الفتيات، والإيقاع بهن عن طريق الإنبوكس، كى يضمن لنفسه اختيار زوجة صالحة، ولو كان العمل اقتصر على هذا الخط الدرامى وحده، لجاء أقوى مما كان عليه، لأنه كان الأكثر حبكة وإثارة للانتباه وخرجت منه مواقف كوميدية متعددة، فإذا كان تخلى المؤلف عن الخطين الإضافيين وهو الساعة التى تخرج عليهم لتكدير صفو سعادة العروسين يوم زفافهما، والماضى الذى يلاحق الزوجة والذى تمثل فى شبح حبيبها الذى استشهد خلال أحداث الثورة، ويعتاد الظهور لها فى مواقف متفرقة، فلم يكن العرض فى حاجة لإضافة هذا الجزء المتعلق بالثورة على وجه التحديد، لأن اقتصاره على قصة هذا العجوز المتصابى ربما كان أكثر متعة وتكثيفا للأحداث، لأن ظهور الشبح كان دخيلا على الفكرة الرئيسية للعرض، قام ببطولته الفنان عبد الرحيم حسن وإيمان إمام وتمتع الاثنان بخفة ظل وانسجام فيما بينهما، وكانت إمام فى أفضل حالتها الفنية، فكلاهما لعب دوره بمهارة استطعا بها انتزاع الضحك من الجمهور، دون اسفاف أو ابتذال، لكن أسوأ ما كان فى العرض صورته المسرحية، فبرغم من أن فكرة الديكور مبتكرة وجيدة إلا أن ألوانه وتنفيذه كان مزعجا للغاية، من الأعمال المنافسة على جائزة التأليف أيضا عرض «30 فبراير» تأليف مصطفى سعد وإخراج هشام السنباطى وبطولة محمد يوركا حامد محسن ومحمد يوسف، يتناول العمل مدى صدق وقوع أحداث معينة فى حياتك وارتباط تاريخ وقوعها بيوم 30 فبراير، فبما أن هذا اليوم ليس له وجود فى الواقع، ولن يكون، فهذه الأحداث لم تقع من الأساس، لأنها وقعت من وجهة نظر المؤلف فى تاريخ غير موجود، قدم المؤلف هذه الفكرة المبتكرة، من خلال مريض نفسى يتوهم أن يوم ميلاده يوم 30 فبراير، وكذلك طبيبه المعالج الذى يعيش فى نفس الوهم، ويحتفل أشباح العرض بميلاد الطبيب والمريض، فى بداية العمل وفى مشهد نهايته، جنح المؤلف هنا إلى تناول قضايا الإحباط والأخلاق لكن بطريقة عبثية، وينافس فيه الممثل محمد يوسف على جوائز التمثيل لقوة أدائه لشخصية المريض، وكذلك يدخل عرض «نساء شكسبير» للمخرج محمد الطايع والتابع لمكتبة الإسكندرية، حلبة المنافسة على جائزة التأليف، لأن النص هو بطل العرض، حيث تناول المؤلف سامح عثمان فى صياغة مسرحية جيدة فكرة اجتماع نادر لبطلات مسرحيات شكسبير كليوباترا من «أنطونيو وكليوباترا»، جوليت من «روميو وجيوليت»، ليدى ماكبث من «ماكبث»، تيتانيا ملكة الجن من «حلم ليلة صيف»، جرترود والدة «هاملت»، آلان عشيقة شكسبير، وديدمونة من «عطيل»، كل هؤلاء اجتمعن لمحسابته ومجادلته حول مصائرهن فى مسرحياته، ويتعرض النص بالنقد والجدل لوجهة نظر شكسبير المتحاملة على المرأة دائما فى معظم أعماله، والتى أهدرت حقها كثيرا فى الحب والحياة مرة عن طريق الخيانة أو التحريض على القتل أو بقتلها ظلما وعدوانا وأخرى بموتها قهرا وحسرة على حبها الوحيد، وهكذا مما جاءت عليه مصائر بطلات أعماله التى سبق ذكرها، ومن هنا تكمن قوة وجودة العرض، لكن للأسف لم يكن الممثلون وعلى رأسهم البطل شكسبير ونسائه بنفس القوة فى الأداء، والتعبير عن فلسفة وفكرة النص مما أفقد العمل ثقله وروعته.
يأتى على قائمة الأعمال القوية المنافسة لعروض المحترفين عرض «نهاية اللعبة» تأليف صمويل بيكيت وإخراج يوسف مصطفى، وبطولة عمرو عفيفى ومصطفى خطاب، ويتناول قصة حياة شقيقين يعيشان معا فى نفس المنزل أحدهما يعانى من فقدان البصر إلا أنه يتسلط ويستبد بشقيقه، الذى لا يستطيع تركه وحده برغم معاناته معه، لكنه يقرر المغادرة والخروج بعد وفاته، كان هذا العمل مباراة تمثيلية حقيقية بين البطلين، وهو من الأعمال المنافسة وبقوة على جوائز التمثيل والسينوغرافيا، وكان عرض «الرمادى» إخراج عبير على والتابع لمركز الهناجر للفنون من بين أعمال المحترفين المهمة بهذه الدورة، وينافس بشراسة على جوائز العمل الجماعى والإخراج والسينوغرافيا، وهو مأخوذ عن رواية 1984 للمؤلف الإنجليزى جورج أورويل، وبطولة فريق المسحراتى، وعرض «زى الناس» وهو عن نص «القاعدة والاستثناء» لبريخت إخراج هانى عفيفى وبطولة هشام اسماعيل وكريم يحيى وماهر محمود، وشادى عبد السلام، وهو من الأعمال المنافسة بقوة على جوائز التمثيل والملابس والإخراج المسرحى.
كان لعروض القطاع الخاص المشاركة بالمسابقة الرسمية نصيب كبير فى المنافسة على الجوائز مثل عرض «ياسم» فكرة وإخراج شيرين حجازى، والذى تناولت فيه حجازى معاناة المرأة من التحرش والإزدراء بالمجتمع الشرقى وإلقاء التهم الجزافية عليها، ومقاومتها لكل هذه الأزمات بالحركة والرقص الإيقاعى على الطبلة، التى تعلن بها صابرين الحسامى من خلال إيقاعتها المتنوعة عن صرخات المرأة ومقاومتها للمجتمع، شاركها فى الحركات الإيقاعية الراقصة كل من نغم صلاح، أمانى عاطف، صابرين الحسامى، ويدخل هذا العمل فى منافسة شرسة  مع عرض «البصاصين» لفرقة الرقص المسرحى الحديث التابع لدار الأوبرا، بينما قد يخرج عرض «كلنا كاليجولا» التابع لنفس الفريق وإخراج محمود مصطفى من إطار المنافسة على تخصصه أو قالبه الفنى كعرض راقص، فمن المتوقع أن تتغير وجهة منافسته إلى عروض الدراما لأن الإعداد الدرامى للعرض لأكرم مصطفى، أقوى وأكثر لفتا للانتباه من الاستعراض، وكذلك الأداء التمثيلى لبطل العمل يحيى أحمد.
كان من ضمن الأعمال الجيدة أيضا خلال الأسبوع الماضى عرض «صاحب السمو» إخراج محمد مرسى، وهو نتاج مشروع مسرح فى كل مكان الذى أقامه صندوق التنمية الثقافية، كى يكون معنيا بإقامة عروض مسرحية متنوعة عن قصص الأماكن التاريخية بمنطقة الحسين وغيرها، تناول المشروع هذه المرة قصة السلطان «قنصوة الغورى»، ببساطة شديدة على لسان الحكاء بطل العرض الذى أدى دوره بمهارة شديدة وكذلك المطرب الذى علا المسرح والذى كان أكثر جذبا للانتباه بصوته العذب، وإن لم يتوغل العمل بشكل أعمق فى الحكاية التى سردها عن السلطان لكن فى المجمل هو عرض جيد الصنع فيما يخدم فكرته التى أنشئ من أجلها، فقد لا يكون منافسا قويا، لكنه ميسر لما صنع له.
كانت من مفاجآت هذه الدورة عروض المسرح الجامعى التى لفتت أنظار الجمهور لمتابعتها، على رأسهم «القاع» التابع لكلية هندسة جامعة عين شمس عن نص «الحضيض» لماكسيم جوركى، وهو من الأعمال التى تناطح عروض المحترفين بقوة، قدم فريق العمل العرض بمهارة فنية شديدة وبدوا كما لو أنهم يمثلون كيانًا مسرحيًا كبيرًا فلم يفرق العرض كثيرا فى شكله ومستواه عن عروض البيت الفنى للمسرح، ينتباك هذا الشعور عندما يبدأ الممثلون فى إدخالك إلى عالمهم الحضيضى، لن تظن للحظة واحدة أن هؤلاء مجرد مجموعة من شباب الجامعة قرروا الدخول فى حلبة المنافسة، بشعور كامل بالمسئولية تجاه الحالة التسابقية للمهرجان، ومنح هؤلاء الشباب درسا فى إدراك حجم المنافسة بدقة اهتمامهم بكل تفاصيل العرض المسرحى، بدءا من التمثيل والإضاءة والديكور، وانتهاء بالغناء والعزف الموسيقى الحى والحركة المتقنة على المسرح، كما لو أنك ذهبت لمشاهدة العرض على أحد المسارح الأوروبية، ومن المتوقع أن ينافس هؤلاء وبشراسة على جوائز التمثيل والسينوغرافيا والإخراج، فهو عمل متكامل بكل ما تحمله الكلمة من معنى، تفوق فيه الجميع، ونجحوا فى الاستحواذ على الجمهور بارتفاع مستوى أدائهم الحركى والغنائى والتمثيلي، من الأعمال الجامعية المميزة أيضا «القروش الثلاثة» جامعة طنطا تأليف برتولد بريخت، وإخراج السعيد منسى تناول العمل فكرة كيفية محاربة الفقراء لفقرهم بإمتهان الشحاتة وكيف يعاقبهم المجتمع رغم أنهم لا يملكون سوى اللجوء لهذا الطريق، فهو من الأعمال الجيدة الذى التزم فيه المخرج والممثلون بقواعد المسرح من حيث جودة التمثيل والإخراج والديكور وإن كانت أفضلهم بطلة العمل التى لعبت زوجة المسئول عن تسريح الشحاذين بالمدينة، وكذلك البطل، بينما يأتى فى المرتبة الثالثة «أنشودة غول لوزيتانيا» تناول العمل معاناة الغرب الإفريقى فى مقاومة ديكتاتورية الاستعمار الأوروبى واستنفاد موارده الطبيعية والبشرية فى تحقيق مصالحه، تميز العرض بجودة الأداء الحركى والجماعى لأبطاله، الذى قدم بشكل جيد ومدروس بينما كان هناك حالة من التشويش البصرى لعدم تناسق الديكور مع ملابس ومكياج الممثلون الأفريقى، لكنها تجربة مسرحية جيدة، تستحق الإشادة والمشاهدة، وهكذا حظيت الجامعات مقارنة بعروض شباب المستقلين والشركات بالحظ الأوفر والقدرة الأكبر على منافسة المحترفين.
بالطبع لم تخل الجولة الثانية فى المهرجان من الأعمال الضعيفة وغير المتقنة فنيا، مثل «كواليس» تأليف وإخراج داليا بسيونى، تناول العرض قضية مواجهة مخرجة مسرحية لعراقيل الدخول فى أول تجربة لها بالإخراج المسرحى، تناول النص والممثلون والمخرجة الفكرة بشكل سطحى للغاية، وهى أزمة معاناة المرأة سواء مع عملها او حبيبها، وبدا العمل كأنه عرض تعليمى تربوى ساذج سواء من خلال أداء الممثلين أو النص المكتوب، لم ينتج عن هذه التجربة سوى مغادرة الجمهور لقاعة العرض ضجرا من صناعه، فلم يكن من الأعمال الصالحة للتسابق، لأنه لم يحتو على أى شىء لافت سوى صورة مسرحية لا بأس بها، وكذلك عرض «العشيقة» إنتاج انتركونتتنتال سيتى ستارز وهو مأخوذ عن مهاجر برسبان لجورج شحادة إعداد إسلام إمام وإخراج عمرو حسان تدور أحداثه حول قرية وصلها خطاب من شخص مجهول يؤكد فيه أنه كان على علاقة بإحدى نسائها منذ 15 عامًا وأنجب منها ولدًا وترك له وصية إرث بمبلغ كبير ليبدأ شيخ البلد تحقيقا مع نساء القرية كى يعرف صاحبة الواقعة، العمل ليس سيئا على الإطلاق، فقد احتوى على بعض المحاولات الجيدة مثل الديكور وأداء بعض المشاركين فيه، لكنه فى المجمل لا يصلح للمشاركة فى مسابقة رسمية لمهرجان كبير، كان أيضا «حلم ولا علم» من الأعمال التى لا تصلح للمشاركة نهائيا، وهو تابع لفريق مؤسسة الأهرام تأليف محسن يوسف وإخراج شريف سمير، وكذلك عرض «الشاطر حسن» إنتاج البيت الفنى للفنون الشعبية تأليف وأشعار فؤاد حداد وإخراج حسن الشريف، كل هذه الأعمال كان الأولى بها المشاركة على هامش المهرجان، بدلا من دخولها فى حلبة تسابق لم يكن صناعها على استعداد جيد له!